top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت


عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت
عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت

من أهم مرتكزات اتفاقية حقوق الطفل "أن الأسرة تشكل البيئة الطبيعية لنمو ورفاهة جميع أفرادها وخاصة الأطفال" ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمعات وتطالب هذه المواثيق الدولية الحكومات بتوفير الدعم الكامل للأسرة، وعلى الرغم من هذه المرجعية يمكن للأسرة أن تكون مكاناً خطراً للأطفال، بسبب شيوع العنف ضدهم من قبل الآباء أو الأقرباء والذي قد يتراوح بين العنف النفسي أو الإهمال أو الضرب التأديبي والتعذيب الجسدي وقد يصل للعنف الجنسي في بعض الأحيان.

تتراوح عواقب العنف ضد الأطفال من آثاراَ مباشرة عليه إلى ضررٍ يمتد من مراحل الطفولة إلى مرحلة المراهقة وبالتالي لمرحلة البلوغ وفي بعض الحالات يستمر الضرر مدى الحياة. من أخطر العواقب النفسية المباشرة للعنف على الأطفال وأكثرها شيوعا، فقدانهم الثقة بالأخرين والتي تُعد أمراً ضرورياً لنمو الإنسان وتطوره بشكل طبيعي، فتعلم الثقة بالآخرين من خلال الارتباط بالأسرة أمر أساسي يكتسبه الإنسان في مرحلة الطفولة وبالتالي يصبح قادرا على إقامة العلاقات الإجتماعية السوية، فغياب الثقة بالأخرين بسبب تعرض الطفل للعنف يؤدي إلى إعاقة في نمو شخصيته وإخفاق في الإنجاز وبالتالي تكلفة باهظة الثمن على المجتمع مستقبلا.

عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت
عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت

عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت

عواقب العنف الجسدي

العنف الجسدي ضد الطفل قد يكون شديدا كحصول إصابات خطرة أو إصابات تؤدي إلى أعاقة جسدية دائمة او الوفاة، وطبيعة هذه الإصابات تتراوح ما بين الكدمات والسحجات الخارجية الناتجة عن الصفع أو اللكم أو الركل أو العض أو الجلد بسوط أو عصا إلى إصابات الرأس وكسور الجمجمة وإصابات الأحشاء، وإصابات كرة العين، وإصابات الجهاز العصبي المركزي، وكسور الأطراف، وإن كان من المتوقع أن تشفى هذه الإصابات جسديا إلا أن المعاناة النفسية المرتبطة بالعنف الجسدي قد ترافق الطفل مدى الحياة اعتمادا على شدة العنف وتكراره وطول فترة التعرض له، كما وأن المعاناة النفسية المرافقة للعنف الجنسي على الأعم الأغلب أن ترافق الطفل طوال حياته.


عواقب العنف الجنسي:

هي عديدة وتستمل على وتشتمل على تأثيرات جسدية ونفسية، قصيرة وطويلة الأمد، والأكثر أهمية أنه من المحتمل أن يكون للعنف الجنسي تأثيرات نفسية مدمرة طويلة الأمد تؤثر على كامل مسار حياة الضحية وتغيرها تغييراً جذرياً.

العواقب الصحية الجسدية، قد يعاني المتعرضون للعنف الجنسي من مدى كبير من الإصابات الجسدية، سواء التناسلية أو غير التناسلية، وقد تصل في الحالات الوخيمة إلى الوفاة.

الإصابات المباشرة تشمل التمزقات والكدمات والسحجات، على منطقة الأعضاء التناسلية وغشاء البكارة والمنطقة الشرجية، والإصابات في عموم الجسم غير المباشرة النمطية الشكل مثل آثار القيود أو آثار اليدين وعلامات الأصابع وآثار العض.

عواقب تهدد الصحة الإنجابية: يزداد تعرض ضحايا العنف الجنسي للخطر نتيجة وجود الحمل أو وجود الإجهاض غير الآمن، وكذلك العدوى بالأمراض المنقولة جنسياً، متضمنة الإيدز واختلال الوظائف الجنسية وحصول العقم وأمراض الحوض الالتهابية.

