top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

موت الأطفال واليافعين بحوادث الطرق قَدرٌ، أم إهمال، أم عنف؟


موت الأطفال واليافعين بحوادث الطرق قَدرٌ، أم إهمال، أم عنف؟
موت الأطفال واليافعين بحوادث الطرق قَدرٌ، أم إهمال، أم عنف؟

يقتل بحوادث الطرق 1.2 مليون شخص بالعالم كل سنة ويعاني عدة ملايين من عاهات وإصابات بسببها وخاصة في دول العالم الثالث. وفي كل يوم يقتل ما يفوق 1000 يافع (أقل من 25 عاما) بسبب حوادث الطرق بالعالم. وتشكل إصابات حوادث الطرق أكثر سبب وفاة شيوعا على المستوى العالمي للفئة العمرية من 15 إلى 19 سنة وثاني أكثر سبب وفاة شيوعا للفئتين العمريتين من 10-14 سنة ومن 20-24 سنة.

الوقاية من إصابات حوادث الطرق: يمكن إلى حد كبير الوقاية من الإصابات الناجمة عن حوادث الطرق فهي مشكلة من صنع الإنسان وقابلة للتحليل العقلاني وتبني برامج لمكافحتها والوقاية منها وحماية أفراد المجتمع من عواقبها، كما وإنه ليس من المتوقع أن تؤدي الأخطاء العادية في قيادة المركبات إلى الوفاة أو الإصابات الخطيرة، وعليه فإن هذا ينفي عن إصابات الطرق صفة "القضاء والقدر" فهي تتراوح ما بين كونها عنفا موجها ضد النفس وضد الآخرين وكونها إهمالا من الأسرة والمدرسة والمجتمع أو حتى الدولة.


عوامل الخطورة: يعود ارتفاع نسبة المخاطرة لتعرض الأطفال واليافعين للإصابة والموت من حوادث الطرق إلى تعاضد العوامل التالية: (1) تواجد الأطفال في بيئة الطريق أو المركبة على الرغم من عدم نضوجهم الجسدي والتطوري، و(2) أسلوب حياة المغامرة الذي يتصف به اليافعين وخاصة الذكور، و(3) عدم إعطاء الأطفال واليافعين الأولوية الوقائية عند التخطيط العام للمدن وخاصة تخطيط الطرقات والأماكن العامة المخصصة لهم.

إن ردود فعل الأطفال لأي نشاط يحدث على الطرقات العامة أو عند التعامل مع المركبة يكون محفوفا بالمخاطر مقارنة مع ردود فعل الكبار. مهارات التعامل مع الطريق ومع المركبة لدى الأطفال لا تزال مبتسرة؛ بمرحلة التطور والنمو، ففي غياب الرقابة عليهم من قبل الكبار تزداد احتمالية تعرضهم لإصابات حوادث الطرق، بالإضافة إلى أن الأطفال لديهم نزعة طبيعية للعلب وطاقة حركة دائمة، وتزداد هذه المخاطر بسبب غياب الأماكن العامة المخصصة لهم مما يدفعهم للعب في الطرقات والتعرض لخطر صدمهم من قبل المركبات.

أما اليافعين (لغاية 25 سنة) وعلى الرغم من تطور معرفتهم ومهارتهم بالتعامل مع الطريق والمركبة إلا أن سلوكهم قد يتصف بالمغامرة والبحث عن المخاطر. إن سلوك المغامرة بحد ذاته لدى اليافعين يعطيهم الإحساس الوهمي بالسيطرة على حياتهم، ويكون ذلك بالقيام بأنشطة غير متوقعة تتحدى الوالدين أو السلطات وتخالف القانون. هذا السلوك يبدأ بمرحلة عمر الطفل ما بين 9 و14 سنة ويصل في أقصى شدته بمرحلة المراهقة المتأخرة ولغاية عشرين عاما ويكون إحتمال حدوثه لدى اليافعين الذكور أكثر من الإناث. عندما يدخل الأطفال في مرحلة المراهقة يتعاظم تأثير أصدقائهم عليهم ويتضاءل تأثير الوالدين، وتكون مرجعية سلوكهم الطبيعي، من وجهة نظرهم، هو سلوك جماعة الأصدقاء بما فيه من مخاطر وليس السلوك الآمن الأسري، فتزداد احتمالية تعرضهم لإصابات حوادث الطرق كسائقين مبتدئين أو راكبي السيارة أو كمشاة، وتدعم سلوكيات اليافعين هذه التي تتصف بالمغامرة وبالمخاطرة سلوكيات إجتماعية عامة من مثل الترويج للمغامرة والعنف بواسطة البرامج الإعلامية والإعلانات والعاب الحاسوب من قبل الشركات والمؤسسات التجارية الكبرى بهدف الربح المالي، وكذلك تَقبُل هذه السلوكيات وانتشارها كثقافة سائدة في المؤسسات التربوية دون تدخل من المعلمين وإدارات المدارس وحتى تَقبُلها من قبل العامة من الناس وتغاضي المسؤولين عنها.

