ثقة المواطن الأردني بالحكومة أمر أساسي لنجاح سياستها العامة التي تعتمد بالأساس على الاستجابات السلوكية للموطنين وهذه الثقة أيضا هي متطلب لنجاح لأنشطة الاقتصادية الرئيسية ولتطبيق القانون والالتزام بالأنظمة والتعليمات.
من السذاجة وضع اللوم على المواطن لغياب ثقته بالحكومة، فالحكومة، أي حكومة، وجدت لخدمة المواطن والحفاظ على حقوقه وأمنه الوطني وأمنه الاجتماعي وبما يضمن الحفاظ على كرامته، والسبب المحوري لغياب هذه الثقة هو إخفاقات الحكومة ذاتها ان كان بفشل المشاريع التنموية بعيدة المدى أو مواجهة الفساد وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب الشفافية وضعف قدرة الحكومة على تطبيق القانون وارتباط ذلك بضعف هيبة الدولة.
إن جذور الفاسد المستشري والتردي الاجتماعي الحالي والمديونية وهدر أموالها الغامض ليس له علاقة بالإقليم الملتهب او بالتطرف او بالإرهاب، وحكومة بعد حكومة تدعي الإصلاح باطلا مختبئة بفشلها وراء تبريرات ترعب المواطن بهذا الإقليم الملتهب او بالتطرف او بالإرهاب.
هل يثق المواطن بجودة الخدمات المقدمة له من قبل الحكومة؟
ثقة المواطن بالحكومة تعتمد مباشرة على خبرته بالتعامل مع مقدمي الخدمات بالقطاعات الحكومية المختلفة، فهناك تخفيض الموارد المالية للمؤسسات العامة وتفشي الواسطة والمحسوبية والفساد وغياب العدالة في توزيع الخدمات الصحية والتعليمة والاجتماعية، فأدى جميع ذلك لضعف او غياب الثقة بالحكومة.
لكي يثق المواطن بالحكومة تحتاج الحكومة إلى إيجاد حلول مبتكرة للاستجابة للاحتياجات المتغيرة وبشكل عاجل، لكن للأسف الحكومة الأردنية فشلت بتوفير ذلك على الرغم من انشاء وزارت ودوائر ومشاريع لتطوير القطاع العام والتي لم تسجل أي نجاح يذكر في هذا المجال.
هل يثق المواطن بتصريحات الوزراء وبالمعلومات المتاحة للعموم؟
المواطن لا يثق بالحكومة لغياب المعلومات الحقيقة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وعن البطالة والفقر، وغالبا ما تكون هذه التصريحات متضاربة ومتناقضة ومتأخرة وينقصها الوضوح والشفافية.
هل يثق المواطن بعدالة الحكومة وقدرتها على تطبيق القانون والإشراف غير الجائر على أمور الدولة؟
على مستوى الفرد هناك مؤشرات لاستمرار الإفلات من العقاب وغياب العدالة وشيوع الواسطة في القضايا الجنائية والحقوقية والشرعية، وكذا في القضايا المتعلقة بالشركات والاستثمار، وهناك أيضا عدم ثقة بالحكومة بقدرتها على تطبيق العدالة في مجال الإدارة العامة والتجاوزات المتكررة بتجاوز القانون والعدالة في تقلد المناصب العليا، وتفرد زمر توريث المناصب والاقطاع النخبوي في تعينات المدراء والامناء العامين وفي آليات اختيار الوزراء.
هل يثق المواطن بنزاهة الحكومة؟
المواطن لا يثق بقدرة الحكومة على مواجهة الفساد، إن كان "الفساد الأكبر" المتعلق بموظفي الطبقة العليا في الوزرات والمؤسسات الحكومية، وأيضا "الفساد الأصغر" المتعلق بالموظفين مقدمي الخدمات في القطاع العام بالرشوة والاستثمار الوظيفي، وينطبق ذلك أيضا على "الفساد في شركات القطاع الخاص". يزداد الغموض حول جدية الحكومة بالالتزام بالشفافية وبمكافحة الفساد، بضعف العلاقة القانونية الواضحة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، فغياب الاستراتيجيات والتشريعات المتعلقة بتعامل القطاع العام مع شركات القطاع الخاص يشكل أرضية خطبة لشيوع الفساد.
هل يثق المواطن بالمؤسسات الرقابية على أداء وانجازات الحكومة؟
هناك قناعة لدى الاعم الاغلب من المواطنين أن الحكومة تتحكم بشكل مباشر او غير مباشر بالمؤسسات الرقابية عليها من مثل مجلس النواب وديوان لمحاسبة وحتى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ان كان باقتراح قانون انتخاب غير عادل يؤدي لنجاح نواب داعمين للحكومة وان جانبت الصواب، أو من خلال فجوات في التشريعات أو بالتعينات واختيار مدراء وقادة هذه المؤسسات.
هل الحكومة أهلا للثقة بها؟
هناك غموض وخلط كبيران حول الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية في الدولة، والحكومة هي المسؤولة عن شيوع هذا الوضع السلبي، ويقع على عاتقها مسؤولية كبيرة لخفض هذا لغموض والخلط. ان الوضع الاقتصادي المتردي وشيوع الفساد خلال السنوات الماضية أدى الى تسليط الضوء على غياب ثقة المواطن بالحكومة في مجال قدرتها على توفير الحماية له من عواقب هذا الوضع والفساد المرافق له. الواقع يشير الى أن الحكومات الأردنية المتعاقبة غير قادرة وغير مستعدة للاستجابة لأي نوع من الأزمات، وعاجزة عن القيام بذلك بالحد الأدنى من الفعالية. استجابات الحكومات الاردنية للأزمات خلال السنوات الماضية اتصفت بعدم التنسيق وغياب رؤيا مستقبلية جلية، وعاجزة عن التعامل مع قضايا الوطن والمواطن.
"رئيس الوزراء والوزراء موضع الثقة" هم من يكون لديهم رؤيا بعيدة المدى لتطوير القطاع العام، والتي يجب ان تتضمن التخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرامج ومشاريع توفر الأمن الاجتماعي للمواطن.
تفقد الحكومة ثقة المواطن بها بسبب عدم وضوح الميزانية العامة للدولة ووجود ميزانيات موازية او ملحقة بها. الميزانية هي عقد حقيقي بين المواطنين والحكومة، ويجب ان تُوصل الميزانية بشكل مبسط رسالة واضحة للمواطن عن موارد الدولة المالية ومن ضمنها الضرائب التي يدفعها المواطن دون خداع او تدليس وبشكل شفاف.
عندما تتعامل الحكومة بإيجابية ومصداقية في المحاور الواردة أعلاه، بأستراتجيات وبرامج بعيدا عن الفساد، فإنها تضع الحجر الأساس لثقة المواطن بها.
الدكتور هاني جهشان، مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في حقوق الإنسان
תגובות