إن العنف ضد الطفل هو مشكلة خطيرة وواسعة الانتشار تؤثر في حياة أعداد كبيرة من الأطفال وهي عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والأمن والأمان الاجتماعي. فهي تعرض حياَة الأطفال للخطر وتعيق التنمية الكاملة لقدرات المواطنين، كما وأنها تضر بوحدة الأسرة والمجتمعات المحلية، وبالأعم الأغلب أن يتخلف عنها أمراض جسدية ونفسية وإصابات قد تسبب الإعاقات والموت.
يبحث هذا التقرير في الاستجابة الشمولية للوقاية والحماية من العنف في العالم العربي ببيئة خالية من العنف، وبمبدأ أن العنف ضدهم غير مقبول بأي شكل وفي كل مكان، وسيعرّف هذا التقرير المهنين في القطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية والإعلامية، بماهية العنف ضد الأطفال وتعريفاته وأنواعه، والمؤشرات الدالة على كل نوع من هذه الأنواع، وآثاره وعواقبه على صحة الفرد والأسرة والمجتمع، وسيستعرض أيضاً البرامج والخدمات المثالية المرجو توفرها للوقاية والحماية من العنف ضد الأطفال على المستوى الوطني، وأهم التحديات والفجوات والعقبات التي تواجه تنفيذ هذه البرامج والخدمات. كما سيستعرض هذا الفصل مبدأ الوقاية والاستجابة الشمولية للعنف ضد الأطفال وأدوار القطاعات المتعددة؛ الصحية والاجتماعية والقانونية، بمرجعية الحفاظ على المصلحة الفضلى للطفل وحمايته بما يتناسب ومرحلة نموه وحاجاته الأساسية.
ماهية العنف ضد الاطفال، وأنواعه، وجذوره، وعواقبه؟
على الرغم من أن لكل طفل الحق بالصحة وبحياة خالية من العنف، كما نصت عليه المادة 19من اتفاقية حقوق الطفل: {"تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية والإهمال، أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته"
إلا أن كثير من أطفال العالم بما فيهم أطفال العالم العربي، هم ضحايا العنف الجسدي، الجنسي، والعاطفي، وكذا ضحايا الإهمال. إن العنف ضد الأطفال هو "مشكلة صحية" حيث عرفت منظمة الصحة العالمية "الصحة" بأنها حالة من اكتمال المعافاة جسديا ونفسيا واجتماعيا، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز. فالأبعاد النفسية والاجتماعية لتعرض الطفل لأي شكل من أشكال العنف تفوق معاناته الجسدية المباشرة، كما وأن للعنف آثار وعواقب سلبية كبيرة على الصحة الجسدية والنفسية، وعلى تطور الطفل ورفاهه طوال حياته، وبالتالي على عائلته وعلى المجتمع.
ماذا يعني توقيع الحكومة على اتفاقية حقوق الطفل؟ إن التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل هو التزام رسمي بالوقاية من العنف ضد الأطفال، وأن هناك مسؤولية على الحكومات بالدول العربية إن تخفض انتشار هذا العنف من خلال إجراءات وقائية شاملة وكذلك توفير الحماية، العدالة والرعاية الاجتماعية والطبية والقانونية للأطفال الذين تعرضوا ويتعرضون للعنف والاهمال، ويتم ذلك من خلال برامج وآليات متعددة القطاعات تشمل التعرف، التبليغ، التحويل، الاستقصاء، العلاج، والمتابعة للحالات.
تعريف العنف ضد الأطفال
يقصد بـتعبير “العنف ضد الأطفال" ما يلي: الإساءة الجسدية، العاطفية، الجنسية، الإهمال، واستغلال الطفل، من قبل أحد والديه أو كليهما أو من قبل شخص راعي للطفل. والمستهدف هو حماية الأطفال من العنف أيا كان عمرهم، حيث يقصد بالطفل إي إنسان عمره اقل من ثمانية عشر عاما (المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل)، خلال كافة مراحل تطوره ونموه، ذكرا كان أم أنثى، وبغض النظر عن مكان وقوع العنف (المنزل المدرسة، مكان العمل، مؤسسات الرعاية) وعن طبيعة العلاقة بين الطفل ومرتكب العنف.
