يمضي بعض أطفال الأمهات العاملات عدة ساعات يوميا بعيدا عنهن في الحضانات، وكما هو معروف من أن شيوع تعرض الأطفال للإهمال والعنف داخل الأسرة هو مشكلة حقيقية فإن تعرضهم للإهمال وحتى للعنف في دور الحضانة هو أيضا مشكلة لا يمكن التغاضي عنها، فكثيرا من الأمهات يشعرن بعوامل الخطورة المحيطة بأطفالهن عند تركهم في الحضانات إلا أنهن عاجزات عن إيجاد بديل يوفر بيئة أمن وآمان لأطفالهن وتزداد عوامل الخطورة هذه بسبب تراخي رقابة المؤسسات الحكومية المعنية بمتابعة الأمور البيئية والصحية والإدارية لهذه الحضانات. "الإهمال" هو الإخفاق بتوفير احتياجات الطفل الأساسية إن كانت جسدية أو عاطفية أو الفشل بحمايته من مخاطر البيئية المحيطة به، أو عدم توفير الخدمات العلاجية له، مما يؤدي إلى حدوث، أو احتمال حدوث إصابات أو أمراض قد تصل إلى الإعاقة أو حتى للوفاة، وتوفير أحتياجات الطفل الأساسية هذه ليس مقصورا بطبيعة الحال أثناء وجوده بمنزله بل من المتوقع أن يمتد توفيرها للطفل أثناء وجوده بالحضانة بعيدا عن والدية، فعند حصول إخفاق بذلك يتعرض الطفل للإهمال الذي ستكون عواقبه شديدة على الطفل مقارنة مع الإهمال الذي قد يحصل داخل الأسرة. علينا أن نجابه مشكلة إهمال الأطفال والعنف الموجه نحوهم بنظرة شمولية، تمتد إلى إحتمالية تعرضهم لهذه المشكلة في الحضانات، بهدف سامي يضمن رفاهتهم ونموهم وتطورهم الجسدي والنفسي، وليس بهدف توجيه اللوم لمن يرعاهم. احتياجات الطفل الأساسية في مراحل نموه المختلفة تشمل الطعام والتغذية والكساء والسكن، الرعاية العاطفية، رعاية تطور ونمو الطفل، الرعاية الصحية، الإشراف والحماية من الخطر، وتوفير التعليم. وإن كان الإخفاق بتلبية إحتياجات الطعام والتغذية والكساء لا تشكل خطر مباشرا على الطفل أثناء وجوده بالحضانة، ألا أن عدم توفير الإشراف والحماية من الخطر؛ يعرض الاطفال في الحضانات للإصابات من مثل السقوط أثناء اللعب، والحرق بوسائل التدفئة، والتكهرب، والتسمم بتناول الأدوية، وفي حالات نادرة قد يحصل التسميم بإعطاء الاطفال عقاقير منومة أو مهدئة لتهدئتهم أو تنويمهم، وهذا الفعل يتعدى كونه اهملاً ليشكل فعل إيذاء مقصود يعاقب عليه القانون على هذا الأساس. الأطفال في أعمار تواجدهم بالحضانة هم أيضا بحاجة لرعاية عاطفية هي الأساس في تطورهم ونمائهم في مجال التواصل وتطوير اللغة والذكاء والإخفاق بتوفير هذه الإحتياجات وإن كان من قبل العاملات في الحضانات، سيؤدي مستقبلا إلى غياب الإبداع، وانخفاض معدل الذكاء، وعدم القدرة على الاستجابة للإجهاد، كما ويؤدي إلى عدم احترام الذات وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين والانعزال الإجتماعي.
من بديهيات الصحة العامة ألا يلتحق الأطفال المرضى بالحضانة، إلا بعد الموافقة الصريحة من قبل طبيب الأطفال المعالج بما يضمن عدم عدوى الأطفال الآخرين، وعند إستمرار حاجة الطفل المتعافي للعلاج أثناء وجوده بالحضانة فإن الطفل يتعرض للإهمال إذا لم يتم ذلك بالشكل المناسب. أما الإخفاق بتقديم الخدمات الطبية العلاجية لحالات مرضية أو إصابية طارئة قد يتعرض لها الطفل أثناء وجوده بالحضانة، وعدم توفير وسائل الإسعاف الأولي في الحضانة أوسائل النقل السريعة للمستشفى، فهي تشكل جميعمها مخاطر كبيرة قد تعرض حياة الطفل للخطر وتفاقم مرضه أو إصابته ويتخلف عنها عواقب ترافق الطفل طيلة حياته أو قد تؤدي إلى وفاته، فكثير من وفيات الأطفال التي تبدو أنها وفيات مفاجأة هي بالواقع أمراض تفاقمت بسبب الإهمال بتقديم العلاج الطبي لحالات مرضية شفائها مؤكد.
لقد جرم قانون العقوبات الأردني الإهمال الذي يرتكبه أي شخص موكل إليه رعاية الطفل ولم يحصر ذلك بوالديه فقد نصت المادة 289(1) كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، او على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. (2) وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره.
أما القيام بأفعال مقصودة مباشرة من مثل التسميم بإعطاء الاطفال عقاقير منومة أو مهدئة لتهدئتهم أو تنويمهم أو وضع لاصق على أفواههم لحجب بكائهم، أو رجهم بشدة لإسكاتهم فإنها تشكل أفعال عنف تستوجب العاقب جزائيا كجريمة إيذا مقصود كما نصت عليها مواد قانون العقوبات الأردني، إلا أن هذه الأفعال تتصف بالنزعة نحو الكتمان وعدم وصولها للجهات الرسمية المعنية بحماية الأطفال من العنف وتشكل تحديا كبيرا أثناء الإفصاح عنها وتشخيصها وملاحقتها قضائيا ويتفاقم هذا الأمر بغياب الرقابة الرسمية على الحضانات.
كما يتعرض الأطفال للعنف المباشر من قبل من يرعاهم في المنزل او المدرسة أو في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، فإنهم أيضا معرضون لهذا النوع من العنف في الحضانات وغاليا ما تكون جذور ذلك العنف تتعلق بعوامل فردية كاضطرابات الشخصية أو الإدمان او الامراض العصابية لدى العاملات في الحضانات. إن عقاب الشخص الذي يلحق الضرر بالطفل نتيجة الإهمال أو العنف، لا يعفي الدولة من تحمل مسؤوليتها فالدولة مسؤولة بموجب القانون الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها، بما في ذلك إنتهاك حقوق الطفل، وهذه المسؤولية لا تنشأ حصرا في أفعال تقوم بها الدولة وأنما في ألأعم الأغلب من الحالات في التراخي باتخاذ تدابير إيجابية لحماية الأطفال من مثل التراخي بالرقابة على المؤسسات التي يتواجد بها الأطفال خارج أسرهم بما فيها حضانات الأطفال.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي الخبير في مجال حقوق الطفل والوقاية من العنف ضد الأطفال
Comments