top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

العنف ضد المرأة، لماذا يصمت هؤلاء؟


العنف ضد المرأة، لماذا يصمت هؤلاء
العنف ضد المرأة، لماذا يصمت هؤلاء

"أحلام" امرأة في الرابعة والعشرين من عمرها ينعتها زوجها بالغبية والحمقاء باستمرار عند عودته لمنزله متأخرا في أغلب الأيام. "آمال" وعمرها 31 عاما ولديها ثلاثة أطفال يضربها زوجها بخرطوم الغاز كلما غضب لأتفه الأسباب تاركا عشرات الكدمات على جسمها. "ليلى" وعمرها 41 عاما عادة ما تترك حبيسة بمنزلها، عانت من كسور في أطرافها السفلية بسبب سقوطها من علو طابقين بعد أن حاولت الخروج من المنزل الذي أغلق عليها وحيدة بالقفل، دون طعام أو شراب، لمدة 36 ساعة.

لقد صمتت تلك النساء سنوات عديدة ولم تفصح أيا منهن عما تعرضن له من عنف نفسي وعنف جسدي وحرمان، إلى أن اصيبت "أحلام" باكتئاب دفعها للانتحار أدخلت على أثره المستشفى بحالة خطرة هددت حياتها بالموت، واجري "لآمال" عملية جراحية طارئة لاستئصال كليتها عقب أن تفاقم العنف الجسدي نحوها من الجلد بخرطوم الغاز إلى الركل والدوس على بطنها مما أدى إلى تمزق إحدى كليتيها، أما "ليلى" فتخلف عن الكسور التي عانت منها تشوها وعاهة في ساقيها الزمتها الكرسي المتحرك طوال عمرها.


لماذا صمتت تلك النساء إلى أن أنتهى بهن الحال إلى معاناتهن من أمراض وعاهات لا يفيد معها الصمت ولا حتى الكلام، ولن يبرأها العلاج ولن يشفيها عقاب الزوج الجاني؟

إن العنف ضد المرأة مشكلة خطيرة وواسعة الانتشار تؤثر في حياة أعداد لا تحصى من النساء، ويتعامل معها معظمهن بصمت وقهر لمشاعرهن، فهن لا يطلبن المساعدة لأن العنف ضدهن وصمة إجتماعية تتصف بالخزي والعار لهن ولعائلاتهن، وفي بعض الاحيان تخاف المرأة أنها إذا طلبت المساعدة ستهدد أمنها وتقضي عل سبل دعمها المادي، فقد يكون زوجها المصدر الوحيد لرعايتها وأطفالها ماديا، ولأن العنف مخزي ومذل للمرأة فإنها تكون مترددة لمناقشته مع باحثة إجتماعية أو طبيب أو ضابط لا يأخذها على محمل الجد، أو ينتقدها لما مرت به، أو يشعرها أنها تستحق الإساءة، أو يلومها على بقائها مع زوجها. بعض النساء وللأسف لا يدركن أنهن يتعرضن للعنف بسبب تقبلهن لسلوكيات أزوجهن العنيفة بسبب نشأتهم في بيئة تتقبل ثقافة العنف وتضيق الخيارات المتوفرة لهن لمواجهته وقد يكون تقبلهن لهذا العنف بسبب تعرضهن لعنف أثناء طفولتهن أو مشاهدتهن لعنف أسري سابقا. بعض تلك النساء يعتقدن أن هناك أمل في تغيير سلوك أزوجهن العنفي ولهذا لا يطلبن المساعدة وقد يكون دافع المرأة أن تحمي زوجها؛ والد أطفالها متجاهلة خطورة الإصابات التي تعاني منها، وقد لا تطلب بعض النساء المتعرضات للعنف المساعدة بسب كونهن أسيرات في منازلهن بكل معنى الكلمة.