التقرير العالمي حول العنف والصحة (2002) الصادر عن منظمة الصحة العالمية عرف العنف كما يلي:
"الاستعمال المتعمد للقوة الفيزيائية أو القدرة، سواء بالتهديد أو الاستعمال المادي الحقيقي ضد الذات، أو ضد شخص آخر، أو ضد مجموعة، أو مجتمع، بحيث يؤدي إلى حدوث (أو رجحان حدوث) إصابة، أو موت، أو إصابة نفسية، أو سوء النماء، أو الحرمان"
كما وعرف نفس التقرير العنف ضد الأطفال، مقتبسا من تعريف الجمعية الدولية للوقاية من العنف ضد الأطفال كما يلي:
"تشمل حالة انتهاك الطفل أو إساءة معاملته جميع أشكال المعاملة السيئة البدنية (الجسدية) أو العاطفية أو كليهما، والانتهاك الجنسي، والإهمال أو المعاملة بالإهمال، أو الاستغلال التجاري وغيره المؤدية إلى أذية حقيقية أو محتملة تؤذي صحة الطفل، أو بقياه، أو تطوره، أو كرامته من خلال سياق علاقات المسؤولية، الثقة أو القوة".
دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال (2006) اعتمدت التعاريف السابقة.
التعريف السابق يغطي طيفا واسعا من أشكال العنف ضد الأطفال: فيعرف:
الانتهاك الجسدي: "الأفعال المرتكبة من قبل مقدمي الرعاية، والتي تسبب أذى بدنيا للطفل سواء كان مباشرا أو محتملا"الانتهاك الجنسي: "بأنه الأعمال التي يقوم بها أي شخص بقصد الاستمتاع الجنسي بالطفل".
الانتهاك العاطفي: "فشل مقدمي الرعاية في تقديم بيئة مناسبة وداعمة للطفل". ويشمل على الأعمال ذات الأثر الضار على الصحة العاطفية للطفل وتطوره. وتضم مثل هذه الأعمال تقييد حركة الطفل وتشويه سمعته والسخرية منه، والتهديد، والتخويف، والتمييز، والرفض، والأشكال الأخرى غير البدنية من المعاملات العدوانية.
الإهمال: "فشل الأبوين في النهوض بأعباء ومتطلبات تطور الطفل"، عندما يكون الأبوين في الموقع الذي يؤهلهما لفعل ذلك، في واحد أو أكثر من المجالات التالية: الصحة والتعليم والتطور العاطفي والتغذية والمسكن والظروف الحياتية الآمنة. (ملحق رقم 1 حول التعرف على حالات العنف ضد الأطفال).
(التعابير أدرجت هنا كما جاءت في تقرير منظمة الصحة العالمية حول الصحة والعنف).
جذور العنف
لا يوجد سبب واحد محدد يفسر لماذا يتصرف أحد والدي أو راعي الطفل بعنف نحوه أو لماذا أن العنف شائع في مجتمع ما دون غيره. أن العنف ضد الطفل كغيره من أنواع العنف ينتج عن تفاعل عوامل عديدة في أربع مجموعات، وهو ما يعرف بالنموذج البيئي (الإيكولوجي) كما ورد في التقرير العالمي حول العنف والصحة (2002).
المجموعة الأولى من هذا النموذج هي "عوامل الخطورة المتعلقة بالفرد" وهي العوامل البيولوجية لكل من الضحية والمعنف،
المجموعة الثانية هي "عوامل الخطورة المتعلقة بالعلاقات مع الآخرين"
المجموعة الثالثة هي "عوامل الخطورة المجتمعية" المتعلقة بالمجتمع المحلي الذي يعيشه الطفل في المنزل أو الحي.
المجموعة الأخيرة هي "عوامل الخطورة الاجتماعية" المتعلقة بالعادات والثقافات السائدة بعامة المجتمع.
