top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

حماية الأطفال في الحضانات


حماية الأطفال في الحضانات
حماية الأطفال في الحضانات

يمضى بعض أطفال الأمهات العاملات عدة ساعات يوميا بعيدا عنهن في الحضانات، وكما هو معروف من أن شيوع تعرض الأطفال للإهمال والعنف داخل الأسرة هو مشكلة حقيقية فإن تعرضهم للإهمال وحتى للعنف في دور الحضانة هو أيضا مشكلة لا يمكن التغاضي عنها، فكثيرا من الأمهات يشعرن بعوامل الخطورة المحيطة بأطفالهن عند تركهم في الحضانات إلا أنهن عاجزات عن إيجاد بديل يوفر بيئة أمن وأمان لأطفالهن وتزداد عوامل الخطورة هذه بسبب تراخي رقابة المؤسسات الحكومية المعنية بمتابعة الأمور البيئية والصحية والإدارية لهذه الحضانات.


"الإهمال" هو الإخفاق بتوفير احتياجات الطفل الأساسية إن كانت جسدية أو عاطفية أو الفشل بحمايته من مخاطر البيئية المحيطة به، أو عدم توفير الخدمات العلاجية له، مما يؤدي إلى حدوث، أو احتمال حدوث إصابات أو أمراض قد تصل إلى الإعاقة أو حتى للوفاة، وتوفير احتياجات الطفل الأساسية هذه ليس مقصورا بطبيعة الحال أثناء وجوده بمنزله بل من المتوقع أن يمتد توفيرها للطفل أثناء وجوده بالحضانة بعيدا عن والدية، فعند حصول إخفاق بذلك يتعرض الطفل للإهمال الذي ستكون عواقبه شديدة على الطفل مقارنة مع الإهمال الذي قد يحصل داخل الأسرة.


علينا أن نجابه مشكلة إهمال الأطفال والعنف الموجه نحوهم بنظرة شمولية، تمتد إلى إحتمالية تعرضهم لهذه المشكلة في الحضانات، بهدف سامي يضمن رفاهتهم ونموهم وتطورهم الجسدي والنفسي، وليس بهدف توجيه اللوم لمن يرعاهم.

احتياجات الطفل الأساسية في مراحل نموه المختلفة تشمل الطعام والتغذية والكساء والسكن، الرعاية العاطفية، رعاية تطور ونمو الطفل، الرعاية الصحية، الإشراف والحماية من الخطر، وتوفير التعليم. وإن كان الإخفاق بتلبية إحتياجات الطعام والتغذية والكساء لا تشكل خطر مباشرا على الطفل أثناء وجوده بالحضانة، ألا أن عدم توفير الإشراف والحماية من الخطر؛ يعرض الاطفال في الحضانات للإصابات من مثل السقوط أثناء اللعب، والحرق بوسائل التدفئة، والتكهرب، والتسميم بتناول الأدوية، وفي حالات نادرة قد يحصل التسميم بإعطاء الاطفال عقاقير منومة أو مهدئة لتهدئتهم أو تنويمهم، وهذا الفعل يتعدى كونه إهملا إلى إيذاء مقصود يعاقب عليه القانون على هذا الأساس.


الأطفال في أعمار تواجدهم بالحضانة هم أيضا بحاجة لرعاية عاطفية هي الأساس في تطورهم ونمائهم في مجال التواصل وتطوير اللغة والذكاء والإخفاق بتوفير هذه الإحتياجات وإن كان من قبل العاملات في الحضانات، سيؤدي مستقبلا إلى غياب الإبداع، وانخفاض معدل الذكاء، وعدم القدرة على الاستجابة للإجهاد، كما ويؤدي إلى عدم احترام الذات وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين والانعزال الاجتماعي، فتعريض الأطفال في الحضانات لممارسات مثل حجزهم في غرف مغلقة او أي مكان مشابهة يشكل عنفا نفسيا.


من بديهيات الصحة العامة ألا يلتحق الأطفال المرضى بالحضانة، إلا بعد الموافقة الصريحة من قبل طبيب الأطفال المعالج بما يضمن عدم عدوى الأطفال الآخرين، وعند إستمرار حاجة الطفل المتعافي للعلاج أثناء وجوده بالحضانة فإن الطفل يتعرض للإهمال إذا لم يتم ذلك بالشكل المناسب. أما الإخفاق بتقديم الخدمات الطبية العلاجية لحالات مرضية أو إصابية طارئة قد يتعرض لها الطفل أثناء وجوده بالحضانة، وعدم توفير وسائل الإسعاف الأولي في الحضانة أوسائل النقل السريعة للمستشفى، فهي تشكل جميعمها مخاطر كبيرة قد تعرض حياة الطفل للخطر وتفاقم مرضه أو إصابته ويتخلف عنها عواقب ترافق الطفل طيلة حياته أو قد تؤدي إلى وفاته، فكثير من وفيات الأطفال التي تبدو أنها وفيات مفاجأة هي بالواقع أمراض تفاقمت بسبب الإهمال بتقديم العلاج الطبي لحالات مرضية شفائها مؤكد.


