"إهمال الأطفال" هو مشكلة شائعة وإن كان كثير من عامة الناس لا يشعر أو لا يعتقد بوجودها، فالإهمال سبب رئيس لحدوث إصابات وأمراض وإعاقات الاطفال، وسبب هام لوفيات الأطفال على الرغم من تشوش العلاقة السببية لدى كثير من المهنيين الذين يتعاملون مع الأطفال بما فيهم الأطباء. علينا أن نجابه مشكلة إهمال الأطفال بنظرة شمولية تهدف إلى حمايتهم ورفاهتهم وضمان نموهم، وتطورهم الجسدي، والنفسي، والاجتماعي.
إهمال الاطفال القاتل:
الإخفاق بإعطاء الطفل المطاعيم الطبية وعدم تقديم العلاج الطبي لمرض خطير يعاني منه الطفل وحرمان الطفل من الطعام مثلا هي أشكال جلية من إهمال الطفل القاتل، إلا أننا هنا بصدد حدث يتعرض له الطفل يبدو أنه عارض ويتم تجاوزه بسلامة في بعض الأحيان إلا أنه قاتل على العموم. إن الإخفاق بتوفير السلامة والأمان خلال أي مرحلة من مراحل نمو الطفل المختلفة، هو نوع من الإهمال الذي قد يكون قاتلا.
لتسليط الواقع المؤلم حول مشكلة الإهمال القاتل، تم تحرير النسخة الأولى من هذا التقرير عقب الحوادث التالية: (1) طفل عمره 2.5سنة توفي خلال دقائق أمام ناظري والدته عقب استنشاقه بالون أطفال كان يضعه بفمه. (2) طفل عمره 5 سنوات توفي مباشرة أثر سقوط جهاز التلفاز عليه، عند تعلقه بالجهاز بحثا عن لعبة وقعت خلف الجهاز. (3) طفلة عمرها 1.5 سنة عثر عليها متوفاة غرقا في دلو التنظيف.
تعريف الإهمال:
الإهمال هو الإخفاق باستيفاء احتياجات الطفل الأساسية إن كانت مادية أو عاطفية أو حمايته من الخطر، أو توفير الخدمات الطبية له، بالرغم من توفر الإمكانيات وسهولة وصول راعي الطفل للخدمات، مما يؤدي إلى حدوث، أو احتمال حدوث إصابات أو أمراض قد تصل إلى الإعاقة أو الوفاة.
احتياجات الطفل الأساسية في مراحل نموه المختلفة من حداثة الولادة إلى مرحلة الشباب تشمل: الطعام والتغذية والكساء والسكن، الرعاية العاطفية، رعاية تطور ونمو الطفل، الرعاية الصحية، الإشراف والحماية من الخطر، توفير التعليم.
الإحصاءات في المراجع المسندة:
تشير الإحصاءات إلى أن عدد وفيات الأطفال الناتجة عن تعرضهم لإصابات عارضة ناتجة عن بيئة غير آمنة (إهمال) يفوق عدد الوفيات الناتجة عن أعلى ستة أسباب مرضية مجتمعة، وإن 35% من الأطفال عامة يتعرضون لإصابات عارضة تحتاج لرعاية طبية، وأن 91% من هذه الإصابات وأكثر من 50% من الوفيات الناتجة عنها يحدث داخل المنزل في الفترة العمرية ما قبل الذهاب للمدرسة.
هناك فئات من الأطفال معرضة للإهمال أكثر من غيرها وهي فئة الأطفال الإناث والأطفال المعاقين. الأطفال الإناث معرضات أكثر من الذكور للإهمال، من ناحية التغذية والرضاعة الطبيعية وتوفير الخدمات الطبية لهم، كما أن وجود الإعاقة يزيد من مخاطر تعرض الطفل للإهمال، مثلما أن الإهمال يؤدي إلى الإعاقة، ومرافق الأطفال المعاقين عادة ما تفتقر للخدمات التعليمة والترفيهية وإعادة التأهيل.
المفهوم المجتمعي "للقضاء والقدر" في وفيات الأطفال نتيجة الإهمال:
للوهلة الأولى تبدو إصابات الأطفال العارضة نادرة الحدوث ولدينا نزعة أن نتجنب الحديث عنها على اعتبارها "قضاء وقدر". عكس الواقع الأليم وهو أن إصابات الأطفال المنزلية والتي تتراوح بين السقوط من علو أو بسبب أثاث المنزل، التكهرب، الحروق، التسمم بالأدوية وسوائل التنظيف، الغرق في أحواض الاستحمام، إصابات الأجسام الحادة كالسكاكين والشفرات، أو استنشاق أجسام غريبة من مثل بالونات الأطفال، هي حالات شائعة تؤدي إلى المراضة أو إحداث عاهة دائمة وحتى الوفاة.