عوامل الخطورة هذه وعلى الرغم من أمكانية تصنيفها في أربع مجموعات إلا أنها متقاطعة مع بعضها البعض.
جذور العنف
آثار وعواقب وكلفة العنف ضد الأطفال: على الرغم من أن الأعم الأغلب من حالات العنف ضد الأطفال لا يفصح عنها، إلا أن هذه المشكلة مقر بوجودها دوليا كمشكلة صحة عامة هامة، بالإضافة لكونها مشكلة قانونية واجتماعية. إن العنف ضد الأطفال يتفاوت بشدته وطبيعته وعواقبه، والتي قد تصل للإعاقة أو الوفاة، وتترك الإساءة النفسية والجنسية ضرر على الطفل قد يلازمه طوال حياته، وبالتالي تمتد هذه الآثار والعواقب إلى أسرة الطفل ومجتمعه.
بالإضافة لعواقب العنف ضد الأطفال على صحة الفرد والأسرة والمجتمع، فإن كلفته كبيرة على اقتصاد الدولة حيث تشمل هذه الكلفة الخدمات الصحية والنفسية، وخسارة الإنتاجية، وكلفة العناية بالمعاقين، وكلفة زيادة الخدمات الاجتماعية، والكلفة المترتبة على زيادة معدل الجريمة مستقبلا.
مبدأ "الصحة العامة" بالتعامل الشمولي مع العنف ضد الأطفال
هناك أهمية قصوى للقطاع الاجتماعي والقطاع القانوني بحماية الأطفال عقب تعرضهم للعنف، إلا أن مفهوم الوقاية الأولية من العنف وعواقبه على صحة الإنسان، كمبدأ صحة عامة، هو من صميم أهداف القطاع الصحي، ولهذا هناك دور أساسي لوزارات الصحة بالدول العربية للوقاية ولحماية الأطفال من العنف والذي يهدف بدايةً لتنظيم مبدأ الوقاية الأولية وتطبيقه من خلال خدماتها المباشرة ومن ثم تنظيم العلاقة مع القطاعات الأخرى بالأطر الوطنية السائدة والعمل على تعزيزها وتقويتها. وزارة الصحة هي الجهة المخولة عن الحكومة القيام بالاستقصاء الوبائي ومن المنطقي أن يشمل ذلك العنف ضد الأطفال على اعتباره مشكلة صحية، ومن المتوقع أن يكون لوزارة الصحة البنية التحتية القادرة على تحمل مسئوليات المبادرة، التطبيق، الإدارة، والرقابة على برامج الوقاية من العنف ضد الأطفال.
مبدأ "الصحة العامة" بالتعامل الشمولي للقطاعات المختلفة مع العنف ضد الأطفال:
إن تطبيق مبدأ الصحة العامة لدى التعامل مع العنف ضد الأطفال هو عمل تشاركي شمولي على المستوى الوطني للقطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية وليس حصرا للقطاع الصحي، وهو قائم على المفاهيم التالية:
(1) الوقاية الأولية ويقصد بها منع العنف من الحصول ابتداء.
(2) الوقاية الثانوية ويقصد بها التعرف على عوامل الخطورة لدى فئات معرضة للعنف أكثر من غيرها والاستجابة عند حصول العنف.
(3) الوقاية الثالثية ويقصد بها التدخل بعد حصول العنف للحد من عواقبه على صحة ورفاه الطفل ومنع تكراره.
هناك أربع خطوات هامة هي أساس مبدأ الصحة العامة وهي قائمة على جمع المعلومات الموثقة، وعلى الأبحاث، والرصد والتقييم:
1) تعريف المشكلة وتحديد ماهيتها وجمع الإحصاءات.
2) بيان عوامل الخطورة المسببة للعنف ضد الأطفال وعوامل حماية الأطفال من العنف.
3) تصميم وتطبيق برامج مواجهة العنف بخفض عوامل الخطورة المسببة له.
4)تعميم فعالية البرامج الجيدة على نطاق جغرافي واسع.