لقد جرم قانون العقوبات الأردني الإهمال الذي يرتكبه أي شخص موكل إليه رعاية الطفل ولم يحصر ذلك بوالديه حسب المادة 289 عقوبات، أما القيام بأفعال مقصودة مباشرة من مثل التسميم بإعطاء الاطفال عقاقير منومة أو مهدئة لتهدئتهم أو تنويمهم أو وضع لاصق على أفواههم لحجب بكائهم، أو حجزهم في أماكن مغلقة، أو رجهم بشدة لإسكاتهم فإنها تشكل أفعال عنف تستوجب العاقب جزائيا كجريمة إيذا مقصود كما نصت عليها مواد قانون العقوبات الأردني، إلا أن هذه الأفعال تتصف بالنزعة نحو الكتمان وعدم وصولها للجهات الرسمية المعنية بحماية الأطفال من العنف وتشكل تحديا كبيرا أثناء الإفصاح عنها وتشخيصها وملاحقتها قضائيا ويتفاقم هذا الأمر سؤا بغياب الرقابة الرسيمة على الحضانات.


حقوق الطفل: إن عقاب الشخص الذي يلحق الضرر بالطفل نتيجة الإهمال أو العنف، لا يعفي الدولة من تحمل مسؤوليتها فالدولة مسؤولة بموجب القانون الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها، بما في ذلك أنتهاك حقوق الطفل، وهذه المسؤولية لا تنشأ حصرا في أفعال تقوم بها الدولة وأنما في ألأعم الأغلب من الحالات في التراخي بإتخاذ تدابير إيجابية لحماية الأطفال من مثل التراخي بالرقابة على المؤسسات التي يتواجد بها الأطفال خارج أسرهم بما فيها حضانات الأطفال.

مسؤولية الحكومة حسب اتفاقية حقوق الطفل أن تضمن وجود حضانات لها بيئة ملائمة سليمة لجميع اطفال الوالدين العاملين... هو حق لجميع هؤلاء الأطفال كما في الفقرة 2 و3 من المادة 18 من اتفاقية حقوق الطفل...

المادة 18 من اتفاقية حقوق الطفل

2. في سبيل ضمان وتعزيز الحقوق المبينة في هذه الاتفاقية، على الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أن تقدم المساعدة الملائمة للوالدين والأوصياء القانونيين في الاضطلاع بمسئوليات تربية الطفل وعليها أن تكفل تطوير مؤسسات ومرافق وخدمات رعاية الأطفال.

3. تتخذ الدول الأطراف كل التدابير الملائمة لتضمن لأطفال الوالدين العاملين حق الانتفاع بخدمات ومرافق رعاية الطفل التي هم مؤهلون لها.

إيجاد حضانات آمنة وصحية لجميع أطفال الأمهات العاملات هو ليس منة او وعود او تغريدات... هو حق نعم حق ورد بالقانون وعلى رئيس الوزراء ووزراء التنمية الاجتماعية والتربية والعمل تنفيذه...

هل الحكومة ملزمة بتطبيق اتفاقية حقوق الطفل عمليا من خلال مؤسساتها الحكومية؟ قانون التصديق على اتفاقية حقوق الطفل رقم (50) لسنة 2006

المادة 2: تعتبر اتفاقية حقوق الطفل الملحقة بهذا القانون صحيحة ونافذة بالنسبة لجميع الغايات المتوخاة منها حسب الصيغة الاصلية المعتمدة باللغة العربية المودعة لدى الامين العام للأمم المتحدة في مقر الامم المتحدة في نيويورك وعلى ان يعتبر الإعلان المرفق بوثائق التصديق جزءاً لا يتجزأ من هذا القانون.

المادة 4: رئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ احكام هذا القانون.