العواقب الصحية النفسية للعنف الجنسي: لا يوجد تفاعل نمطي ثابت لضحايا العنف الجنسي؛ فالتأثيرات النفسية تختلف اختلافاً ملحوظاً من ضحية لأخرى وبصفة عامة، فإنه يجب الاشتباه في الانتهاك الجنسي لدى الأفراد الذين تظهر عليهم المشاكل الصحية النفسية التالية لا سيما إذا كانت متكررة من مثل اضطراب ما بعد الكرب، الاكتئاب، الرهاب الاجتماعي، القلق، إساءة استخدام العقاقير، السلوك الانتحاري. على الأمد الطويل قد يشتكي الضحايا من الأعراض النفسية التالية: الصداع المزمن، التعب، اضطرابات النوم الكوابيس، استرجاع ذكرى الواقعة، والغثيان المتكرر، واضطرابات الأكل، وآلام الحيض، والمعاناة من الصعوبات في الحياة الجنسية.


عواقب العنف النفسي:

هو أكثر أنواع العنف ضد الأطفال شيوعا ويأخذ أشكال مختلفة كالتلفظ بعبارات نابية أو إطلاق نعوت سيئة على الطفل، أو التقليل من قيمته و قدراته، وكالشتم و الاستفزاز واستعمال عبارات الإهانة، وقد يكون العنف النفسي على شكل القيام بحركات وإشارات تعبر عن إهانة نفسية موجهة للطفل أو تحقيره والحطّ من شأنه، وقد يكون بالترهيب والقسوة كفرض حالة من الرعب على الطفل لإجباره على الهدوء أو الصمت أو الانضباط أو بفرض عزلة على الطفل وتركه بمفرده لفترات طويلة، أو منعه بصفة دائمة من التفاعل والتواصل مع العائلة أو الأقران، وهذه الأشكال من العنف النفسي ضد الطفل شائعة لدرجة تجعل عامة الناس تعتقد أنه سلوك مقبول على الرغم من عواقبه المدمرة على شخصية الطفل، وقد تتفاقم سلوكيات مرتكب العنف النفسي ليصل إلى أقصى درجات التعذيب والترهيب ويأخذ أشكالا سادية كما حصل مع الطفلة بوضعها بين القبور ليلا.

عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت
عواقب العنف ضد الأطفال المدمرة، غير محصورة بالموت

عواقب العنف النفسي على الطفل تتقاطع مع العواقب النفسية للعنف الجسدي وللعنف الجنسي عليه، وتشمل الاضطرابات العاطفية والمعرفية واضطراب العلاقات مع الأخرين والمعاناة من أمراض نفسية؛ وتشمل الاضطرابات العاطفية؛ الصورة السلبية للجسد والإحباط وتحقير الذات والشعور بالذنب والخجل والخزي والشعور بالفشل وفقدان الثقة بالذات والتشاؤم، أما الاضطرابات المعرفية؛ فتشمل التأخر في تطور اللغة واضطرابات النطق وتشتت الانتباه وصعوبة التركيز والشرود الذهني وخلل في حل المشكلات والتشويش في القدرات الإدراكية واضطراب في الذاكرة على صعيد التخزين والاسترجاع، والفشل الدراسي وصعوبات التعلم، واضطراب العلاقات مع الأخرين يكون على شكل معاناة الطفل من الانطوائية والعزلة والخجل الاجتماعي وفقدان القدرة على مواجهة الآخرين وتَكوّن العلاقات المتسمة بالعدوانية والاندفاع الشديد والهروب من المنزل ويكون أكثر عرضة للانخراط في علاقة جنسية غير سوية، وقد تصل عواقب العنف النفسي ضد الطفل لمعاناته من أمراض نفسية؛ كالرهاب الاجتماعي والاكتئاب والقلق والهلع واضطرابات النوم والكوابيس واضطرابات ما بعد الصدمة والتبول اللاإرادي أو التغوط اللاإرادي واضطرابات التغذية.

من العواقب النفسية الخطيرة لتعرض الطفل للعنف داخل الأسرة، هو قمعه وتقبله للسلوك العنفي من قبل الآخرين بسلبية وبالتالي تقبل تعرضه للعنف في المدرسة أو في الحي أو في عموم المجتمع دون طلب المساعدة أو الدفاع عن نفسه، وقد أظهرت الأدبيات العلمية أن الإناث من الأطفال المتعرضات لأي شكل من أشكال للعنف داخل الأسرة هن أكثر تعرضا للعنف لاحقا من قبل ازواجهن، وأثبتت الأدبيات العلمية أيضا أن احتمال ارتكاب العنف من قبل الطفل المُعَنف ضد زملائه وأصدقائه هو أضعاف الأطفال غير المُعَنفين، وعند زواجه لاحقا يزيد احتمال ارتكابه العنف ضد زوجته وأطفاله.

