اصمتوا أنتم في بلد الأمن والأمان
إذا اعترضتم على تدني الرواتب وارتفاع الأسعار والضرائب وشيوع الفقر والتعطل عن العمل وغياب الاستثمار فعليكم بكظم الغيظ فهذا وطن الأمن والأمان. إذا طال غياب هيبة الدولة فلا بأس فأنتم لا تزالون في بلد الأمن والأمان. إذا تساءلتم عن جذور العنف المجتمعي والعنف الجماعي وما وصل إليه فتيان الوطن من سطحية وجهل ونزعة نحو العنف وتعاطي الجوكر والمخدرات، فلا جواب وعليكم بالصمت لأنكم في بلد الأمن والأمان. إذا شاع العنف ضد مُكَمَمي الأفواه من ذوي الإعاقة وفاقدي السند الأسرى وضحايا العنف الأسري، وإذا عُنّف طفل في حضانة، وإذا عثرتم على رضيع متخلى عنه بجانب حاوية نفايات، وإذا تفاجأتم بقتل شاب لأمه، أو قتل أم لابنها أو اغتصاب اب لابنته، فلا بأس فهذه جميعها ظواهر مستوردة غريبة عن مجتمعنا لأننا في بلد الأمن والأمان. إذا توفيت طفلة في مستشفى حكومي بسبب بيروقراطية الحصول على تأمين صحي، فإنه الاستثناء في بلد الأمن والأمان. إذا توفي مريض بسبب خطأ طبي أو بسبب نقص الأطباء فهذا قضاء الله وقدره، ولا عليكم ضرر في بلد العدل والأمن والأمان. وإذا ارتفعت نسبة المبيدات الحشرية في الخضروات والفواكه، فلا تقلقوا فهذه النسب طبيعية في بلد الأمن والأمان...
"الأمن والأمان":
علينا ان نفكك المصطلحات، دون تكرار إطلاق عبارات وهمية تُفرٓغ من مضمونها، إن كان ذلك بهدف التملق لمسؤول أو وزير أو رئيس وزراء، وإن كان بالتعود على اجترار هذه العبارات الذي أفقدها اجترارها معناها الحقيقي، أو حتى بسردها من قبل مواطن بسيط أجري معه لقاء عشوائي على شاشة التلفاز الحكومي. هناك فرق بين الأمن والأمان؛ فالأمن هو ما تقوم به الحكومة لحماية الأرض والإنسان وهو بالأساس سبب وجودها وليس مهمة اختيارية يمكن تأجيلها او التراخي بتنفيذها، وللأمن مكونات عسكرية، إجتماعية، اقتصادية، سياسية وبيئية، أما الأمان فهو استشعار المواطن لهذا الامن، فإنجازات الحكومة عند وجود هذه الانجازات هي معايير الأمن، لكن الحكومة لا تستطيع أن تجبر المواطن ان يشعر بالأمان قسرا وإكراها بغياب الأمن الاجتماعي بتفاقم الفقر والتعطل عن العمل ورفع الضرائب وفقد القوة الشرائية للدينار، ولا تستطيع الحكومة ان ترغم المواطن بان يشعر بالأمان بغياب التأمين الصحي لجميع المواطنين وباستمرار نقص الخدمات الطبية وخاصة بالمحافظات، ولا تستطيع الحكومة إجبار الأم العاملة على الشعور بالأمان وطفلها في حضانة يتعرض للإهمال والعنف، وليس هناك شعور بالأمان لدى والدي طالب جامعي قد يشارك أو يصاب بعنف جماعي او يُكتشف انه تعود على المخدرات، ولن يشعر المواطن بالأمان مع مخاطر تناوله الطعام المسرطن بالمبيدات الحشرية...
مع كل الاحترام والتقدير للجيش العربي وتحقيق الأمن العسكري بالحفاظ على حدود الوطن، الا ان معايير الأمن تتعدي المكون العسكري لمكونات الأمن الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، والبيئية، فحكومة بعد حكومة تدعي الإصلاح باطلا، يردد المسؤولون بها عبارة "نحن في بلد الأمن والأمان" محاولين غسل الأدمغة، لكن علينا مواجهة الواقع التالي: 1) حكومات مديونة للبنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية بمليارات الدنانير، واولى اولويات رئس الوزراء والوزراء هي اللجوء لجيب المواطن المنهك أصلا بتدني الرواتب والفقر والبطالة. 2) وزراء أتقنوا الاستجداء وطلب المال من القاصي والداني ومن العرب ومن العجم، بداعي وبدون داعي، وليس لهم علاقة بما في باطن الأرض وما على سطحها من خيرات ومن بشر. 3) مؤسسات حكومية وشبه حكومية تدار بمرجعية الإقطاع النخبوي والعوائل المتنفذة، نخرها الفساد ولا رقابة على اموالها ولا معايير تقيس انجازها. 4) المشاركة بالشأن العام والديمقراطية هما وهم وأكذوبة الأغنياء على الفقراء، ومطية اصحاب الفساد الأكبر على اصحاب الفساد الأصغر، وخداع قادة الجاهات ورجالات الدولة للمواطن البسيط، ففي اعلى قائمة المهام العرفية لقادة الشأن العام أولوية تنفيذ واسطة للحصول على عطاءات أو الحصول على وظيفة او حتى واسطة دعم من صندوق المعونة الوطنية. 5) مجالس نواب مسيرة بدون خيار ذاتي وغير معنية بأولويات الوطن والمواطن ولا بحقوقه. 6) عجز مربك بالتعامل مع شيوع ثقافة تجهيل اليافعين؛ ثقافة لها مرجعية بائدة تقبل الغيبيات والقوى الخفية وحتى السحر والشعوذة. 7) قادة في المجتمع لهم عقليات مغلقة بحقد وكراهية وضغينة وغل مرجعيتهم المناطقية، المذهبية، الطائفية، الإقليمية، وحتى السلالة، والعرق، فلا تزدهر محافلهم إلا بعد الاقتتال ولا يتألقون اعلاميا الا بعد حدث كعنف جماعي.
لن يستشعر المواطن الأردني "الأمان" إلا بإنجازات تقاس بمعايير تشمل كافة مكونات "الأمن" الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والبيئية بالإضافة للمكون العسكري. قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} والله من وراء القصد وهو عليه السبيل.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في حقوق الإنسانة
Comentarios