top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، خروقات وجرائم حرب

إن الحرب على غزة وأطفالها تنتهك كل حق من الحقوق الواردة باتفاقية حقوق الطفل؛ الحق في الحياة والحق في العيش في أسرة ومجتمع والحق بالصحة والحق في تنمية الشخصية والحق في التنشئة والحق بالتعليم والحق بالحماية، ويترتب عن هذا الاعتداءات المسلحة آثار جسدية ونفسية عميقة على حياة الأطفال ولأجل غير منظور؛ فالحرب كما نشهد في الهجوم الغاشم على غزة، تقتل أعدادا كبيرة من الأطفال ويحرم أعداد لا حصر لها منهم من احتياجاتهم الاساسية المادية والعاطفية وتُمزق بنية مجتمعهم وتُدمر منازلهم وحقهم بمأوى وتهدم النظم الصحية وتنتهك حقهم بالحياة والصحة والرعاية والطبية.

انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة
انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة

على الرغم من إن الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل، وإسرائيل احدى هذه الدول، مسؤولة عن صون حقوق جميع الأطفال داخل أقاليمها بدون تمييز بما في ذلك المناطق المحتلة من قبلها او تحت سيطرتها العسكرية، إلا أن حماية الأطفال وخاصة في النزاعات المسلحة هي أيضا شأن قانوني له مرجعية دولية مرتبطة بالقانون الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان، وعليه فإن أي انتهاكات لحقوق الطفل بالبقاء والنماء والتعليم والحماية أثناء النزاعات المسلحة لا تستوجب الشجب فقط بل المنع ومن غير الممكن السماح بها بأي شكل من الأشكال وتستوجب المسائلة القانونية الدولية أمام المحاكم والمؤسسات الدولية.

اتفاقية جنيف الرابعة (1949) المتعلقة بحماية الأفراد المدنيين في أوقات الحرب هي من المصادر الرئيسية لحماية الأفراد المدنيين بما في ذلك الأطفال، واتفاقية حقوق الطفل (1989) والتي تطبق في أوقات السلم والحرب على السواء تشمل حماية حقوق الطفل بالبقاء والصحة والبيئة الأسرية والرعاية المساعدة في الوصول للرعاية الصحية والغذاء والتعليم وحظر التعذيب الجسدي والنفسي وأي إساءة.


عواقب النزاعات المسلحة على حقوق الطفل

الاعتبار الرئيسي لعواقب النزاعات المسلحة على الأطفال هو أن هذه العواقب هي مؤشرات خطيرة على انتهاك الدولة المعتدية لحقوق الإنسان العالمية ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل ومخالفة صارخة لاتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين. عواقب النزاعات المسلحة على الأطفال لا تنحصر بالعواقب المباشرة للإصابات والجروح في اجسادهم وتهديد حياتهم وصحتهم، بل تتعدى ذلك لعواقب نفسية واجتماعية وتعليمية. من الممكن تقسيم عواقب النزاعات المسلحة على الأطفال إلى عواقب مباشرة وعواقب بعيدة المدى، والى عواقب تهدد الطفل وعواقب تهدد الاسرة والمجتمع.


تشمل الانتهاكات على الحق بالحياة والصحة ثلاثة محاور رئيسية (1) قتل الأطفال وتشويههم (2) لهجمات العسكرية على المؤسسات الصحية (3) منع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال:

قتل الأطفال وتشويههم يكون نتيجة للاستهداف المباشر أو أعمال غير مباشرة. القتل والتشويه يكونان من خلال الغارات الجوية، أو تبادل إطلاق النار، أو الألغام الأرضية، أو القنابل، أو الذخائر العنقودية، أو الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع أو الأجهزة المتفجرة الأخرى العشوائية الاستخدام، أو حتى في سياق العمليات العسكرية، أو هدم المنازل، أو حملات التفتيش والاعتقال، أو الهجمات الانتحارية.

الهجمات العسكرية على المؤسسات الصحية تشمل استهداف المرافق الطبية وهذا يتسبب في الدمار الكلي أو الجزئي لتلك المنشآت وإلحاق الأذى والضرر وحتى الموت بالعاملين في هذه المنشآت.

