top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

دور الطب الشرعي بالتبرع بالأعضاء، التحديات والعوائق


دور الطب الشرعي بالتبرع بالأعضاء، التحديات والعوائق
دور الطب الشرعي بالتبرع بالأعضاء، التحديات والعوائق

ما هو تعريف التبرع الأعضاء؟

زرع الأعضاء هو عملية جراحية يتم خلالها إزالة عضو بشري تعرض لأذية أو إخفاق بوظائفه، ليستبدل بعضو سليم من متبرع.

العضو هو مجموعة من الخلايا والأنسجة التي تعمل سويا لأداء وظيفة محددة فعلى سبيل المثال، وظيفة القلب هي ضخ الدم في الاوعية الدموية لجميع أنحاء الجسم، والعين هي عضو لقيامها بوظيفة الإبصار، والجلد هو عضو لقيامه بوظيفة حماية الجسم، والكبد هو عضو لقيامه بتنقية الدم من فضلات محددة.

ويجب التفريق بين عمليات الرقع وعمليات الزرع فالزرع هو نزع جزء من النسيج البشري وزراعته في مكان آخر من جسم نفس الشخص أو في جسم شخص آخر لتعويض أو دعم نسيج تعرض للأذية، والرقع يختلف عن زرع الأعضاء لأنه لا يستوجب نزع واستبدال كامل العضو بل جزء منه.


ما هي الأعضاء التي تزرع؟

زراعة الكلى والقرنيات هي الأكثر شيوعا ولكنها ليست محصورة بهما، بل يمكن زراعة الرئتين والقلب والكبد والبنكرياس والأمعاء، والمجال المعرفي لا يزال مفتوحا للأبحاث التي قد تؤدي إلى القدرة العلمية والعملية لزرعة أي من أعضاء الجسم الأخرى.

تعبير "زرع الأعضاء" يستخدم لوصف عمليات جراحية لزراعة القلب، الرئتين، الكليتين، الكبد، البنكرياس، والأمعاء، لكن بعض أنواع زرع الأعضاء تتطلب إجراءات متخصصة وتتصف أنها ليست اجتياحيه لجسم الأنسان، وهي رقع الجلد، وزرع القرنية، والنخاع العظمية.


ما هي مصادر التبرع بالأعضاء؟

  1. من الأشخاص المتوفين حديثا، (أ) بقرار من المتوفى قبل موته، ويتم ذلك بعدة طرق كأن يثبت ذلك في دفتر العائلة أو الهوية الشخصية أو رخصة السوق، وهذا مطبق حاليا بشكل عشوائي وهو للأسف ليس ملزم بنصوص قانونية واضحة لدى حدوث الوفاة. (ب) بموافقة من أقارب المتوفى، ويتوقع أن يحترم رأي الاهل حتى لو كان هناك وصية من المتوفى بالتبرع بأعضائه. هذا النوع من التبرع أصبح محصور علميا وعمليا بالتبرع بالقرنيات، الا انه يمكن زراعة الكلى والأنسجة العظمية والعضلات والجلد من الأنسان المتوفى حديثا الا أن هذا أصبح نادر الحدوث وغير مطبق عمليا بالأردن، لوجود بدائل أخرى ذات نتائج أفضل وهي التبرع من أعضاء إنسان متوفى دماغيا موضوع على أجهزة التنفس الاصطناعي. دور الطبيب الشرعي في هذه الحالات يتعلق بكون الظروف التي أدت لوفاة المُتبرّع من أعضاءه، تستوجب التحقيق القضائي، كأن تكون ناتجة عن حادث سير أو في جرائم القتل أو الوفاة الفجأة غير المتوقعة، وبالتالي يتوجب الكشف على الجثة من قبل الطبيب الشرعي قبل نزع الأعضاء المتبرع بها، لضمان أن نزع العضو لن يؤثر على بيان سبب الوفاة أو مسار التحقيق الجنائي او القضائي. التبرع بالأعضاء لن يؤثر على المظهر الخارجي للجثة، حيث أن التبرع بالقرنية لا يشمل كرة العين ذاتها وإنما نسيج القرنية الشفاف حيث يبقى الشكل الخارجي للوجه كما هو، كما أن التبرع بالأعضاء الداخلية ليس له أي أثر تشويهي على الشكل الخارجي للجثة.

  2. من الأشخاص المتوفين دماغيا، حيث يكون الدماغ وصل إلى حالة الموت المؤكد ويكون الشخص قد توفي قانونيا وشرعا، لكن باقية أعضائه تكون في حالة "حياة خلوية"، وليس "حياة سريرية" وهذه الأعضاء صالحة للتبرع والنقل والزراعة لمرضى أو مصابين أخرين، وهذا هو المصدر الرئيسي للتبرع بالكلى والقلب والرئتين والكبد والبنكرياس. لماذا يعتبر موت الدماغ وفاة من الناحية القانونية؟ عند تلف الدماغ بما في ذلك جذعه والذي يحتوي على المراكز المسؤولة عن تنظيم النبض والضغط والحرارة والتنفس فإن الوفاة مؤكدة لأنه لا مجال لعودة هذه المراكز للعمل عند إيقاف جهاز التنفس الاصطناعي وهذا يتطلب إجراءات طبية صارمة لتشخيص الوفاة. نصت المادة التاسعة من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان رقم 23 لسنة 1977 وتعديلاته على يتم التحقق من حالة الموت الدماغي، لغاية نقل الأعضاء وزراعتها، من قبل لجنة تشكل في المستشفى الذي يتم فيه نقل الأعضاء أو زراعتها من ثلاثة أطباء في التخصصات التالية على الأقل على ألا يكون من بينهم الطبيب المنفذ للعلمية وهم اختصاصي أمراض الأعصاب والدماغ واختصاصي جراحة الأعصاب واختصاصي تخدير، وأن يشارك طبيب شرعي في هذه اللجنة إن كانت ظروف الوفاة ناتجة ظروف جنائية أو تحقيقية تستوجب الكشف على المتوفى لضمان التحقق من تشخيص الوفاة وللتأكيد من أن نزع العضو المتبرع به لن يؤثر على بيان سبب الوفاة أو مسار التحقيق الجنائي او القضائي.

