top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

العنف ضد الأطفال في أماكن العمل


العنف ضد الأطفال في أماكن العمل
العنف ضد الأطفال في أماكن العمل

ما بين جميع المواقع التي يتعرض فيها الأطفال للعنف، تعد أماكن العمل من اكثر المواقع صعوبة من حيت التعامل معها. ووفقا للاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية، لا يجب أن يتواجد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في أماكن العمل. وبالرغم من ذلك، فإن هناك أكثر من 200 مليون طفل في العالم في مراحل عمرية دون العمر القانوني يعملون في ظروف سيئة ويتعرض العديد منهم لسوء المعاملة والعنف الجسدي واللفظي والاعتداءات الجنسية.


اتفاقية حقوق الطفل: نصت المادة 32 من إتفاقية حقوق الطفل على: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي. تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة..."


جذور وأشكال العنف ضد الاطفال في أماكن العمل:

مواجهة العنف ضد الأطفال في أماكن العمل هي وللأسف غائبة لدى التعامل مع ظاهرة عماله الأطفال، فمن أسوء العواقب التي تلحق بالأطفال في اماكن العمل هي العواقب الناتجة عن تعرضهم للعنف أثناء عملهم. إن أوضح السبل لمواجهة العنف ضد الأطفال في أماكن العمل هو إبعادهم عن العمل بدايةً، إلا أن هذه المهمة ليست بسيطة لأنها تتطلب التصدي لجذور ظاهرة عمل الأطفال الاقتصادية والإجتماعية والثقافية وهي مهمة تتطلب تعاضد العديد من القطاعات ببرامج طموحة تتطلب التزام الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وتتطلب موارد مالية ضخمة، وفي حال غياب هذه البرامج سينتهي الأمر ببساطة لعودتهم للعمل وتعرضهم للعنف في أماكن عملهم ولاستغلالهم بطرق عديدة.

تشمل أشكال العنف ضد الأطفال في أماكن العمل العنف الجسدي كالضرب والركل والصفع، والجلد بالسياط والحرق والعنف النفسي ويشمل الصياح والتوبيخ والإهانة، والتهديد، والألفاظ البذيئة، والترهيب، والعزل والتهميش، والنبذ، والعنف الجنسي ويشمل التحرش الجنسي وهتك العرض والاغتصاب. من أكثر عواقب العنف في أمكان عمل الأطفال شيوعا هو تدني الاعتزاز بالنفس بسبب الإساءة اللفظية والإذلال والترهيب، ويعاني الأطفال في أماكن العمل أيضا من افتقادهم للاحترام في الطريقة التي يعاملون بها، وعادة ما يكون العنف الذي يتعرض له الأطفال العاملون منهجياً وجزء من ثقافة سائدة في مواقع العمل تتسم بالوحشية الجسدية والصراخ والألفاظ البذيئة والسخرية الجنسية. إن الأزمات الاقتصادية وما يرافقها من فقر تدفع العديد من الأطفال إلى العمل في الشوارع والتعرض للإستغلال الجنسي كوسيلة للبقاء، وهذه مع مرور الوقت تتفاقم لانخراط الأطفال بجرائم الإتجار بالبشر.

العوامل المفضية إلى العنف في أماكن العمل تتمثل في كون الأطفال أكثر عرضة للعنف بسبب صغر حجمهم وعدم نضجهم نمائيا واعتمادهم على غيرهم، وبسبب السلطة المطلقة لرب العمل على الأطفال العاملين بسبب أن عمل الأطفال غير رسمي وغير موثق بعقود. البيئة التي يعمل بها الأطفال تشكل خطرا بحد ذاتها من مثل ورش عمل صيانة السيارات أو البحث في حاويات القاذورات والنفايات أو في المزارع النائية في مناطق صحراوية، وهذه البيئة غير الآمنة تعرض الأطفال لإصابات شديدة من الآلات الخطرة والأجسام الحادة في النفايات كالزجاج المكسور والأبخرة السامة والمبيدات الحشرية، ويمثل العمل في الشوارع خطر كامناً لتعرض الأطفال لكافة أشكال الإستغلال الجنسي والتجارة غير القانونية في البضائع الممنوعة وبالمخدرات.


التصدي لظاهرة عمل الأطفال والعنف ضدهم في أماكن العمل:

إن التصديق على الاتفاقيات الدولية يجب أن يطبق عمليا بتوافق هذه الاتفاقيات مع التشريعات الوطنية الخاصة بعمل الأطفال وهذه مسئولية يتوقع من الدولة أن تتحملها بخطة إستراتجية قابلة للتطبيق، وينبغي تجريم كافة أشكال العنف في أماكن عمل الأطفال بشكل منهجي في القانون ومن خلال الممارسة، ويتوقع من الحكومة وضع خطط وطنية للتصدي لظاهرة عمل الأطفال ودمجها في خطط وسياسات التنمية الوطنية، ويتوقع أن تقوم الحكومة بالتصدي للعنف ضد الأطفال في أماكن العمل، وإنشاء خدمات للأطفال للإبلاغ عن العنف في أمكان العمل كالخطوط الهاتفية لطلب المساعدة وتوفير خدمات متخصصة لإنقاذهم من العنف والأضرار اللتي قد تلحق بهم ورعايتهم في مراكز رعاية طارئة. ويجب على الحكومة أن توفر الخدمات للأطفال العمال والذين لم يتركوا العمل بعد، بمرجعية احترام حق الطفل بالصحة والتعليم بتوفير الخدمات الإجتماعية الضرورية والعمل على إعادة دمجهم بالدراسة وتوفير الخدمات الصحية الأساسية لهم، وتوفير التدريب المهني الملائم لهم.

بناء قدرات العاملين في القطاعات المختلقة المتعلقة بظاهرة عمالة الأطفال هي أيضا مسئولية يتوقع من الدولة أن تتحملها وتشمل القطاعات الحكومية الإجتماعية والصحية والنقابات العمالية، وأرباب العمل، والشرطة والقضاء، وإدارات تفتيش العمل والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي.

وفي مجال إنفاذ القانون ينبغي إخضاع مرتكبي العنف ضد الأطفال في أماكن العمل للمساءلة بصرامة وشدة، ويجب أن تكون الإجراءات القضائية وعملية إنفاذها ملائمة لمرحلة نماء الأطفال وبما يضمن المصلحة الفضلى لهم.

ينبغي على الحكومة أيضا أن تتأكد من وضع وضمان تنقيذ ورصد برامج لإذكاء الوعي العام حول الآثار الضارة لظاهرة عمل الأطفال بما فيها تعرضهم للعنف خلال عملهم، بالمشاركة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني ونقابات العمال. .

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

bottom of page