الحضانات غير المرخصة: الأطفال بهذا العمر (ما قبل الروضة) لا صوت لهم وإن تكلموا لا يميزوا الصح من الخطاء، هم ضعفاء غير قادرين عن الدفاع عن انفسهم بكل معنى الكلمة وبحاجة لمن يحميهم الترخيص أي ترخيص وجد ليطبق، وبدون التلاعب بحرفية النصوص، الجهة التي ترخص هي التي تضمن التطبيق بكافة الوسائل... كيف نقبل أن اطفال بهذا العمر يتعرضوا للإصابات والإعاقات والموت إن كان قصدا او عرضيا او بالسقوط او التسميم والتنويم أو بوضع لاصق على الفم... ونبرر ان البيئة التي يحصل بها ذلك ليست ضمن اختصاصنا... لم يرد بالتعليمات والأنظمة انها مسؤولية وزارة التنمية الاجتماعية... لماذا بالأساس هناك ترخيص؟ عذرا هذا قمة في أنتهاك حقوق الطفل...المادة 3 من قانون رقم (14) لسنة 1956 قانون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مهمة الوزارة:- تكون غاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الأساسية ... تنسيق الخدمات الاجتماعية لجميع المواطنين في جميع مراحل العمر. اذا وزارة التنمية الإحتماعية تعتبر الاطفال بعمر الطفولة المبكرة ... معاملات ورقية ونصوص بتعليمات... يضع علامة استفهام على وجودها.

انتهاك صارخ لحقوق الطفل التغاضي عن وجود بيئات خطرة في بعض الحضانات وشيوع الحضانات غير المرخصة.

على المستوى الوطني، حماية الاطفال من المخاطر في بعض الحضانات وفِي الحضانات غير المرخصة هي مسؤولية حصرية لوزارة التنمية الاجتماعية

هل هناك رياض اطفال غير مرخصة؟ هل هناك مدارس غير مرخصة؟ هل هناك عيادات طبية غير مرخصة؟ لماذا تتقبل الحكومة الحضانات غير المرخصة؟

"بين حانة ومانة ضيعنا "أطفالنا" المصلحة الفضلى" للطفل توجب على وزارة التنمية الاجتماعية تحمل مسؤولية حماية الأطفال في الحضانات المنزلية غير المرخصة تماما مثل الحضانات المرخصة، وتجاوز أي بيروقراطيات أو الالتزام الحرفي بنصوص النظام...وأهمها إلزام هذه الحضانات بالترخيص وليس الاكتفاء بتحميل الأهل مسؤولية تقييم الحضانات غير المرخصة.

الموضوع بسيط "اسود او ابيض"- أي أنه في ترخيص يحمي جميع الاطفال في هذا العمر، أو انه لا يوجد داعي لنظام الترخيص ونعود لمبدأ "حارة كل مين ايدو الو" وغياب دور الحكومة ودور الوزارة!

{...ووفقا لوزارة التنمية الاجتماعية لا تتوافر أية إحصائيات عن الحضانات المنزلية كونها غير مرخصة لغاية الان، ويقول مدير مديرية الاسرة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية ان الحضانات المنزلية موجودة بكثرة وبطريقة عشوائية، وإذا ارتكبت أي مخالفة لا تملك وزارة التنمية الصلاحية لمنعها من عملها...}


ما يُعرف للعامة ويفصح عنه من حالات العنف في الحضانات ما هو الا مصادفة بحتة كالتصوير بمقطع الفيديو على صفحات التواصل الاجتماعي أو أن يكون خطيرا كأن يؤدي الى عاهة أو وفاة، ويتعاضد مع تراخي وزارة التنمية الاجتماعية بالرقابة الدورية على دور الحضانات، تردي الأوضاع البيئية والبنية التحتية وضعف التخصصات المهنية المناسبة في اغلبها، مما ينعكس سلبا على الأطفال ويفاقم عواقب العنف الذي قد يتعرضوا له بكتمان داخل جدران الحضانة.


الوقاية: العنف ضد الأطفال ليس امرا حتميا، بل يمكن الوقاية منه:

  1. برامج وقائية شاملة يخطط لها وتنفذ قبل وقوع أي عنف تشمل الرقابة الصارمة المستمرة على البنية التحتية ومهنية العاملين وتثقيفهم وعمل ورشات عمل بشكل مستمر لهم.

  2. برامج وقائية محددة لمن هم معرضين لمخاطر العنف أكثر من غيرهم من مثل الحضانات التي تواجه عثرات او معيقات او موجه لها إنذارات،

  3. الاستجابة العاجلة للوقاية ومنع تفاقم عواقب العنف وهذه الاستجابة ضرورية بطبيعة الحال لكنها تحصل بعد تعرض الطفل للمخاطر والعواقب التي وللأسف قد تكون بعيدة المدى، ويتوقع ان تشمل بالإضافة للملاحقة الجزائية والحقوقية والإدارية ضمان توفير العلاج الطبي والنفسي للطفل حسب ظروفه السريرية.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

١٬٠٠٦ مشاهدات
bottom of page