top of page
صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

انتهاكات حقوق الأطفال السوريين في النزاع المسلح

تقرير: التجنيد والقتل والتشويه أكثر ما عانى منه الأطفال في النزاعات خلال عام 2020: يتحدث هذا التقرير عن الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الأطفال في سوريا وغيرها من مناطق النزاع، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية والاغتصاب والزواج القسري والهجمات على المدارس والمستشفيات. يستند التقرير إلى تقرير الأمين العام للأطفال والنزاع المسلح لعام 2020

انتهاكات حقوق الأطفال السوريين في النزاع المسلح
انتهاكات حقوق الأطفال السوريين في النزاع المسلح

تستعرض هذه الورقة اثر النزاع المسلح وبالتالي ظروف اللجوء، على تفاقم عوامل الخطورة النفسية والاجتماعية التي تؤدي لارتكاب العنف ضد الأطفال؟ بمرجعية النموذج البيئي لمنظمة الصحة العالمية المتعلق بجذور العنف ضد الأطفال، فإنها تقسم لجذور وأسباب فردية تتعلق بالجاني نفسه من مثل معاناته من اضطرابات الشخصية أو الإدمان، وجذور تتعلق بخلل في العلاقات مع الأخرين وخاصة الأسرية منها، وجذور مجتمعية تتعلق بالفقر والعوز والتعطل عن العمل وسوء البيئة التي تعيش بها الأسرة وأيضا جذور اجتماعية تتعلق بثقافة سلبية سائدة لا تحترم الطفل كإنسان. وعلى الرغم من أن جذور العنف هذه وخاصة المرتبطة بالفرد والأسرة والمجتمع تتفاقم بظروف اللجوء في النزاعات المسلحة، الا أن العنف ضد الأطفال هو أمر لا يمكن تبريره أبداً، وللأطفال في النزعات المسلحة والأطفال اللاجئين الحق بحياة خالية من العنف كعموم الأطفال.


اشكال الانتهاكات: الانتهاكات بحق الأطفال السوريين تتجاوز تعرضهم للعنف والإهمال في بيئة المخيمات وأماكن سكناهم في دول اللجوء، إلى انتهاكات كل الحقوق الواردة باتفاقية حقوق الطفل؛ الحق في الحياة والحق في العيش في أسرة ومجتمع والحق بالصحة والحق في تنمية الشخصية والحق في التنشئة والحق بالتعليم والحق بالحماية. يترتب عن النزاعات المسلحة آثار جسدية ونفسية عميقة على حياة الأطفال ولأجل غير منظور؛ فالحرب كما نشهدها في سوريا، تقتل أعدادا كبيرة من الأطفال وتحرم أعداد لا حصر لها منهم من احتياجاتهم المادية والعاطفية وتُمزق بنية مجتمعهم وتُدمر منازلهم ونظمهم الصحية.

على الرغم من إن الدول الأطراف في اتفاقيه حقوق الطفل مسؤولة عن صون حقوق جميع الأطفال داخل أقاليمها بدون تمييز، إلا أن حماية الأطفال وخاصة في النزاعات المسلحة هي مسألة قانونية لها مرجعية دولية مرتبطة بالقانون الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان، وعليه فإن أي انتهاكات لحقوق الطفل بالبقاء والنماء والتعليم والحماية أثناء النزاعات المسلحة لا تستوجب الشجب فقط بل المنع ومن غير الممكن السماح بها بأي شكل من الأشكال وتستوجب المسائلة القانونية الدولية أمام المحاكم والمؤسسات الدولية. فاتفاقية جنيف الرابعة (1949) المتعلقة بحماية الأفراد المدنيين في أوقات الحرب هي من المصادر الرئيسية لحماية الأفراد المدنيين بما في ذلك الأطفال، واتفاقية حقوق الطفل (1989) تتطبق في وقت السلم والحرب على السواء والتي تشمل حماية البيئة الأسرية والرعاية المساعدة في الوصول للرعاية الصحية والغذاء والتعليم وحظر التعذيب الجسدي والنفسي وأي إساءة.