تشير الأدبيات العلمية أن تعرض الطفل للعنف والصدمة المرافقة له يؤثران على دماغه في مراحل نموه المبكرة ويعيقان عمليات النمو العصبي الطبيعية مما يؤدي إلى إخفاق في نمو وتطور الطفل وهذا ينعكس لاحقا بشكل سلبي على حياته الإجتماعية، وكلما كان هذا العنف حادا يظهر على الطفل تغيرات واضطرابات في السلوك قد تودي مستقبلا إلى مخاطر عصبية ونفسية كالاكتئاب والانتحار ويتفاقم الأمر سوءً اعتمادا على عوامل كشدة العنف وتكراره وطول فترة التعرض له. وتشكل العواقب النفسية والعاطفية الناتجة عن تعرض الأطفال أو مشاهدتهم للعنف شعوراً بأنهم منبوذون وشعورهم بتخلي الأخرين عنهم والارتباط الضعيف بالآخرين والصدمة والخوف والقلق وعدم الأمان وانهيار الاعتذار بالنفس، فقد أظهرت الأدبيات العلمية أن الأطفال الذين يتعرضون للتأديب الجسدي من قبل أمهاتهم لديهم نزعة للابتعاد عنهن مقارنة مع الأطفال الذين لم يتعرضوا للتأديب الجسدي. تزداد الآثار والعواقب تعقيدا حينما يكون إيذاء الطفل من قبل شخص يحبه الطفل كالأم أو الأب. هناك زيادة في احتمال حدوث المشاكل السلوكية لدى الأطفال الذين يعيشون في أسر يسودها العنف كتعرض المرأة للعنف من قبل زوجها، من مثل التبول الليلي اللاإرادي والكوابيس والسلوك العدواني والخجل المفرض، والإخفاق بالدراسة، وإيذاء الذات والانتحار والتغيب من المنزل.

تشير دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، تأسيسا على دراسة "خبرات الحياة المناوئة" أن الأطفال المعرضين للعنف أو يعيشون في بيئة يتكرر فيها العنف، يمكن أن يكون ذلك عاملاً هاماً يساهم في تعرضهم لأمراض لدى وصولهم لمرحلة البلوغ وبالتالي موتهم مبكرا، فقد أثبتت هذه الدراسة أن التعرض للعنف أثناء مرحلة الطفولة يؤدي إلى عواقب نفسية وسلوكيات ضارة كتناول الكحول والمخدرات والتدخين والعادات الغذائية الضارة كفقد الشهية للطعام أو الإفراط بتناوله وهذه عوامل خطورة تعرض الطفل بعد عدة سنوات للإصابة بأمراض كسرطان الرئة والكبد، وأمراض الرئة المزمنة والاكتئاب وتليف الكبد والسمنة والمشكلات المتعلقة بالصحة الإنجابية.

العواقب الإجتماعية للعنف ضد الأطفال تشمل اضطراب العلاقات بين أفرادها ومن أهمها التغيب عن منزل الأسرة بما يتضمن ذلك من مخاطر التعرض للعنف والاستغلال من قبل الغرباء وارتكاب سلوكيات إيذاء النفس والسلوكيات الجرمية، أما العواقب الاقتصادية فتشمل التكاليف المباشرة مثل تكاليف الرعاية الطبية للضحايا والخدمات القانونية والاجتماعية التي تقدم لهم كوضع الأطفال في مراكز الرعاية الإجتماعية، وتتضمن التكاليف غير المباشرة كلفة رعاية الإعاقات الدائمة والرعاية النفسية، والانقطاع عن التعليم، والخسائر الإنتاجية في حياة الطفل أو الشاب في المستقبل.


مسؤولية الدولة:

عواقب العنف ضد الأطفال هذه تشير إلى أن من واجب الدولة مراجعة الأطر القانونية والسياسات والبرامج التي تهدف للوقاية من العنف ضد الأطفال قبل وقوعه لان توفير الحماية وتوفير الخدمات لضحايا العنف عقب حصوله، على أهميتها، لن تستطيع التخلص من عواقب العنف المدمرة للطفل وللأسرة وللمجتمع. إن المواثيق الدولية تشير إلى أن مسئولية الدولة في احترام حقوق الطفل تتجاوز البرامج المباشرة في تقديم الخدمات، بل تتطلب اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن امتناع الآباء والأوصياء وغيرهم عن انتهاك حقوق الطفل.