منع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال يشمل تعمد حرمان الأطفال من المساعدات الإنسانية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة أو منع او عرقلة وصول المساعدات إليهم بفعل أطراف النزاع، ويشمل ذلك تعمد حؤول قدرة الجهات الفاعلة في المجال الإنساني والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة على الوصول إلى الأطفال المتضررين ومساعدتهم، في حالات النزاع المسلح.

المحاور الثلاث السابقة تؤدي إلى ما يلي:

(1) إن الضرر الذي يلحق بالأطفال ينتج عن الهجمات المباشرة أو الهجمات التي لا يكون فيها تمييز كاف بين الأهداف المدنية والعسكرية وحيثما تكون أطراف النزاع قد فشلت في الامتثال الى التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، ويشمل ذلك مبادئ التمييز والتناسب، والشرط الذي يقضي باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وقوع خسائر في الأرواح بين المدنيين، او على الأقل تقليل تلك الخسائر إلى الحد الأدنى. وبصفة عامة، شكلت الغارات الجوية والاشتباكات التي دارت على الأرض وغيرها من العمليات والهجمات البرية السبب الرئيسي في وقوع خسائر بين الأطفال. يشكل استخدام الأسلحة المتفجرة ولا سيما في المناطق المأهولة والتي تكون شديدة الانفجار وذات التأثر الواسع النطاق تهديدا حقيقا ومستمرا للأطفال أسرهم.

(2) كثير من الأطفال في النزاعات المسلحة يموتون بسبب سوء التغذية ونتيجة الأمراض التي تتسبب بها أو تزيد من حدتها هذه النزاعات، فالأطفال هم أكثر من يتأثر بقطع الإمدادات الغذائية نتيجة الحصار وبتدمير المحاصيل الغذائية وخراب البنية التحتية للزراعة وكذلك هم الأكثر تأثرا نتيجة تحطيم الأسر والجماعات وتشريد السكان وتدمير الخدمات الصحية ونظم توزيع المياه والصرف الصحي.

(3) أن الأطفال المتعرضين لإصابات الحروب وسوء التـغذية المرافق للنزاعات المسلحة هم أكثر تعرضا للالتهابات الشائعة بمرحلة الطفولة من مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والاصابة بالأوبئة والآفات المعدية وبتالي الوفاة.

(4) بينت الدراسات والأبحاث المسندة أن النزاع المسلح يزيد معدلات وفيات الأطفال 24 ضعفا ويصبح جميع الأطفال معرضين للخطر في حالة نشوب النزاع العسكري، كما وبينت هذه الدراسات ان الأطفال المعرضين للخطر أكثر من غيرهم هم الذين يكونون دون سن الخامسة وهم معرضين بشكل اشد لسوء التغذية.

(5) يقتل العديد من الأطفال جراء أي نزاع مسلح، ولكن ثلاثة أضعافهم يصابون بإصابات خطيرة أو بحالات عجز دائم، وقد بينت إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن النزاع المسلح والعنف السياسي هما السببان الرئيسيان في الإصابة والعجز والإعاقات الجسدية التي يعاني منها الأطفال.

(6) إن تعرض المنشآت الصحية للهجوم او التسبب بإغلاقها لأي سبب، والذي يشكل خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف المبرمة عام 1949، يؤدي إلى أن الأطفال المصابين بسبب النزاع المسلح والأطفال المرضى لا يحصلوا على العلاج والتأهيل بصورة فعالة، إضافة إلى الأثار السلبية الناتجة عن غياب الرعاية الطبية الأولية من مثل التحصين ضد الأمراض وخدمات الأمومة والطفولة الأخرى.

(7) يشكل النزاع المسلح خطرا كبيرا على الصحة العامة يستحيل تجاهله، فلو أن مرضا قد تسبب في مثل هذا القدر من الضرر واسع النطاق لكان قد أجتذب الانتباه العاجل من جانب أخصائي الصحة العامة فعدد الأطفال الذين يقضي عليهم أي نزاع مسلح ويشوههم يفوق عدد الضحايا من المشاركين في النزاع، مما يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الطفل في البقاء والنماء.