لتطبيق هذه الخطوات هناك ثلاثة محاور متلازمة وهي:
أولا: محور جمع المعلومات.
ثانيا: محور الوقاية.
ثالثا: محور الاستجابة.
أولا: محور جمع المعلومات
يهدف هذا المحور لتحديد حجم المشكلة والتحليل الفعال للدراسات وتفسيرها بمرجعية علمية وعرضها بالطرق المناسبة، فمسؤولية القطاعات المتعددة هي كما يلي:
1) بيان مدى شيوع العنف ضد الأطفال وقياس عواقبه على صحة الإنسان والأسرة والمجتمع.
2) بيان مدى العلاقة بين العنف ضد الأطفال وعوامل الخطورة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي من الممكن تغيرها بهدف خفض شيوع هذا العنف.
3) استخدام هذه المعلومات لبرامج الوقاية.
تشمل هذه الدراسات:
أولا "الاستقصاءات الوبائية" لكامل المجتمع
ثانيا"التحليل الإحصائي لحالات العنف ضد الأطفال المبلغ والمفصح عنها"
ثالثا "التحليل الإحصائي لحالات العنف القاتلة ضد الأطفال"
أولا: الاستقصاء الوبائي لحالات العنف ضد الأطفال:
المعلومات المتوفرة من الاستقصاء الوبائي تستخدم لرسم ولتقييم استراتيجيات الوقاية والحماية من العنف ضد الأطفال، وفي أغلب دول العالم، كما في دول العالم العربي، هذه الدراسات الوبائية غير متوفرة بالعادة، مما يسب صعوبة تقبل أن مشكلة العنف موجودة وبالتالي عدم وضع العنف ضد الأطفال كأولوية صحية، إلا أن هذا لا يعني عدم ضرورة وجود إستراتيجية للوقاية من العنف حيث إنها الأساس في إنتاج مثل هذه الدراسات الوبائية والتي ستستخدم لتقييم وتعديل الإستراتيجية نفسها.
جمع المعلومات الوبائية حول العنف ضد الأطفال وعواقبه يساهم مباشرة بالوقاية منه على المستوى الوطني كما يلي:
1) توفير معلومات كمية حول المشكلة على المستوى الوطني والتي تحتاجها مختلف الوزارات والقطاعات.
2) توفير معلومات عن مدى حدوث المشكلة، أسبابها، وعواقبها، على المستويات المحلية والوطنية.
3) توفير أمكانية التعرف المبكر على حالات العنف الجديدة ضد الأطفال وعلى نزعة حدوثها والذي سيساعد على الاستجابة المناسبة بالوقت المناسب.
4) تحديد أولويات الوقاية للضحايا أو بمرتكبي العنف ضد الأطفال اعتمادا على عوامل الخطورة السائدة.
5) توفير معلومات لتقييم تأثير جهود الوقاية من العنف.
6) التوزيع الجغرافي للمشكلة ولخدمات الوقاية المتوفرة لمواجهتها.
ثانيا: التحليل الإحصائي لحالات العنف ضد الأطفال المفصح والمبلغ عنها:
هذه الدراسات لا تعكس مدى شيوع العنف ضد الأطفال لأنها لا تشمل الحالات غير المبلغ عنها، إلا أنها تفيد في تحليل نزعات التبليغ وتوجيه أمكان تقديم الخدمات. يجب أن تقوم هذه الدراسات على تعاريف موحدة للعنف ضد الأطفال مقبولة من قبل كل القطاعات على المستوى الوطني.
1) على مقدمي الخدمات توفير المعلومات بطريقة مباشرة وبسيطة.
2) يجب أن تتصف هذه المعلومات بالمرونة والتأقلم مع التغيرات العملية المتوقعة.
3) يجب إن يكون هناك استعداد لدى العاملين لتقبل هذه المعلومات.
4) يجب أن تكون هذه المعلومات دقيقة وعملية.
5) يجب أن تكون قابلة للتطوير.