إن الوقاية من حصول عواقب العنف الأسري الخطيرة هذه يعتمد مباشرة على:

(1) الاكتشاف المبكر لحصول العنف وبالتالي منع تفاقم العواقب، وأيضاً على

(2) ضبط جودة خدمات الاستجابة والتأهيل لضحايا العنف الأسري في المجالات الصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية.

حصول عواقب العنف ضد الاطفال الخطيرة هو دليل على أن الخدمات المقدمة لحماية الأسرة من التفكك والعنف لا زالت قاصرة عن مواجهة الواقع، فأغلب حالات العنف ضد الاطفال وتفكك الأسرة المنتشرة بالمجتمع لا تكتشف مبكرا وتترك لاحتمالية وصول عواقبها للإعاقات الجسدية والموت والأمراض النفسية واضطرابات الشخصية، كما وأن حصول هذه العواقب الخطرة هو مؤشر على أن وسائل الاستجابة للعنف ضد الاطفال لا زالت بحاجة لتطوير ومتابعة وتقييم، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج الوقاية الأولية لتوعية عامة المجتمع بمواجهة التفكك والعنف ضد الاطفال، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج التعريف بالخدمات المقدمة لضحايا العنف والتفكك الأسري.

إن الدور القيادي للمؤسسات الحكومية المعنية بحماية الأسرة في الأردن ليس من المتوقع تحقيقه بتوفير بيئة تشريعية وقانونية مثالية، على أهمية ذلك، وإنما بالتطبيق العملي المهني للقانون، فإخفاق مؤسسات الدولة باستخدام القانون لحماية ضحايا العنف الأسري من البيئة الخطرة التي تهدد حياتهم، يشكل خطرا إضافيا قد يساهم في إلحاق الضرر بهم أو حتى إنهاء حياتهم.

يتوقع أيضا من المؤسسات الحكومية المعينة بحماية الطفل في الأردن أن توفر معايير قياسية وبرامج اعتمادية وبرامج ضبط الجودة تتصف بمنهج تشارك القطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية وبالمهنية المسندة علميا، لتكون مرجعية لحماية جميع أفراد الأسرة المعرضين للخطر، وإن إخفاق المؤسسات الحكومية بالقيام بهذا الدور القيادي يحتوي على خطر كامن قد يؤدي إلى تعريض ضحايا العنف الأسري من الاطفال لمزيد من الأذى أو قد يفاقم من عواقب هذا العنف. كما أن عدم وضوح مرجعية وطنية تتحمل المسؤولية الاستراتيجية بعيدة المدى لبرامج الوقاية والاستجابة للعنف ضد الاطفال يؤدي إلى ضبابية في أدوار القطاعات وتداخلها وبالتالي الإخفاق في توفير بيئة آمنة للأطفال مما سيؤدي لازدياد احتمالية تعرضهم للعنف.

أما تحديات جودة الخدمات المقدمة لضحايا العنف فتتمثل بغياب أدلة الإجراءات الفاعلة للقطاعات الصحية والاجتماعية والشرطية والأدلة المشتركة للتعامل مع ضحايا العنف الأسري، مما يشكل عائقاَ كبيراَ أمام جودة الخدمات بسبب عدم القدرة على قياسها ورصدها وبالتالي تطويرها، وإن وجدت أدلة الإجراءات هذه فإنه في كثير من الحالات لا توضع موضع التنفيذ.

كما وأن نقص التدريب المهني لكل قطاع منفردا وكذلك غياب التدريب الكافي والمتسق المتعدد القطاعات يشكل عائقاَ كبيراَ أمام جودة الخدمات التي تقدم لضحايا العنف الأسري. وكذلك غياب أو نقص نظم جمع المعلومات والبيانات بصورة منهجية، وغياب نظم التواصل بهذا الخصوص ما بين القطاعات المتعددة يشكل عقبة أمام تكامل نظام حماية الاسرة.

إن عدم مواجهة هذه التحديدات بالتخطيط الاستراتيجي وبمرجعية وطنية توفر الموارد البشرية والمالية، سيساهم في تدني جودة الخدمات المقدمة لضحايا العنف ضد الاطفال، مما سيساهم أيضا في تعريضهم لمزيد من الضرر وعواقب العنف الخطيرة. الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في الوقاية ومواجهة العنف والإصابات.

٥٠١ مشاهدة
bottom of page