الاعتبار الرئيسي لعواقب النزاعات المسلحة على الأطفال هو أن هذه العواقب هي مؤشرات خطيرة على انتهاك أطراف النزاع إن كانوا جماعات مسلحة أو جيوش نظامية، لحقوق الإنسان العالمية ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل ومخالفة صارخة لاتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين. عواقب النزاعات المسلحة على الأطفال لا تنحصر بالعواقب المباشرة على صحتهم بل تتعدى ذلك لعواقب نفسية واجتماعية وتعليمية. إن عواقب النزاعات المسلحة على صحة الأطفال هي عواقب مباشرة وعواقب بعيدة المدى تهدد حياة الأطفال وأسرهم والمجتمع بكامله، فيقتل الأطفال في النزاعات المسلحة بالرصاص والقنابل والألغام ولكن كثير منهم يموت بسبب سوء التغذية والأمراض التي تتسبب فيها أو تزيد من حدتها النزاعات المسلحة، فالأطفال هم أكثر من يتأثر بقطع الإمدادات الغذائية وبتدمير المحاصيل الغذائية والبنية التحتية للزراعة وكذلك هم الأكثر تأثرا نتيجة تحطيم الأسر والجماعات وتشريد السكان وتدمير الخدمات الصحية ونظم توزيع المياه والصرف الصحي. كما وأن الأطفال المتعرضين لإصابات الحروب وسوء التـغذية المرافق للنزاعات المسلحة هم أكثر تعرضا للالتهابات الشائعة بمرحلة الطفولة من مثل الإسهالات والإلتهاب الرئوية وبتالي الوفاة. بينت الدراسات أن النزاع المسلح يزيد معدلات وفيات الأطفال 24 ضعفا ويصبح جميع الأطفال معرضين للخطر في حالة نشوب النزاع ولكن أضعف الأطفال هم الذين يكونون دون سن الخامسة وهم معرضين لسوء التغذية بشكل كبير. يقتل العديد من الأطفال جراء أي نزاع مسلح، ولكن ثلاثة أضعافهم يصابون بإصابات خطيرة أو بحالات عجز دائم، وقد بينت إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن النزاع المسلح والعنف السياسي هما السببان الرئيسيان في الإصابة والعجز والإعاقات الجسدية التي يعاني منها الأطفال. إن تعرض المنشآت الصحية للهجوم او التسبب بإغلاقها لأي سبب، والذي يشكل خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف المبرمة عام 1949، يؤدي إلى أن الأطفال المصابين بسبب النزاع المسلح والأطفال المرضى لا يحصلوا على العلاج والتأهيل بصورة فعالة، إضافة إلى الأثار السلبية الناتجة عن غياب الرعاية الطبية الأولية من مثل التحصين ضد الأمراض وخدمات الأمومة والطفولة الأخرى. يمثل النزاع المسلح خطرا كبيرا على الصحة العامة يستحيل تجاهله، فلو أن مرضا قد تسبب في مثل هذا القدر من الضرر واسع النطاق لكان قد أجتذب الانتباه العاجل من جانب أخصائيي الصحة العامة فعدد الأطفال الذين يقضي عليهم أي نزاع مسلح ويشوههم يفوق عدد الضحايا من المشاركين في النزاع، مما يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الطفل في البقاء والنماء. الضرر الذي يلحق بأنظمة الغذاء قد يكون أمرا غير مقصود مرافقا لطبيعة النزاع المسلح، ألا أنه في بعض الأحيان كما هو الحال في الحرب السورية يكون متعمدا مما يضاعف العواقب السلبية على صحة الطفل وتعريضه للأمراض وتهديد حياته، ويكون هذا الضرر بنظم الغذاء بعرقلة توزيع مواد الإغاثة وقطع سبل الإمدادات وهذا انتهاك صارخ للقانون الإنساني. إن أكثر الأطفال تعرضا لسوء التغذية الناتج عن النزاع المسلح، هم الأطفال الصغار وخاصة دون الثالثة من العمر مما يضعف قدرتهم على مقاومة أمراض الطفولة العادية والتي تصبح سبب رئيسيا بالوفاة والتخلف العقلي، كما وأن النزاع المسلح يسبب ضغوط على الأمهات وغيرهن من أفراد الأسرة مما يحجب العناية عن الاطفال ويفاقم الخطر عليهم من مثل عدم القدرة على الرضاعة الطبيعية بسبب معاناة الأمهات من الجوع والإرهاق والصدمة أو بسبب معانتهن من سوء التغذية. العواقب الاجتماعية والنفسية الناتجة عن تعرض الاطفال لعنف النزاعات المسلحة تشمل القلق من الانفصال وتأخر النمو واضطراب النوم والكوابيس وفقدان الشهية للأكل والميل إلى العزلة وعدم الرغبة في اللعب ومواجهة صعوبات التعلم لدى الأطفال أصغر سنا. أما الأطفال الأكبر سنا والمراهقين فيتعرضون بالإضافة لما سبق للسلوك العدواني وللاكتئاب. فقدان الوالدين والأقرباء أثناء النزاعات المسلحة يسبب تغير مسارات حياة الأطفال تغيرا جذريا ويترك عواقب اجتماعية ونفسية بعيدة المدى على شكل آلام وأحزان لا تزول، كما وأن تعرض الأطفال في سن المراهقة للنزاعات المسلحة تعرقل نماء شخصيتهم ويدمر مستقبلهم فيعانون من اكتئاب شديد ويزيد من احتمال تعرضهم لمحاولات الانتحار، أما مشاهدة الأطفال والمراهقين للعنف الذي يتعرض لهم أباءهم أثناء النزاعات المسلحة يقوض ثقتهم بأنفسهم وبالأخرين ويولد إحساس دائما بالخوف. المخاطر التي يتعرض لها التعليم أثناء النزاع المسلح تشكل أكبر النكسات الإنمائية بالنسبة للمجتمعات المنكوبة بالصراع لأن السنوات التي يضيع فيها التعليم والمهارات المهنية تحتاج إلى سنوات مثلها لتعويضها ويفرض عدم وجودها مزيدا من الضعف الاجتماعي والاقتصادي. أثبتت الدراسات أن الطلاب والمعلمون أثناء النزاعات المسلحة يواجهون صعوبة في التركيز وخاصة عقب مشاهدتهم للعنف أو نتيجة التعرض له أو بسبب أن هناك أحد أفراد أسرهم من هو أسير أو سجين.

