وفيات الأطفال بسبب الافتقار للبيئة الآمنة وتردي البرامج الوقائية
الحق بالحياة يتضمن الحق بعدم موت الطفل من الامراض وأيضا الحق بعدم قتل الطفل في ظروف عنف مقصود وكذا ظروف مقتل الطفل بالإهمال بتوفير بيئة آمنة في المجتمع المحلي وفي المدرسة وأماكن تنزه الأطفال وفي المنزل.
يشمل تعبير قتل الطفل في هذه الورقة وفاته بسبب ارتكاب فعل مقصود من اخرين أو بسبب اقتراف المتسبب بموت الطفل اهمال أو بسبب قلة احترازه أو بسبب مخالفته القوانيين والأنظمة والتعليمات والإجراءات الإدارية، وهذا التعبير يتفق مع الاعم الاغلب من التشريعات الجزائية والحقوقية في دول العالم.
الحق في الحياة هو الحق في عدم التعرض للقتل
الأعم الأغلب من مقتل الأطفال الناتجة عن إهمال هي ليست بعشوائية بل يمكن الوقاية منها، وتَقَبُل المفهوم في الثقافة السائدة من أن مقتل الاطفال هي قضاء وقدر مكتوب، هو خطأ يتعارض مع الأدبيات الطبية والعلمية ويشكل انتهاكا واضحا لحقوق الطفل بالحياة وبالصحة وبالحماية، فمقتل الأطفال الناتجة عن الغرق بالمسطحات المائية العامة، والسقوط في الحفر الامتصاصية، وإصابات حوادث السير والحوادث المنزلية من مثل السقوط والتكهرب والحروق والغرق والاختناق العرضي يمكن الوقاية منها بشكل شبه كامل، وما ينطبق على مقتل الأطفال في ظروف عرضية ينطبق تماما على مقتل الأطفال نتيجة العنف او القتل الجماعي للأسرة فهذه أيضا يمكن الوقاية منها بالتعامل الوقائي مع عوامل الخطورة المحيطة بالطفل.
بمراجعة مقتل الأطفال التي حصلت خلال عدة أشهر ماضية يتبين الأنماط التالية:
مقتل اطفال اثر السقوط في حفر امتصاصية مقتل أطفال فاجعة البحر الميت، الغرق: مقتل الطفلة التي غرقت في الحفرة الامتصاصية، عدة وفيات للأطفال غرقا فيما يسمى بركة البيبسي، وفيات أطفال في غرقا في برك سباحة المدارس، وفيات أطفال غرقا في برك تجميع المياه السياحية، غرق أطفال في قانة الغور الشرقية.
مقتل الأطفال بالصعق الكهربائي للأطفال في أماكن لعب الأطفال في مطاعم الوجبات السريعة.
مقتل الاطفال في الطريق الى ومن المدرسة بالحافلات او المركبات او اثناء مسيرهم.
مقتل الأطفال في حوادث السير بسبب الجلوس في المقعد الامامي وعدم استعمال حزام الأمان وعدم استخدام المقاعد المخصصة للأطفال، ودهس الأطفال من قبل والدهم اثناء قيادته السيارة في كراج المنزل.
مقتل الأطفال لدى تركهم في مركبات متعرضة للشمس بالأجواء الحارة.
مقتل طفل بسبب سقوط تلفاز عليه.
مقتل الأطفال في البيئة المنزلية بسبب الحرق، والتسمم بالمواد السامة، والصعق الكهربائي، والسقوط من النوافذ والاسطح والدرج وبسبب سقوط الأجهزة الكهربائية كالتلفاز على الطفل.
مقتل الأطفال في أماكن التنزه والعاب الملاهي الإلكترونية.
الأخطاء الطبية اثناء العلاج والعمليات الطبية المقدمة للأطفال.
تعرض الأطفال للقتل بسبب العنف الموجه ضدهم او بسبب القتل الجماعي للأسرة، وتعرض الأطفال للقتل خلال الاعتداء الجنسي عليهم.
مقتل الأطفال بسبب الافتقار للبيئة الآمنة وتردي البرامج الوقائية
الاستهتار بحقوق الطفل وصل مرحلة الخلل العميق والداء الذي لن يبرء بممارسة الصمت بعد فاجعة مقتل أطفال البحر الميت، ومقتل الاطفال عقب سقوطهم في الحفر الامتصاصية، والعديد من حالات مقتل الأطفال غرقا ببرك السباحة المدرسية او بقناة الغور الشرقية او بركة البيبسي او البرك التجميع المطري الزراعية، او مقتل الأطفال من العنف او القتل الجماعي للأسرة، وغيرها من حالات مقتل الأطفال التي يمكن الوقاية منها.
