top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

وفيات الأطفال المفاجئة ما بين إهمال الأهل ولا مبالاة الجهات الرسمية


وفيات الأطفال المفاجئة
وفيات الأطفال المفاجئة

غموض وفيات الاطفال المفاجئة:

إن الغموض في ظروف وفيات الأطفال المفاجئة واحتمال أن سببها يتراوح ما بين سبب ذو منشأ طبيعي وسبب مرتبط بإصابة ناتجة عن عنف أو إهمال، يعكس أثار سلبية على الأسرة وقد يعرض افرادها لاتهامات غير حقيقية أو غير مناسبة وعلى النقيض قد يؤدي هذا الغموض إلى الإخفاق في اكتشاف الوفيات الناتجة عن العنف والإهمال. هذا الوضع قد يتفاقم بسبب غياب نظام أو آلية وطنية للتحقق من وفيات الأطفال متعددة المهن القضائية والصحية والإجتماعية.

وفيات الاطفال المفاجئة يمكن الوقاية منها:

الأعم الأغلب من وفيات الأطفال الناتجة عن أمراض أو إصابات عرضية أو عنف أو إهمال هي ليست بعشوائية بل يمكن الوقاية منها، وتَقَبُل المفهوم في الثقافة السائدة من أن وفيات الاطفال هي قضاء وقدر مكتوب، هو خطأ يتعارض مع الأدبيات الطبية والعلمية ويشكل انتهاكا واضحا لحقوق الطفل بالحياة وبالصحة وبالحماية، فوفيات الأطفال الاصابية الناتجة عن حوادث السير والحوادث المنزلية من مثل السقوط والتكهرب والحروق يمكن الوقاية منها بشكل شبه كامل، وكذلك إصابات الأطفال الناتجة عن العنف من الممكن منعها والحد من تفاقمها للوفاة كما وأن وفيات الأطفال المرضية المفاجئة وما يعرف بوفاة المهد هي أيضا حالات أثبتت الأدبيات الطبيبة أنه يمكن خفض نسبة شيوعها إلى حد كبير.

دراسة 223 حالة وفيات اطفال:

شكلت وفيات الأطفال (223حالة) ما نسبته 14.1% من الوفيات التي كشف عليها في المركز الوطني للطب الشرعي في عام واحد، وتراوحت ما بين وفيات أطفال مفاجئة لم يسبقها أعراض مرضية واضحة (111 حالة 50%) بعضها كان بظروف غامضة، ووفيات أطفال ناتجة عن إصابات (96 حالة 43%) تتصف في أغلب الأحيان بظروف إهمال كحوادث السير أو الإصابات المنزلية أو بفعل مقصود كالإساءة والعنف أو القتل المباشر، كما وتم خلال نفس العام الكشف على (16 حالة 7%) لوفيات اجنة داخل الرحم أو أثناء الولادة او جثت للقطاء عثر عليهم في أمكان عامة.

شكل الأطفال الذين أعمارهم أقل من سنة واحدة 69% (76حالة) من وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة (111حالة) التي كشف عليها بالمركز، وهذا الرقم يشكل إنذارا حقيقيا لمراقبي مؤشرات الصحة العامة وصحة الأطفال، فللأسف يتم التعامل مع مثل هذه الوفيات بلامبالاة من قبل الجهات الرسمية كما وتعتبر أنها قدرا مكتوبا من قبل والدي الطفل، ولقد أظهرت النتائج التشريحية لأغلب هذه الحالات وجود مؤشرات لالتهاب رئوي وتأسيسا على هذه النتائج فإنه لمن غير المقبول أن نكون في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ولا يزال لدينا أطفال يموتون فجأة من الالتهاب الرئوي بتوفر خدمات صحية وقائية وعلاجية يفترض أنها سهلة النفاذ لكل الأطفال.

أما ما يعرف بـ"متلازمة وفاة المهد" فشكلت جزءأ هاما من وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة، وهذه الحالة لا تزال مبهمة الاسباب في الأدبيات الطبية حيث يتوفى الرضيع فجأة على الرغم من غياب أي دليل لأسباب مرضية أو سمية أو إصابية واضحة. لقد أثبتت الأدبيات الطبية أن يمكن خفض نسبة الوفيات من متلازمة وفاة المهد بشكل كبير بإتباع رعاية للأطفال تتصف بتوفير بيئة نوم آمنه لهم من مثل وضع الطفل على ظهره أثناء نومه، وتجنب نومه في فراش والديه. إن الوقاية من هذين النوعين من وفيات الأطفال المفاجئة (الالتهاب الرئوي ووفاة المهد) هو مسئولية وطنية تتطلب التوعية والتثقيف الصحي وتوفير الرعاية الطبية سهلة النفاذ لكافة الأطفال في حال ظهور أية أعرض تبدو بسيطة عليهم، فقد نصت المادة 24 من إتفاقية حقوق الطفل على أنه " تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه"