ثالثا: التحليل الإحصائي لحالات العنف القاتلة ضد الأطفال:
من الممكن إجراء الدراسات حول حالات العنف القاتلة ضد الأطفال، بسبب إلزامية التبليغ عن هذه الجرائم وعدم جواز الدفن إلا بتصريح من الجهات الصحية، وإجراء الكشف الطبي الشرعي على جميع حالات وفيات الأطفال المشتبهة والجنائية والناتجة عن إصابات. يتم ذلك بدعم نظام الطب الشرعي الشامل للتعرف، الاستقصاء، التصنيف، والتوثيق لحالات العنف القاتلة ضد، وكذلك باستحداث فريق أو لجان مراجعة وفيات الأطفال.
ثانيا: محور الوقاية من العنف ضد الأطفال
يهدف هذا المحور خفض شيوع العنف ضد الأطفال ابتداءً بمواجهة عوامل الخطورة حسب توزيعها البيئي (كما في الملحق رقم 2) ويتضمن آليات تقييم النتائج:
مجموعتي عوامل الخطورة المجتمعية والاجتماعية:
الإستراتيجيات الوقائية من العنف في هاتان المجموعتان تشمل جميع أنواع العنف ضد الأطفال في كافة مراحل نموهم وتطورهم، فمسؤولية القطاعات المتعددة هي كما يلي:
1) تطوير السياسات والتشريعات والتي هي أساس لاستجابة شاملة للعنف ضد الأطفال، بما يتفق واتفاقية حقوق الطفل.
(1) منع العنف ضد الأطفال في كافة أماكن تواجدهم، بما في ذلك المنزل يعطي رسالة واضحة بأن ليس هناك حق للوالدين أو راعي الطفل بالإساءة إليه، وأن للدولة الحق بالتدخل لتوفير المصلحة الفضلى للطفل.
(2) وجود هذه التشريعات يردع حصول العنف ضد الأطفال ابتداءً.
(3) تقوية تشريعات التبليغ الإلزامي عن الحالات، وعقاب المعتدين بشدة على أطفالهم يؤدي إلى تغير الثقافة السائدة من أن العنف ضد الأطفال هو موضوع أسري خاص.
2) القيام بحملات زيادة الوعي لتغير القيم الثقافية المنتجة للعنف ضد الأطفال:
(1) تغير القيم السائدة بجدوى العقاب الجسدي للأطفال
(2) المساواة بين الذكر والأنثى. من الممكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة وحملات زيادة الوعي الإعلامية للدعوة لمواجهة العنف ضد الأطفال وتقديم خدمات أفضل للأطفال. هذه الأمور ستؤدي إلى تغير إيجابي في المعرفة، السلوك، والقيم.
3) رفع المستوى الاقتصادي للأسر والأحياء الفقيرة لمواجهة سوء الحالة الاقتصادية المتمثلة بالفقر والبطالة والذي سيؤدي إلى خفض العنف ضد الأطفال، كما وأن رفع المستوى الاقتصادي للأسر يحسن مخرجات التعليم، وتعديل السلوكيات السلبية، وتحسين الصحة الجسدية والعقلية وخفض نسبة الجريمة وبالتالي خفض العنف ضد الأطفال.
4) تحسين الظروف البيئية من مثل خفض الكثافة السكانية، وتوفير البيئة الصحية الخالية من الملوثات الصناعية والمخدرات والكحول. (وجود الرصاص في البينة يؤدي إلى اضطراب فرط الحركة، وهؤلاء معرضين للإساءة أكثر من غيرهم من الأطفال).
5) توفير والرقابة على أماكن التنزه للأطفال، حضان ورياض الأطفال، الصحة المدرسة، التأمينات الصحية، الرعاية للمعاقين.