إن استمرار تراخي وتقصير القطاع العام بالمهام المتوقع ان يقوم بها في مجال الوقاية من مقتل الاطفال لا يمكن القبول به حيث أن الاخفاق يزيد من العواقب والآثار السلبية على الأفراد والأسرة والمجتمع، وعندما تتغاضى الحكومة والدولة والمجتمع صراحة أو ضمنا عن هذا النوع من الاهمال، فإن الإفلات من العقوبة يوجه رسالة مفادها أن مرتكب الإهمال يقوم بعمل مقبول وعادي مما يؤدي إلى أنكار العدالة على الاطفال الضحايا وأسرهم ويدعم استفحال عوامل الخطورة المؤدية لمقتل الأطفال.
الحق في الحياة هو حق معترف به عالميا لجميع البشر، فهو حق أساسي ووجوده الاصل بتحقيق حقوق الإنسان الأخرى. حقوق البشر بالحياة قائمة بطبيعة الحال على حقوق الاطفال بالحياة وهذه حقوق أساسية تمكن الاطفال العيش بدون مخاطر الموت من الأمراض والإصابات، وتوفر النمو والتطور لهم لكي يتجاوزا مرحلة الطفولة، وتشمل هذه الحقوق (1) حماية حياة الأطفال منذ الولادة حيث يعتر الانسان كائنا حيا في جميع التشريعات الحقوقية حول العالم منذ ولادته، وعليه فان حقه بالحياة متأصل منذ تلك اللحظة، ويشمل أيضا (2) النمو والتطور بشكل طبيعي والقدرة على البقاء على قيد الحياة بالنفاذ للرعاية الصحية المهنية المتخصصة، والغذاء المناسب، والتعليم بما فيها التدريب على مهارات الحياة الأساسية وبيئة خالية من المخاطر.
تقع على الحكومة المسؤولية المباشرة، التي تتعدى مسؤولية الوالدين، التخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرامج تضمن الحفاظ بقاء الأطفال على قيد الحياة، وأيضا توفير برامج نمو وتطور الأطفال في جميع انحاء الوطن، وفي جميع الظروف ان كان في وقت السلم او الحرب او في حالات الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان، ويتوقع ان تكون هذه الحماية لجميع الأطفال على ارض الوطن بدون تميز حسب الواقع الاجتماعي أو العرقي او المنشأ.
فيما يلي ملخص لحقوق الطفل بالإضافة لحقه بالحياة المشار اليه أعلاه واغلبها يتقاطع بشكل واضح مع حقه بالحياة:
الحق في الغذاء وعدم الموت من الجوع، والحق في الحصول على مياه الشرب المأمونة وعدم الموت عطشا.
الحق في الصحة والوقاية من الامراض والإصابات والإعاقات مما يساهم في تطوير مجتمع صحي نشط.
لكل طفل الحق في الحماية من جميع أشكال سوء المعاملة والتمييز والاستغلال والعيش في بيئة آمنه تحافظ على رفاهه.
الحق في الهوية فلكل طفل الحق في الحصول على لقب، واسم، وجنسية، ومعرفة من هم أقاربه. كما يعني الحق في الهوية أنه يجب الاعتراف رسميًا بوجود كل طفل وحقوقه.
الحق في الحرية هو حق الطفل في التعبير عن نفسه أو إبداء الرأي، أو الحصول على المعلومات، أو المشاركة في القرارات التي تؤثر على حياته.