لماذا يصمت المهنيون عن تعاملهم مع ضحايا العنف الأسري من النساء؟

هناك مسؤولية مباشرة للوقاية ولمنع العنف ضد المرأة تقع على عاتق مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية والقانونية، ولكن هل يتعامل هؤلاء بمهنية تقي من العنف وتمنع عواقبه الوخيمة وهل يتحملون مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية لدى التعامل مع ضحايا العنف من النساء؟ للأسف الشديد قليل من هؤلاء المهنيون يتعاملون مع النساء المتعرضات للعنف على أساس أنه أحد واجباتهم المهنية الأساسية أو أنه يقع ضمن تخصصاتهم المختلفة، فلديهم غياب حقيقي بمعرفة ماهية المشكلة ومدى انتشارها وأيضا هناك غياب المعرفة بعواقب العنف النفسية والاجتماعية، وجهل بطرق التعرف والتدخل والعلاج. بعض هؤلاء المهنيون يعتقدون خطأ أنهم ليسوا في موقع يخولهم التدخل في خلاف عائلي وقد يفترضون أن المرأة هي من بدأ المشكلة وأنها تستحق تعرضها للعنف وفي بعض الحالات يقومون بلوم المرأة وتوبيخها تأسيسا على افتراضهم هذا. كما وأن بعض المهنيون وخاصة في القطاع الصحي يعتقدون أن هذه مشكلة إجتماعية بحتة تستنزف وقت الطبيب ولا يوجد أي جدوى من تدخلهم، والبعض الأخر يشعر أنه عاجز تماما عن تقديم أية مساعدة للمرأة الضحية بسبب ما يرافق العنف من مشاعر سلبية.


مما يزيد تفاقم عواقب العنف ضد المرأة، أن الصمت يمتد من صمت المرأة المعنفة وصمت المهنيين الصحيين والقانونين والاجتماعين إلى صمت صانعي القرار والمؤسسات الحكومية فهناك تراخي باتخاذ تدابير إيجابية لحماية ضحايا العنف الأسري من النساء وعدم التحقيق في الادعاءات بوقوع هذا العنف والإخفاق في معاقبة المذنبين وضمان رد الضرر الواقع على النساء. إن المسؤولية المباشرة للوقاية ولمنع العنف ضد المرأة وبالتالي القضاء عليه لا تقع على المرأة نفسها أو على مؤسسات المجتمع المدني أو على الجمعيات التطوعية أو على القطاع الخاص وإنما هي مسؤولية الحكومة ابتداء، فالدولة هي الضامنة للحفاظ على حقوق مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية الأساسية من مثل الحق بالحياة والأمن والامان والحق بالتمتع بالصحة الجسدية والنفسية، والحق بالتعلم والحق بالسكن والحق بالمشاركة في الحياة العامة، إلا أن العنف ضد المرأة يقوض كل هذه الحقوق ويؤدي إلى تكاليف إنسانية واقتصادية باهظة تفقر الأفراد والأسر والمجتمعات كما وإنه يعيق التنمية الشاملة للوطن ويؤدي إلى إنهاء حياة النساء في كثير من الأحوال ومن هنا يجب أن توضع مسؤولية الدولة نحو التصدي للعنف ضد المرأة تحت الضوء لأنه لا مجال للفشل عندما يتهدد الأنسان بأبسط حقوقه وتدمر أسر تحتضن أطفالا وترعاهم وتتفشى الجريمة بالمجتمع.


العنف ضد المرأة ليس أمر حتميا وليس قضاء وقدرا، فهو نتاج عوامل خطورة يمكن السيطرة عليها وهي قابلة للتغير إذا توافرت الإرادة السياسية وخصصت الموارد اللازمة للقضاء عليه. ويجب أن يكون واضحا أن مواجهة العنف ضد المرأة ليست مهمة اختيارية أو هامشية، وإنما يجب أن يستجاب له وللوقاية منه بالتنسيق بين جهات عدة ومتعددة القطاعات المهنية تكون الحكومة في طليعتها وضامنة للتنسيق بينها وتعمل على رصد أدائها والمساءلة عند الإخفاق، وعلى الدولة أن تقوم بذلك ببناء وتطوير وتوطيد استراتيجيات وسياسات قوية متعددة القطاعات ومنسقة وطنيا ومحليا وتعزيز قاعدة المعرفة عن جميع أشكال العنف ضد المرأة وتخصيص الموارد البشرية والمالية والتقنية الكافية، وسد الفجوات بين المعايير الدولية والقوانين والسياسات والممارسات الوطنية وإن تكون مرجعية الدولة إحترام حقوق الأنسان وحمايتها وتعزيزها وإحقاقها، وإن لفي الجهود الرامية إلى إنهاء العنف ضد المرأة مصلحًة كبرى للوطن.

هاني جهشان 2-11-2009

٨٥ مشاهدة
bottom of page