أما نسبة الأطفال الذين يعانون من إعاقات حركية وشلل دماغي وماتوا فجأة فكانت 25% (28 حالة) من مجمل وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة (111حالة) أغلبهم تجاوزوا السنة الاولى من العمر، ومثل هذا الوفيات المفاجئة لأطفال يعانون من إعاقات هي مستغربة بطبيعة الحال لأنه من المتوقع أن يكونوا تحت الرعاية الطبية المستمرة كلٌ حسب حالته وهي مؤشرٌ جلي على إخفاق المؤسسات المعنية برعاية المعاقين بتقديم "الرعاية الخاصة" التي يستحقها كل طفل معاق وبالتالي إنتهاكا يتجاوز إنتهاك حقوق الطفل بالحياة والصحة والحماية إلى إنتهاك حق الطفل المعاق بهذه الرعاية الخاصة التي نصت عليها المادة 23 من إتفاقية حقوق الطفل؛ "تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة... وبحقه في التمتع برعاية خاصة..." كما ونصت إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 25، والتي تم المصادقة عليها من الأردن أيضا، على أنه "تعترف الدول الأطراف بأن للأشخاص ذوي الإعاقة الحق في التمتع بأعلى مستويات الصحة دون تمييز على أساس الإعاقة... "

​أما وفيات الأطفال الناتجة عن إصابات وحوادث عرضية (85 حالة) والتي تم الكشف عليها في المركز خلال عام 2008 فتراوحت بين وفيات أطفال ببيئة خطرة داخل المنزل (33 حالة 39%) وهي في الأعم الأغلب من الأحيان تتصف بالإهمال كسقوط من علو والحروق النارية والحروق السلقية والاختناق بأول أكسيد الكربون، والغصص بأجسام غريبة والصدمة الكهربائية والتسمم، وبين وفيات أطفال ببيئة خطرة خارج المنزل (52 حالة 61%) وهي أيضا تتصف بالإهمال بتعريضهم لمخاطر يمكن الوقاية منها، وأهمها حوادث السير بدهس الاطفال أثناء لعبهم أو تواجدهم على الطرقات (37 حالة 43%) والغرق في برك وتجمعات المياه أثناء التنزه (13 حالة 15%). لقد تم تصنيف "إهمال الأطفال" كشكل جلي من أشكال العنف ضدهم في دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال (عام 2006)، وهذا كان قائما على مرجعية الدليل العلمي أنه يمكن الوقاية من الإصابات والوفيات الناتجة عن الإهمال وبالتالي يكون الإخفاق بتوفير الاحتياجات الأساسية للطفل بما فيها البيئة الآمنة هي فعل عنف مقصود، ومن غير المنطقي قبول حدوث هذه الوفيات بلا مبالاة على أساس أنها قضاء وقدر أو أنها ناتجة عن الجهل أو الفقر والحرمان، فإن كانت تبدو أن المسئولية المباشرة عن توفير البيئة الآمنة للطفل هي مسئولية الوالدين أو راعي الطفل، إلأ أن إتفاقية حقوق الطفل بالمادة 19 نصت بشكل واضح، لا يتضمن أي غموض، أنها مسئولية الدولة "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال..."

كانت وفيات الأطفال الناتجة عن تعرضهم لعنف (10 حالات) شكلت ما نسبته 4.5% من مجمل وفيات الأطفال التي تم الكشف عليها و10.4% من وفيات الأطفال الناتجة عن إصابات وتراوحت هذه الوفيات ما بين كونها ناتجة عن تعرض الطفل لإساءة جسدية أو جنسية وبين كونها جنائية كالطعن والخنق وإطلاق المقذوفات النارية، وفي أغلب هذه الحالات كان الجاني معروفا لدى الطفل أو قريبا له. إن تفاقم حالة تعرض الطفل للإساءة والعنف لمرحلة تؤدي إلى وفاته هي مؤشر على الإخفاق في نظم التعرف المبكر على هذه الحالات من قبل المهنيين في القطاعات المختلفة، وكذلك مؤشر على عدم كفاية التدابير الوقائية الفاعلة لمواجهة العنف ضد الأطفال، فقد نصت الفقرة 2 من المادة 19 من إتفاقية حقوق الطفل على أن "ينبغي أن تشمل التدابير الوقائية إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل... لتحديد حالات إساءة معاملة الطفل والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء". على الرغم من أنه لا يمكن تحديد خط فاصل واضح المعالم ما بين ظروف الوفاة الناتجة عن العنف والوفاة الناتجة عن الإهمال باعتبار أن إهمال الطفل هو فعل مقصود، إلا أنه يتوقع أن تكون الوقاية من حدوث الوفاة المرتبطة بالعنف أسهل نسبيا في حال اكتشافه مبكرا.

التوصيات:

​التعامل مع وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة على المستوى الوطني يتطلب ضمان وجود مرجعيات قانونية وإدارية للتحقيق في جميع وفيات الأطفال بما في ذلك التبليغ عن جميع حالات وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة وضمان توفير المعلومات عن كل مسرح وفاة طفل مفاجئة أو غامضة للطبيب الشرعي قبل إجراء التشريح، وهذا يكون الأساس لاستحداث نظام متكامل للتعامل مع وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة أهم أهدافه توثيق مسرح وفاة الطفل بالوسائل التقنية الرقمية (كتابة وصورا) والاطلاع عليه من قبل الطبيب الشرعي قبل إجراء التشريح لأي حالة، وهذا يتطلب جهودا من القطاعات القضائية والصحية والإجتماعية تعمل بشكل تشاركي بهدف الوصول إلى سبب وظروف وفيات الأطفال لتكوين قاعدة معلومات مرجعية لرسم البرامج للوقاية من هذه الوفيات على المستوى الوطني.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

١٦٧ مشاهدة
bottom of page