هل من الممكن الوقاية وبالتالي حماية الأطفال واليافعين من إصابات حوادث الطرق؟ الجواب نعم؛

فبالإضافة إلى الاستراتيجيات العامة التي من المتوقع أن تتبناها الدولة في مواجهة مشكلة الصحة العمومية هذه، وهي تحديث وتطبيق القوانين الرادعة، وإجراءات ضمان أن تكون المركبات ذات مواصفات آمنة، وتحسين البنية التحتية للطرقات، فإنه من المتوقع قيام الدولة بتداخلات محددة تشكل عوامل وقائية في مواجهة عوامل الخطورة التي تؤدي لإصابات حوادث الطرق للأطفال واليافعين. يجب أن تتصف البنية التحتية للطرق بكونها صديقة للأطفال تفصل بين المشاة والمركبات، وتوفر وسائل قطع طرق آمنة مقابل مدارس الأطفال وأماكن تنزههم كبناء الأنفاق والجسور، ويجب أن تكون ملاعب الأطفال في المدراس والأماكن العامة آمنة وغير نافذه للطرق العامة، كما ويجب أن يكون هناك حد أدنى من مواصفات صديقة للأطفال عند ترخيص المركبات كالإلزام باستعمال مقعد تقييد الأطفال وحماية لمغالق أبواب ونوافذ المركبة. يجب توفير برامج توعية تحث الوالدين على لعب دور إيجابي في سلوك الأطفال واليافعين عند استعمال المركبة أو الطريق، فهم الذين يقررون متى وأين يجب أن تستعمل المركبة، وهم القادرين على التأثير الإيجابي بالأطفال وباليافعين لإستعمال حزام الأمان أو مقعد التقييد المخصص للأطفال في المقعد الخلفي للمركبة، ومن الممكن أن يقوموا بهذه المهمة بكونهم المثل الأعلى بتصرفاتهم أمام أطفالهم، ومثل هذه البرامج عند تطبيقها الفاعل على أرض الواقع هي أجدى السبل للتعامل مع سلوك المغامرة لدى اليافعين، وغياب المبادرات المجتمعية والحكومية لتوفير هذه البرامج يشكل مجازفة تعرض حياة الأطفال واليافعين لخطر إصابات الطرق وبالتالي الموت والإعاقة. مسئولية أخرى تقع على عائق الدولة وهي تطبيق نظام رخصة القيادة التدريجي لليافعين بطريقة فعالة تسمح لهم قيادة المركبة نهارا فقط ودون ركاب مرافقين لهم، وتحت رقابة مستمرة من قبل الكبار، وتشديد الرقابة عليهم بتطبيق فوانين السير الرادعة للتأكد من استعمال حزام الآمان وعدم السرعة او استعمال الهاتف الخلوي وعدم تناول الكحول. إن مستقبل أي دولة هو في النماء الصحي لمواطنيها اليافعين، فعلينا أن نجعل طرقاتنا مكان آمن لأطفالنا ولشبابنا ونوفر لهم البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي تحصن سلوكياتهم من أي مخاطر أو مغامرات قد تهدد حياتهم بسبب حوادث الطرق، وبالمقابل على الدولة أن توفر البنية التحتية الصديقة للأطفال لكافة الطرقات والأماكن العامة التي يتواجد بها الأطفال واليافعين.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف والوقاية من الإصابات

١٧٣ مشاهدة
bottom of page