(8) الضرر الذي يلحق بأنظمة الغذاء والمياه المرافق للنزاع المسلح، إن كان غير مقصود او إن كان متعمدا كحصار قطاع غزة، يضاعف العواقب السلبية على صحة الطفل وتعريضه للأمراض وتهديد حياته، ويكون هذا الضرر بنظم الغذاء بعرقلة توزيع مواد الإغاثة وقطع سبل الإمدادات وهذا انتهاك صارخ للقانون الإنساني.

(9) إن أكثر الأطفال تعرضا لسوء التغذية الناتج عن النزاع المسلح، هم الأطفال الصغار وخاصة دون الثالثة من العمر مما يضعف قدرتهم على مقاومة أمراض الطفولة العادية والتي تصبح سبب رئيسيا بالوفاة والتخلف العقلي، كما وأن النزاع المسلح يسبب ضغوط على الأمهات وغيرهن من أفراد الأسرة مما يحجب العناية عن الاطفال ويفاقم الخطر عليهم من مثل عدم القدرة على الرضاعة الطبيعية بسبب معاناة الأمهات من الجوع والإرهاق والصدمة أو بسبب معانتهن من سوء التغذية.

(10) العواقب الإجتماعية والنفسية الناتجة عن تعرض الاطفال لعنف النزاعات المسلحة تشمل:

1) القلق من الانفصال وتأخر النمو واضطراب النوم والكوابيس وفقدان الشهية للأكل والميل إلى العزلة وعدم الرغبة في اللعب ومواجهة صعوبات التعلم لدى الأطفال الأصغر سنا. أما الأطفال الأكبر سنا والمراهقين فيتعرضون بالإضافة لما سبق للسلوك العدواني وللاكتئاب.

2) فقدان الوالدين والأقرباء أثناء النزاعات المسلحة يسبب تغير مسارات حياة الأطفال تغيرا جذريا ويترك عواقب اجتماعية ونفسية بعيدة المدى على شكل آلام وأحزان لا تزول، كما وأن تعرض الأطفال في سن المراهقة للنزاعات المسلحة تعرقل نماء شخصيتهم ويدمر مستقبلهم فيعانون من اكتئاب شديد ويزيد من احتمال تعرضهم لمحاولات الانتحار، أما مشاهدة الأطفال والمراهقين للعنف الذي يتعرض لهم أباءهم واقاربهم وجيرانهم واحبائهم أثناء النزاعات المسلحة يقوض ثقتهم بأنفسهم وبالأخرين ويولد إحساس دائما بالخوف.


الهجمات العسكرية على المؤسسات التعليمية:

المخاطر التي يتعرض لها التعليم أثناء النزاع المسلح تشكل أكبر النكسات الإنمائية بالنسبة للمجتمعات المنكوبة بالصراع لأن السنوات التي يضيع فيها التعليم والمهارات المهنية تحتاج إلى سنوات مثلها لتعويضها ويفرض عدم وجودها مزيدا من الضعف الاجتماعي والاقتصادي. أثبتت الدراسات أن الطلاب والمعلمون أثناء النزاعات المسلحة يواجهون صعوبة في التركيز والتكيف وخاصة عقب مشاهدتهم للعنف أو نتيجة التعرض له أو بسبب أن هناك أحد أفراد أسرهم من هو أسير أو سجين.


يجب أن يكون معلوما أن الأطفال لا دور لهم في الحروب وأن على المجتمع الدولي أن يندد بأي هجوم عليهم بوصفه أمرا غير قانوني وغير مقبول ولا يمكن احتماله بأي شكل من الأشكال ويجب استخدام الآليات الدولية التي تقييم وترصد عواقب عنف النزاع المسلح على الأطفال بقياس الضرر الذي يلحق بهم وبنوعية حياتهم وبقياس معدل وفياتهم، وفي جميع الأحوال ينبغي أن تتولى مؤسسات الأمم المتحدة مسؤولية التصدي للموقف والعمل على تحديد الإجراءات الجزائية بحق الدولة المتسببة بمعاناة الأطفال في النزاع المسلح وكذلك يتوقع من هذه المؤسسات الدولية العمل العاجل لحماية الأطفال في وضعهم الحالي والعمل على إعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا واجتماعيا.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

٧٨ مشاهدة
bottom of page