اضطراب ما بعد الصدمة ينتج عن تعرض الطفل لحدث من أحداث الحياة الصادمة من النوع الأسوأ كوفاة أو مرض عضال لشخص داخل الأسرة وينتج أيضا عن فقدان الأطفال لأفراد أسرهم أو اصدقائهم او معلميهم في حوادث السير او جرائم القتل أو الانتحار او الكوارث الطبيعية أو التي من صنع إنسان كظروف اللجوء والحروب والاعمال الإرهابية، وتتفاقم الأعراض إذا شاهد الطفل تقطع اوصال الموتى او الإصابات الدموية للضحايا.
اضطراب ما بعد الصدمة مرتبط بتعرض الطفل لخبرات الحياة المناوئة كالاعتداء الجنسي من قبل الاخرين وخاصة داخل الأسرة كالاعتداء الجنسي أو الايذاء الجسدي البليغ أو العنف النفسي طويل الأمد والمتكرر، والتنمر من قبل الزملاء او الرفقاء في المدرسة او النادي او الحي.
تتفاوت اعراض الصدمة تبعا لعمر وأدراك الطفل والتفاوت في الحالة النفسية والهشاشة السابقة للحدث او الخبرات المناوئة. ويأخذ واحد أو أكثر من هذه الأشكال:
1. استحضار متكرر ومزعج للحدث كاستعادة صور أو مشاهد او افكار، أو اظهار محتوى الصدمة في العابهم.
2. تكرار الاحلام المزعجة عن الحدث، او احلام مزعجة دون محتوى واضح.
3. التوهم او الشعور كأن الحدث يتكرر.
4. ضيق واضطراب عند التعرض لمؤشرات داخلية أو خارجية ترمز أو تشبه وجه من وجوه الصدمة.
5. استجابة فسيولوجية حين التعرض لإشارة او مشابهة للحدث مثل التنفس السريع وزيادة سرعة نبض القلب.
اجتناب الافكار أو النقاش المرتبط بالصدمة، تجنب النشاط او الاماكن او الاشخاص التي تعيد صورة ذهنية للحدث، وعدم القدرة على استرجاع الجوانب المهمة من الصدمة، قلة الرغبة في المشاركة بالنشاطات الاجتماعية، الشعور بالارتباك والنور من الأخرين، محدودي في المزاح، واخفاق في إتمام الأنشطة الاجتماعية المتوقع القيام بها في مثل عمره.
العواقب بعيدة المدى تشمل اضطرابات النور، صعوبة بالتركيز، أرق، قلق، القابلية للإجفال والهلع، ضعف في الذاكرة، اعراض اكتئابيه والشعور الدائم بالوحدة.
تغيرات سلوكية فقد يتحول الطفل الذي كان اجتماعيا ومشاركا الى طفل منعزل وهادى ويفقد الرغبة في الانشطة الاجتماعية والالعاب او المدرسة، وقد يحص العكس تماما فيتحول الطفل الهادئ إلى عدائي.
تراجع على مستوى التطور الطبيعي، فقد يعاني الطفل من التبول اللاإرادي بعد أن يكون قد وصل مرحلة التحكم بالتبول، وقد يفقد مهارته بالحديث والتواصل مع الأخرين، وخاصة عن الحدث الذي سبب له الاضطراب.
المواثيق الدولية
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/1948
لقد نصت المادة 1 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948، على {يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق} وبالتالي فإن المصابين بالاضطرابات النفسية يتمتعون أيضًا بالحق في حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية والمادة 12 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" {تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه}
المادة 25. {لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه. (2) للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين. ولجميع الأطفال حقُّ التمتُّع بذات الحماية الاجتماعية سواء وُلِدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.}
نص المبدأ الأول من "مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية" الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991 على أن {يتمتع جميع الأشخاص بحق الحصول على أفضل ما هو متاح من رعاية الصحة العقلية التي تشكل جزءا من نظام الرعاية الصحية والاجتماعية}
اتفاقية حقوق الطفل 20/11/1989
الصحة النفسية هي مركب أساسي من تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة كونها {المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية وليست مجرد انتفاء المرض او العجز} فقد ورد بالمادة 24 من الاتفاقية {تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه} وبناء على هذه المادة فإن من واجب الحكومة ان توفر خدمات العلاج النفسي للأطفال، الوقائية والعلاجية، بكافة اشكالها بما في ذلك علاج الأطفال من اضطراب ما بعد الصدمة، في كافة أعمارهم وفي كل أماكن تواجدهم، ويشمل ذلك الطب النفسي، والعلاج النفسي السريري، والخدمات الاجتماعية.