عوامل الخطورة المتعلقة بالعلاقات مع الآخرين:
1) على القطاعات المتعددة، وخاصة الصحية والاجتماعية، تعزيز برامج الزيارات المنزلية والذي يوفر فرصة إيجابية للنفاذ لداخل الأسر المعرضة للخطر ويمنع العنف ضد الأطفال، وعنف المراهقين. خلال الزيارة يتم توفير الخدمات التي تدعم الأسرة، وقد تكون هذه الزيارات لجميع الأسر عقب الولادة مباشرة لفترة محددة، أو قد تكون لبعض الأسرة المعرضة للخطر أكثر من غيرها. تتصف هذه الزيارات بالمرونة وبالمهنية وتعمل على تعزيز السلوكيات الصحية والنفسية والاجتماعية الجيدة.
2) هناك دور للقطاع الصحي لتعزيز برامج التدريب على الوالدية لزيادة المعرفة لدى الوالدين بنمو الطفل وتطوره، وتحسين مهارة التعامل مع أطفالهم. ومن الممكن توفير هذا التدريب في المنزل أو في العيادات أو المدرسة.
عوامل الخطورة المتعلقة بالفرد:
هناك دور للقطاع الصحي في:
1) تجنب حصول الحمل غير المرغوب به والمرتبط بانخفاض وزن الوليد وزيادة نسبة الإعاقات والوفيات وكذا زيادة نسبة العنف ضد الطفل.
2) زيادة تكرار الزيارات الطبية خلال الحمل وما بعد الولادة تخفض من احتمال تعرض الطفل للعنف، كما وأن هذه الزيارات تخفض نسبة الأطفال الخداج وقليلي الوزن والمرضى والمعاقين وبالتالي تخفض نسبة تعرض هؤلاء الأطفال للعنف.
3) تدريب الأطفال على إدراك وتجنب الظروف الكامنة التي قد تعرضهم للعنف.
ثالثا: محور الاستجابة للعنف ضد الأطفال
يهدف هذا لمحور توفير ودعم خدمات الاستجابة لحالات العنف ضد الأطفال عقب حصوله والقائمة على القطاعات المتعددة وعلى الدليل العلمي والمنتجة للأبحاث، وعلى استمرارية التقييم والمتابعة:
1) توفير البنية التحتية والوسائل الإدارية لدعم خدمات الاستجابة للعنف ضد الأطفال بإيجاد السياسات والإجراءات الموثقة القائمة على الدليل العلمي والتخطيط لتوفير القوى البشرية اللازمة وآليات التقييم المستمر وتحسين نوعية الخدمة وقياس المخرجات.
2) تقديم خدمات الاستجابة لحالات العنف ضد الأطفال كما يلي:
(1) التعرف على حالات العنف من قبل العاملين في المجالات الصحية.
(2) التعامل مع الإفصاح عن الحالات، مع الحالات التي تم تشخيصها ومع الحالات المشتبهة.
(3) التبليغ عن حالات العنف ضد الأطفال.
(4) توفير الرعاية الطبية لضحايا العنف ويشمل ذلك أخذ السيرة المرضية والكشف السريري وتوثيق العنف والوقاية من الأمراض المعدية والحمل. الكشف الطبي الشرعي والمقابلة النفسية الجنائية. توفير الرعاية النفسية العاجلة وطويلة الأمد. توفير الخدمات صحية والنفسية لمرتكي العنف وأسرهم.
3) للقطاع الصحي بالتعاون مع القطاعات الأخرى دور في دعم خدمات حماية الأطفال من العنف، المتعددة القطاعات لتوفير مصلحة الطفل الفضلى في جو صديق للأطفال خلال التحقيق الشرطي والقضائي والكشف الطبي الشرعي والنفسي والمتابعة.
العوائق والتحديات والفجوات التي تواجه تطبيق برامج حماية الطفل على المستوى الوطني
تشكل الشراكة والتنسيق بين القطاعات المتعددة التي تتعامل مع الضحايا الأساس الصحي والسليم في الوقاية والحماية من العنف ضد الطفل، حيث أن تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية ودعم الضحايا ومعاقبة المعتدين يتطلب ترابطا وتواصلا بين هذه القطاعات، إلا أن هذا الترابط والتواصل قد يشوبهما بعض الفجوات والعوائق والتحديات كما هو مبين أدناه.