الحق في التعليم ضروري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
عواقب إهمال الاطفال قاتلة ومأساوية:
إن إهمال الأطفال هو مشكلة وبائية منتشرة في شريحة واسعة من المجتمع ينتج عنها إصابات وأمراض عديدة وتؤدي إلى عواقب كإعاقات وإلى الموت ويمكن الوقاية منها ومن عواقبها تماما. العواقب المأساوية لإهمال الأطفال تشير إلى أهمية تعظيم الجهود للتركيز على الوقاية لمنع حدوث هذه الوفيات أبتدأً:
هل أماكن تواجد الاطفال خارج منازلهم تراقب دورياً حفاظا على سلامتهم؟ ومن هي الجهة التي تتحمل مسؤولية ذلك بمرجعية قانونية وإدارية مستدامة؟
هل هناك جهة تتحمل مسؤولية توعية الأهالي بحماية أطفالهم من مخاطر موتهم في البيئة المنزلية وفي البيئة المحيطة بالمنزل؟
هل وزارة التربية والتعليم تقوم بحماية الأطفال من مخاطر العنف والإهمال في البيئة المدرسة ان كان في الأبنية والمرافق الصحية والملاعب والساحات، وأيضا أثناء تواجد الأطفال في الرحلات المدرسية، وفي الطريق إلى ومن المدرسة.
هل وزارة التنمية الاجتماعية تقوم بحماية الأطفال من مخاطر العنف والإهمال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية؟
هل تقوم إدارة السير بضبط سلوكيات السائقين اثناء تواجد الأطفال في المركبات أو خلال وجودهم على الطرقات؟
هل تقوم البلديات وامانة العاصمة بالرقابة على المرافق العامة والمجمعات التجارية، والمطاعم وامكان تنزه للأطفال والحدائق، بمعايير قياسية للسلامة والامن؟
مسؤولية متعددة الطبقات:
الوقاية من مقتل الأطفال هي مسؤولية متعددة الطبقات وتتطلب التعاون والتواصل المستمر بين عدة جهات، ومن المتوقع ان تضبطها برامج حكومية خاضعة للرقابة والتقييم المستدام.
حسب مكان تواجد الطفل وعمره تشمل طبقات حماية الطفل (1) الوالدين (2) المهنيين في القطاعات التعليمة والاجتماعية والصحية (3) وزارات البلديات وامانة العاصمة والأجهزة الرقابية على المنشئات والبيئة وأماكن تنزه الأطفال والمؤسسات المسؤولة عن السالمة على الطرق. (3) البرامج الحكومية كما هو موضح بالفقرة ادناه (4) مراجعة مستمرة لتطوير التشريعات التي تحمي الأطفال وإيجاد آليات قابلة لتنفيذ هذه التشريعات (5) مواجهة الفساد والواسطة والرشوة في تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بحماية الأطفال. (6) إجراء الدراسات والأبحاث لتقييم واقع وفيات الأطفال بما فيها القتل لاستخدامها بالتخطيط للبرامج الوقائية.
مسؤولية الحكومة:
الوقاية من وفيات الأطفال بظروف إهمال هي مسؤولية تقع على عاتق الحكومة ابتداءً، وهي ضرورة هامة وملحة للحفاظ على حياة الأفراد وصحة عموم المجتمع، إلا أن هذا النوع من الوقاية إما أن تكون مستثناة من الخطط الوطنية أو يتم التعامل معها بطريقة بدائية. كما وأن طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن لحصول هذه الإصابات ما زال مبهما وغامضا لكثير من المهنيين وصانعي القرار..
على الحكومة أن تتحمل المسؤولية المباشرة والمستدامة في ضمان سلامة الأطفال في كافة أماكن تواجدهم إن كانت في الأماكن العامة أو أماكن الألعاب أو المدارس أو الحدائق العامة، ومن الناحية العملية عليها ان تقوم بما يلي:
تقييم شامل للاماكن العامة التي قد يتواجد بها الأطفال وصيانتها هندسيا لمنع اية مخاطر تهدد حياة الأطفال.
على الحكومة ضمان ديمومة الالتزام بمواصفات ومقاييس آمنة لكل أماكن والبيئات التي يتواجد بها الاطفال في الأماكن العامة من مثل الحدائق والنوادي والمدارس والطرق العامة.
القيام بجمع المعلومات حول أنماط وفيات الأطفال في مجتمعنا عامة والإصابات تحديدا لوضع استراتيجيات لخفضها وإيجاد مديرية متخصصة في وزارة الصحة، كباقي دول العالم مهامها الأساسية الوقاية من الإصابات والعنف.
ديمومة برامج التوعية لعموم المواطنين لمواجهة السلوكيات السلبية التي قد تؤدي لوفيات الأطفال نتيجة الإهمال، وهذه البرامج ليست تطوعية ولا تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني، بل هي في صلب مسؤولية الحكومة لضمان الاستدامة ورصد الاثر الإيجابي.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في الوقاية من العنف والاصابات
Comments