ما هي مسؤولية المؤسسات الأممية؟ إن عجز المجتمع الدولي عن وقف النزاع المسلح لأسباب سياسية، لا يعني وقوفه عاجزا وتقبله لانتهاك حقوق الطفل ولا يبرر التراخي في حماية هذه الحقوق، فهذه الانتهاكات مرفوضة ولا يمكن احتمالها بأي شكل من الأشكال ويجب على المجتمع الدولي استخدام الآليات التي تُقييم وترصد عواقب عنف النزاع المسلح على الأطفال بقياس الضرر الذي يلحق بهم وبنوعية حياتهم وبقياس معدل وفياتهم، وفي جميع الأحوال ينبغي أن تتولى مؤسسات الأمم المتحدة مسؤولية التصدي للموقف والعمل على تحديد الإجراءات الجزائية بحق الجماعات المسلحة أو الدولة المتسببة بمعاناة الأطفال في النزاع المسلح وكذلك يتوقع من هذه المؤسسات الدولية العمل العاجل لحماية الأطفال في وضعهم الحالي والعمل على إعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا واجتماعيا. ما هي مسؤولية الدولة المضيفة حول توفير الحماية للأطفال اللاجئين؟ تبين المراجع الأممية، بما فيها دراسة الأمم المتحدة حول تأثير الصراع المسلح على الأطفال المعروفة ب " دراسة ماتشيل" أن هناك مسؤولية مباشرة للدولة المضيفة بتوفير أقصى حماية للأطفال اللاجئين على أراضيها وذلك بالمرجعية القانونية للاتفاقيات الدولية والتشريعات السارية في الدول المضيفة، والتي تشمل توفير الأمن الشخصي والتحرر من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية او المهينة، وضمان توفير حق الأطفال والمراهقين اللاجئين بالتعليم والغذاء والصحة، ومنعهم من الانخراط المباشر في النزاع المسلح أو استخدامهم كجنود، وضمان الحفاظ على كيان أسري خالٍ من العنف الجسدي أو الجنسي. يتوجب على الدولة المضيفة الحفاظ على الأمن الجسدي للأطفال والمراهقين اللاجئين، وتأمين موقع المخيمات بحيث تكون على مسافة معقولة من حدود، واتخاذ الخطوات الكفيلة بالحفاظ على الطابع المدني والصبغة الإنسانية لهذه المخيمات، ومنع فصل الأطفال والمراهقين اللاجئين عن أسرهم وتنشيط الرعاية والحماية وجمع شمل الأسر بالنسبة للقصر غير المصحوبين بذويهم؛ ويتوجب على الدولة المضيفة أيضا الحزم بتطبيق القوانين التي تمنع العنف والاستغلال والتهريب والانتهاك الجنسي، ومعالجة احتياجات وحقوق الضحايا من الأطفال والمراهقين من خلال تأمين الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، والخدمات القانونية والاجتماعية.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف

١٤٢ مشاهدة

Comments


bottom of page