كما نصت المادة 39 من اتفاقية حقوق الطفل على واجب الحكومة توفير العلاج النفسي بالإضافة للجسدي والتأهيل الاجتماعي لضحايا العنف والنزاعات المسلحة كما يلي {تتخذ الدول الأطراف آل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجرى هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته.}
إعلان حقوق الطفل 20/11/1959
المبادئ التالية من الإعلان تشير لأهمية العلاج النفسي للأطفال وإن كان بصورة غير مباشرة
المبدأ الثاني {يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة وأن يمنح، بالتشريع وغيره من الوسائل، الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية والكرامة. وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سن القوانين لهذه الغاية.}
المبدأ الرابع {يجب أن يتمتع الطفل بفوائد الضمان الاجتماعي وأن يكون مؤهلا للنمو الصحي السليم. وعلى هذه الغاية، يجب أن يحاط هو وأمه بالعناية والحماية الخاصتين اللازمتين قبل الوضع وبعده. وللطفل حق في قدر كاف من الغذاء والمأوي واللهو والخدمات الطبية}
المبدأ التاسع: {يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جمع صور الإهمال والقسوة والاستغلال. ويحظر الاتجار به على أية صورة}
التشريعات الأردنية:
هناك غياب تشريع أردني متخصص بالتعامل مع الأمراض النفسية ان كان للبالغين أو للأطفال، حيث أقتصر قانون الصحة العامة رقم 47 لعام 2008 على أربع مواد بالفصل الرابع حول الصحة النفسية والإدمان، ومنها المرجعية في الإدخال جبرا للمستشفيات (المادة 14) في حالة كون المريض أو المدمن يسبب أذى لنفسه أو للأخرين سواء كان ماديا أو معنويا أو صدور قرار من المحكمة بذلك، إلا أنه هناك غياب لمعايير واضحة وموضوعية ومعلنة للإدخال القسري للمستشفيات وغياب تشجيع الإدخال الطوعي، وهناك ضبابية وغموض (المادة 15) في الحق في مراجعة الحالة وإعادة النظر في المعالجة القسرية في فترات زمنية محددة.
إن عدم وجود تشريع أردني متخصص بالتعامل مع الأمراض النفسية يشكل عائقا حقيقيا أمام تقديم خدمات وقائية وعلاجية في مجالات الصحة النفسية، فلقد أشارت مراجع منظمة الصحة العالمية أن لدى حوالي 75 % من بلدان العالم تشريعات متخصصة للصحة النفسية (الأردن ليس منها) وهذه التشريعات في حال وجودها تعتبر وسيلة مهمة من وسائل تحقيق أهداف وغايات وسياسات الصحة النفسية على المستوى الوطني لشمولها على ضمان إنشاء مرافق وخدمات الصحة النفسية العالية الجودة، وتيسير نفاذ المواطنين إلى الرعاية الصحية النفسية الجيدة وحماية حقوق الإنسان للمرضى النفسيين كضمان السرية والخصوصية وحقهم بالعيش ببيئة آمنة وبالاتصال بالعالم الخارجي وبالعمل المناسب وحقهم بعدم التميز ضدهم وضمان حق المرضى النفسيين في المعالجة والتأهيل الاجتماعي.
إدارة حماية الاسرة:
مع التوضيح ان ليس كل حالات ما بعد الصدمة تحول لإدارة حماية الاسرة كون أغلب هذه الحالات خارج اختصاص الإدارة نوضح ان ورود النص التالي في قانون الحماية من العنف الأسري رقم 15 لسنة 2017 في البند 3 من الفقرة أ من المادة 11 والذي سمح للمحكمة، في حالات العنف الاسري ومنهم الأطفال، أن تطلب {إلحاق أطراف النزاع ببرنامج او بجلسات تأهيل نفسي أو اجتماعي تنظمها الوزارة أو أي جمعية أو أي جهة أخرى يعتمدها الوزير لمدة لا تزيد عن ستة أشهر}. لكن لا هذه المادة لا زالت تواجه الصعوبات في التطبيق على أرض الواقع؟
مسؤولية الحكومة:
1. الأردن بحاجة لتشريع خاص بالطفل وهو "قانون حقوق الطفل" ويتوقع ان يتضمن محور مخصص للصحة وجزء من هذا المحور يتوقع ان يشمل الصحة العقلية والنفسية وللطفل، لكن وللأسف الحكومة الأردنية تماطل بشكل غير مبرر بعدم إعطاء هذا التشريع الأولوية ومنذ عشرين عاما.
2. قانون الحماية من العنف الأسري بحاجة لأنظمة وتعليمات تصدر بمجوبه تجعل من تأهيل الطفل ضحية العنف أمرا عمليا قابل للتنفيذ، بحيث توفر لكل حالة خدمات التأهيل الجسدية والنفسية والاجتماعية.
3. الأردن بحاجة لقانون مخصص للصحة العقلية يشمل الجانب الوقائي والعلاجي ومحور مخصص منه يتعلق بالأطفال، يضمن وضع استراتيجية قابلة للتطبيق وبموجب هذا القانون تضبط جودة الخدمات ويتم التدريب المهني بالمعرفة والمهارة، وتوفير الكوادر الطبية والمعالجين النفسيين والباحثين الاجتماعين إن كان للبالغين او للأطفال، وأيضا يتوقع من هذا القانون وضع البرامج توعوية لأهمية العلاج النفسي ومحاربة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالصحة العقلية.
4. خدمات الطب النفسي والعلاج النفسي في القطاع الحكومي بحاجة لتطوير جذري بسبب نقص الكوادر وهجرة الكفاءات، فالمتخصصين في طب نفسي الأطفال او العلاج النفسي للأطفال، ان وجدوا فهم معدودين على أصابع اليد، بالإضافة الى غياب شبه كامل للخدمة الاجتماعية الفاعلة، وهذه من أساسيات تكامل العلاج النفسي.
إن رعاية الاطفال وإعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا واجتماعيا هي مسئولية وطنية تتطلب مبادرة جدية من الحكومة لإقرار تشريع خاص قائم على الدليل العلمي المسند وبمرجعية استراتيجية وطنية تضمن توفير جودة عالية لخدمات الصحة النفسية، والتوعية بتثقيف عامة المواطنين بأهمية الصحة العقلية، ورفع كفاءة الأطباء والممرضين والعاملين الصحين، وضمان توفر الموارد المالية والبشرية.
الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Comentários