أسباب وفيات الأطفال الناتجة عن الإهمال:
أكثر أسباب وفيات الأطفال العارضة شيوعا في الفترة العمرية أقل من عام، هي استنشاق الأجسام الغريبة، مثل قطع الحلوى، حبات العنب، أو قشر البيض الخ....، أما استنشاق الأجسام الغريبة من مثل البالونات، قطع النقود المعدنية، أغطية المشروبات الغازية، أقراص العقاقير الطبية، الدبابيس، وأجزاء الألعاب المختلفة تمثل سبب رئيسي للوفيات العارضة لدى الأطفال الذين أعمارهم أقل من أربعة سنوات. إن أكثر أنواع استنشاق الأجسام الغريبة شيوعا المؤدية للوفاة هو البالونات.
أهمية الوقاية من وفيات واصابات الأطفال الناتجة عن الإهمال:
الوقاية من إصابات الأطفال العارضة، ومنع الإهمال الناتج عن الإخفاق بتوفير السلامة والأمان للطفل هو ضرورة هامة وملحة للحفاظ على صحة الأفراد وصحة عموم المجتمع، إلا أن هذا النوع من الوقاية الصحية إما أن تكون مستثناة من الخطط الوطنية أو يتم التعامل معها بطريقة بدائية. كما وأن طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن لحصول هذه الإصابات ما زال مبهما وغامضا لكثير من المهنيين وصانعي القرار.
الوقاية مسؤولية مشتركة بين الاهل والوالدين والحكومة كما يلي:
إن العواقب المأساوية لإهمال الأطفال تشير إلى أهمية تعظيم الجهود للتركيز على الوقاية لمنع حدوث هذه الإصابات أبتدأً، وقد تبدو المسؤولية المباشرة على والدي الطفل بتوفير بيئة آمنة خالية من عوامل الخطر وهذا يأتي ببرامج توعية تتحمل مسؤوليتها جهات مهنية متعددة، إلا أن هناك مسؤوليات موازية بالأهمية تقع مباشرة على عائق الحكومة لضمان مواصفات ومقاييس آمنة لكل ما يتعرض له الأطفال داخل بيئتهم المنزلية وخارجها، ومسؤولية بجمع المعلومات حول أنماط وفيات الأطفال في مجتمعنا عامة والاصابية تحديدا لوضع إستراتيجيات لخفضها.
الإهمال في قانون العقوبات الأردني:
المادة 289:
(1) كل من ترك قاصرا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديما لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. (2) وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره أو كان ذا إعاقة مهما بلغ عمره.
المادة 290:
يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة كل من: (1) (أ) كان والدا أو وليا أو وصيا لقاصر لم يكمل الخامسة عشرة من عمره أو لذي إعاقة مهما بلغ عمره أو كان معهودا اليه شرعا أو قانونا امر المحافظة عليه والعناية به، ورفض أو اهمل تزويده بالطعام والكساء والفراش والضروريات الأخرى مع استطاعته القيام بذلك، مسببا بعمله هذا الإضرار بصحته.(ب) كان والدا أو وليا أو وصيا لقاصر لم يكمل الخامسة عشرة من عمره أو لذي إعاقة مهما بلغ عمره، أو كان معهودا اليه شرعا أو قانونا أمر المحافظة عليه والعناية به وتخلى عنه قصدا أو بدون سبب مشروع أو معقول، مع انه قادر على إعالته، وتركه دون وسيلة لإعالته. (2) وتكون العقوبة في أي من الحالات الواردة في الفقرة (1) من هذه المادة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره.
المادة 343
من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات.
ملاحقة المتسبب بوفاة الأطفال بظروف اهمال امام النيابة والمحاكم:
للأسف نادرا جدا ما يتم ملاحقة الاهل المتسببين بوفاة طفل بظروف الإهمال قضائيا حسب نص المواد السابقة.
الدكتور هاني جهشان،مستشار الطب الشرعي
الخبير في مجال حقوق الطفل وحمايته من العنف والاهمال
Comments