أولا: غياب أو قلة الإرادة السياسية للدولة في مواجهة العنف ضد الطفل: مسؤولية الدولة قائمة على أساس أنها هي الضامنة لحقوق مواطنيها وهي المسؤولة بموجب دستورها وبموجب القانون الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها، بما فيها حقوق كل فرد من أفراد الأسرة وخاصة الأطفال، وهذه المسؤولية لا تنشأ حصرا في أفعال تقوم بها الدولة وأنماء بالأعم الأغلب بما يلي:
1- تراخي الدولة باتخاذ تدابير إيجابية من مثل:
(1) غياب الإرادة السياسية للدولة بإنشاء فريق متعدد المهن لمواجهة العنف ضد الطفل.
(2) التراخي بعدم التحقيق في الادعاءات بوقوع هذا العنف والإخفاق في معاقبة المذنبين.
(3) عدم ضمان رد الضرر الواقع على الضحايا.
(4) عدم إنجاز إطار قانوني وسياسي لحماية الحقوق الإنسانية لضحايا العنف ضد الأطفال وعدم تعزيزها أو الإخفاق في تنفيذها بفعالية.
(5) عدم مبادرة الدولة بتعديل المواقف والسلوكيات السلبية لمواطنيها كما نصت الاتفاقيات الدولية.
2- إخفاق الدولة بإيجاد والحفاظ على بيئة وطنية متناسقة لا يسمح فيها بالعنف ضد الأطفال.
3 عدم تخصيص الدولة موارد كافية لمواجهة العنف ضد الأطفال.
ثانيا: تغاضي الدولة عن دورها القيادي بالتعامل مع برامج حماية الطفل متعددة القطاعات
1- المسؤولية المباشرة للوقاية والحماية من العنف ضد الأطفال وبالتالي القضاء عليه، لا تقع على مؤسسات المجتمع المدني أو على الجمعيات التطوعية أو على القطاع الخاص وإنما هي مسؤولية الحكومة ابتدأ.
2- الحكومة هي المسؤولة عن مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية الأساسية من مثل الحق بالحياة والأمن والأمان والحق بالتمتع بالصحة الجسدية والنفسية والحق بالتعلم والحق بالسكن والحق بالمشاركة في الحياة العامة، إلا أن العنف ضد الطفل يقوض أغلب هذه الحقوق ويؤدي على تكاليف إنسانية واقتصادية تفقر الأفراد والأسر والمجتمعات كما وأنه يعيق التنمية الشاملة للوطن ويؤدي إلى أنهاء حياة الأطفال في كثير من الأحوال.
3- تكون مسؤولية الدولة بقيادة برامج حماية الطفل متعددة القطاعات أمرا ليس اختياريا أو رفاهية يمكن الاستغناء عنها، لأنه لا مجال للفشل عندما يتهدد الإنسان بأبسط حقوقه وتدمر أسر وتتفشى الجريمة بالمجتمع.
ثالثا: الفجوات القانونية لبرامج حماية الطفل متعددة القطاعات ما بين المعايير الدولية والتشريعات الوطنية السائدة ينعكس سلبا على المرجعية القانونية لبرامج حماية الأسرة متعددة القطاعات:
1- تفتقر أغلب قوانين الدول العربية إلى أحكام تشريعية محددة لتجريم العنف ضد الطفل من مثل الإيذاء الجسدي والذي قد يسمح به بنص القانون في بعض الدول.
2- هذه التشريعات أيضا تتصف بالقصور في تعاريف العنف الجنسي والاغتصاب، والتحرش الجنسي، والعنف الاسري، وجريمة الشرف.
3- بعض التشريعات بها أحكام تسمح بتخفيف العقوبة وبزواج مرتكب العنف الجنسي من الفتيات بما فيهن القاصرات.
4- تفتقر هذه التشريعات لمرجعيات قانونية للتدابير الوقائية لحماية ضحايا العنف من الأطفال والنساء.
