top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

إصابات الأطفال بسبب السقوط من نوافذ المركبات ليس قضاءً وقدراً، بل إهمال يصل لتصنيفه عنفاً


 السماح لاخراج الطفل جزء من جسمه خارج نوافذ المركبة اهمال خطير
السماح لاخراج الطفل جزء من جسمه خارج نوافذ المركبة اهمال خطير

"إهمال الأطفال" هو مشكلة شائعة وإن كان كثير من عامة الناس لا يشعر أو لا يعتقد بوجودها، فالإهمال سبب رئيسي لحدوث الإصابات والأمراض والإعاقات، وسبب هام لوفيات الأطفال على الرغم من تشوش هذه العلاقة السببية لدى كثير من المهنيين الذين يتعاملون مع الأطفال بما فيهم الشرطة والباحثين االجتماعيين والأطباء.

علينا أن نجابه مشكلة إهمال الأطفال بنظرة شمولية، على المستوى الوطني، تهدف إلى حمايتهم ورفاهتهم وضمان نموهم وتطورهم الجسدي والنفسي، وليس بهدف توجيه اللوم لمن يرعاهم.

تشير الإحصاءات إلى أن عدد وفيات الأطفال الناتجة عن تعرضهم لإصابات عارضة ناتجة عن بيئة غير آمنة (إهمال) يفوق عدد الوفيات الناتجة عن أعلى ستة أسباب مرضية مجتمعة، وإن 35% من الأطفال عامة يتعرضون لإصابات عارضة تحتاج لرعاية طبية، وأن 95% من هذه الإصابات وأكثر من 70% من الوفيات الناتجة عنها يحدث في بيئات يفترض ان تكون آمنة.


القضاء والقدر: للوهلة الأولى تبدو إصابات الأطفال العارضة نادرة الحدوث ولدينا نزعة أن نتجنب الحديث عنها على اعتبارها "قضاء وقدر". عكس الواقع الأليم وهو أن إصابات الأطفال التي تتراوح بين السقوط من علو أو بسبب الأثاث، التكهرب، الحروق، التسمم بالأدوية وسوائل التنظيف، الغرق في أحواض الاستحمام، إصابات الأجسام الحادة كالسكاكين والشفرات، أو استنشاق أجسام غريبة من مثل بلالين الأطفال، هي حالات شائعة تؤدي إلى الإصابات والأمراض أو إحداث عاهة دائمة وحتى الوفاة، وللأسف هذه الإصابات تمتد لتحدث في مركبات الوالدين اوالمركبات التي توصل الاطفال للمدارس بسبب سقوطهم من نوافذ المركبة او الجلوس في صندوق البضائع او الصندوق الخلفي للمركبة.

 السماح لاخراج الطفل جزء من جسمه خارج نوافذ المركبة اهمال خطير
السماح لاخراج الطفل جزء من جسمه خارج نوافذ المركبة اهمال خطير

أما قانون العقوبات فقد أعتبر أن مثل هكذا إصابات هي جريمة يعاقب عليها بنص المادة (289) "كل من ترك قاصرا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديما لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره أو كان ذا إعاقة مهما بلغ عمره."

قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022 بالمادة 19 نصت على ما يلي: "على الجهات المختصة توفير البيئة المرورية الآمنة اللازمة لضمان السلامة المرورية للطفل على الطرق وفي المركبات" لكن للأسف ورد هذا النص غامضا ومبهما ويحتاج لمزيد من التشريعات والاجراءات العملية التي تحمي الاطفال في المركبات والطرق ان كان بأنظم خاصة او بتعديل واضافة مواد لقانون السير.


قانون السير الحالي يعاقب بغرامة 15دينار، كما ورد في المادة 38 في البندين 36 و37 على: "تحميل الاطفال دون سن العاشرة في المقاعد الامامية في سيارات الركوب ومركبات النقل المشترك وترك الاطفال دون سن عشر سنوات داخل المركبة وهي تعمل دون مرافق" وهذه المواد غير كافية لحماية الاطفال ويتوقع من مواد قانون السير الجديد ان تشمل تجريم كافة المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل داخل المركبات مثل اخراج الجسم من نوافذ المركبة او ركوب الطفل في صندوق البضائع للمركبة الو جلوس الطفل في الصندوق الخلفي للمركة.


مسؤولية الحكومة بالتشريعات الدولية والدستور الاردني: على الدولة أن تكون جادة في تطبيق هذه المواد القانونية لأهمية ذلك بمرجعية اتفاقية حقوق الطفل والتي أعتبرت "الإهمال" شكلا من الأشكال الخطيرة لانتهاك حقوق الطفل بالمادة ١٩ من الاتفاقية والتي تنص على ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال“. ورد بالمادة السادسة من الدستور الاردني "يحمي القانون الامومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء ويمنع الإساءة والاستغلال.


الوقاية من إصابات الأطفال العارضة: إن الوقاية من إهمال الأطفال الناتج عن الإخفاق بتوفير السلامة والآمان للطفل هي ضرورة هامة وملحة للحفاظ على صحة الأفراد وصحة عموم المجتمع، إلا أن هذا النوع من الوقاية الصحية إما أن تكون مستثناة من الخطط الوطنية أو يتم التعامل معها بطريقة بدائية. كما وأن طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن لحصول هذه الإصابات ما زال مبهما وغامضا لكثير من المهنيين وصانعي القرار.


إن العواقب المأساوية لإهمال الأطفال تشير إلى أهمية تعظيم الجهود للتركيز على الوقاية لمنع حدوث هذه الإصابات أبتدأً، وقد تبدو المسؤولية المباشرة على والدي الطفل بتوفير بيئة آمنة خالية من عوامل الخطر وهذا يأتي ببرامج توعية تتحمل مسؤوليتها جهات مهنية متعددة، إلا أن هناك مسؤوليات موازية بالأهمية تقع مباشرة على عائق الدولة لضمان مواصفات ومقاييس آمنة لكل ما يتعرض له الأطفال داخل بيئتهم المنزلية وخارجها، بما في ذلك الرقابة الفاعلة على الطرق والمركبات، كما وأن هناك مسؤولية على الدولة بجمع المعلومات حول أنماط إصابات ووفيات الأطفال في مجتمعنا لوضع استراتيجيات لخفضها.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في حقوق الطفل



٦٤ مشاهدة
bottom of page