5- إن وجدت قوانين جيدة للتعامل مع العنف ضد الأطفال فإنها لا تنفَّذ تنفيذًا فاعلا وتفتقر للأنظمة والتعليمات المرنة المتفقة مع القانون وتفتقر لأدلة إجراءات مهنية واضحة للقطاعات الصحية والشرطية والاجتماعية.
6 غموض المرجعية القانونية والأخلاقية المهنية “عن التبليغ عن حالات العنف ضد الطفل والغموض بالمدونات الأخلاقية المهنية من مثل الدستور الطبي.
7- غموض بالمرجعية القانونية عن وجود الحق العام بقضايا العنف ضد الأطفال.
8-غموض المرجعية القانونية بتدابير حماية ومتابعة ضحايا العنف ضد الطفل
(1) غياب تشريعي فيما يتعلق بتدابير حماية الضحايا من الاطفال
(2) غياب المظلة القانونية لخدمات المساعدة القانونية المقدمة من قبل الجمعيات التطوعية
(3) غياب لنصوص قانونية واضحة تتيح المصالحة ما بين المعتدي والضحية دون إجحاف.
(4) غياب لنصوص عقابية بديلة للمعتدي تهدف لإعادة تأهيل الأسرة.
9-غياب المرجعية القانونية لإلزامية تطبيق الإستراتيجيات والأطر الوطنية أو السياسات التي تضبط وتنظم العمل التشاركي لحماية الأطفال من العنف.
رابعا: العوائق والتحديات في تقديم الخدمات متعددة القطاعات
1- قلة التمويل لبرامج حماية الطفل متعددة القطاعات من الميزانية الوطنية للدولة.
2- البنية التحتية وبيئة العمل العشوائية وغير المناسبة لبرامج حماية الطفل.
3- غياب او ضعف او عدم استخدام أدلة الإجراءات للقطاعات المختلفة والادلة المشتركة.
4-غياب أو نقص التدريب المهني هو عائق كبير أمام جودة الخدمات.
5-غياب أو نقص نظم جمع المعلومات والبيانات بصورة منهجية، وبالتالي ضعف الأبحاث العلمية وغياب الدليل العلمي المسند لتطوير تقديم الخدمات.
6- العقبات الإدارية المتمثلة بغياب قيادة واضحة لبرامج حماية الطفل، والتنافس السلبي لقيادة هذه البرامج. وغياب أو تغييب قطاعات هامة لها دور هام من مثل توفير مختصين بالمقابلات الجنائية أو العلاج النفسي للأطفال أو خدمات دور الضيافة المتخصصة للأطفال والنساء. غياب أو نقص في دور قطاعات تطوعية هامة، من مثل جمعيات دعم ضحايا العنف من الناحية النفسية والاجتماعية والقانونية.
مسؤولية الحكومة:
العنف ضد الطفل ليس أمر حتميا وليس قضاء وقدرا، فهو نتاج عوامل خطورة يمكن السيطرة عليها وهي قابلة للتغير إذا توافرت الإرادة السياسية وخصصت الموارد اللازمة للقضاء عليه. ويجب أن يكون واضحا أن مواجهة العنف ضد الطفل ليست مهمة اختيارية أو هامشية، وإنما يجب أن يستجاب له وللوقاية منه بالتنسيق بين جهات عدة ومتعددة القطاعات المهنية تكون الحكومة في طليعتها وضامنة للتنسيق بينها وتعمل على رصد أدائها والمساءلة عند الإخفاق، وعلى الدولة أن تقوم بذلك ببناء وتطوير وتوطيد استراتيجيات وسياسات قوية متعددة القطاعات ومنسقة وطنيا ومحليا وتعزيز قاعدة المعرفة عن جميع أشكال العنف ضد الأطفال وتخصيص الموارد البشرية والمالية والتقنية الكافية، وسد الفجوات بين المعايير الدولية والقوانين والسياسات والممارسات الوطنية وإن تكون مرجعية الدولة احترام حقوق الأنسان وحمايتها وتعزيزها وإحقاقها.
الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي
الخبير في حقوق الطفل والوقاية والحماية من العنف ضد الاطفال
Kommentit