  3. من الأشخاص الأحياء، ويكونون بالعادة من أقارب المُتَبَرّع له، أو زوجه أو أصدقائه ونادرا جدا ما تكون من الغرباء، ويكون التبرع من الأعضاء المزدوجة في جسم الأنسان كالكليتين وهي الأكثر شيوعا، أو من الأعضاء المتجددة مثل الدم والنخاع العظمي، او من الأعضاء التي يمكن الاستغناء عن جزء منها مثل الكبد. يجب توفر (1) الرضاء القانوني التام للمتبرع بما في ذلك تمتع المتبرع بكامل قدراته العقلية والنفسية، بعيدا عن الإكراه والضغط، وبعيدا عن التربح المالي أو التجاري، وأن يكون ذو أهلية كاملة تجاوز الثمانية عشر من عمره. (2) الرضاء القانوني التام للمريض مستقبل العضو. (3) أن يكون الإجراء الطبي والجراحي الخاص بنقل العضو منطبقاً على أصول الفن والصنعة الطبية والتأكد من خلو الموانع الطبية أو العدوى التي يمكن أن ينجم عن النقل.

ما هو الوضع الحالي في الأردن؟

أنشئ في الأردن مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء بهدف الاشراف على برامج زراعة الأعضاء في جميع المؤسسات التي لها القدرة على القيام بذلك، بهدف تنسيق الجهود بينها، والعمل على تشجيع التبرع بالأعضاء ونشر الوعي في المجتمع، وأنشاء سجل وطني للتبرع، ومتابعة جميع حالا الموت الدماغي والتي تعتبر المصدر الرئيسي للأعضاء وخاصة الكلى والقلب والرئتين والكبد، وأعداد المواصفات الخاصة بإنشاء مراكز زراعة الأعضاء وإصدار الموافقة على تأسيسها والتقييم الدوري لها. وقد صدر عن وزارة الصحة وهذه المديرية قبل بضعة أشهر دليل فني متخصص "دليل الإجراءات العامة للتبرع ونقل وزراعة الأعضاء والانسجة والخلايا البشرية" وهو أنجاز رائع لكن يتطلب جهود جبارة لتنفيذه على ارض الواقع وآليات للرقابة والمتابعة، كما أنه يتوقع من المركز أن يقوم ببرامج التوعية لعموم الناس بشكل مستمر وبطريقة علمية يمكن قياس نتائجها، وتفعيل السجل الوطني للمحتاجين للأعضاء على المستوى الوطني لتحقيق العدالة والمساوة بعيدا عن الواسطة والمحسوبية، والعمل على إنشاء صندوق مالي يتم من خلاله تجاوز أي صعوبات لمرضى غير مؤمنين صحيا أو فقراء.

السبيل الأهم للقضاء على ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية هو الدعوة للتبرع القانوني-الشرعي بالأعضاء البشرية وخاصة من المتوفين دماغيا، وهذا يتطلب الجدية في تطبيق القوانين ورصد تنفيذ عمليات التبرع بالأعضاء بشكل حقيقي فعال، وعدم التراخي في عقاب منتهكي القانون وعصابات التجار بما فيهم من سماسرة.


ما هي المرجعية الشرعية للتبرع بالأعضاء؟

صدر عن دار الإفتاء الأردنية فتوى رقم 865 بتاريخ 25/7/2010 والتي تنص على: "الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. يشترط القائلون بجواز التبرع بالأعضاء - وهم أكثر الفقهاء المعاصرين - شروطا أساسية، كأن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية، وأن يكون نجاح العملية محققا أو غالبا، ونحو ذلك من الشروط. ومن الشروط أيضا ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (26، 1/4) حيث أجاز الاكتفاء بإذن الورثة، أو بإذن ولي الأمر في حال عدم وجود الورثة، فجاء في نص القرار: "بشرط أن يأذن الميت قبل موته، أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له" انتهى. وهو أيضا ما أخذ به مجلس الإفتاء الأردني في القرار رقم (2) - في معرض ذكر شروط جواز التبرع بقرنية العين فقط - جاء ما نصه: "أن يكون الميت قد تبرع قبل موته بقرنيته، أو رضي الورثة بذلك" انتهى. وعليه فإن وجدت وصية فيجوز التبرع بالأعضاء وتنفيذ الوصية، وإن لم يوجد وصية يكتفى بإذن الورثة. والله أعلم.

هناك العديد من الفتاوى الصادرة عن مفتي الأزهر الشريف وعن مفتي السعودية وقرارات عن مجمع الفقه الإسلامي الطبية تؤيد بشكل جلي وبوضوح تام ان الشرع الحنيف يدعو ويشجع على التبرع بالأعضاء.

ما هي العوامل المؤدية لخسارة المتبرعين بالأعضاء؟

1) غياب الوعي لدى عامة الناس بأهمية هذا الموضوع، وخاصة بالمرجعية الأخلاقية الشرعية التي تسمح بل تشجع على التبرع بالأعضاء، ورافق ذلك شيوع ثقافة تعتبر التبرع بالأعضاء تشويه لجثة المتوفى وأنه مخالف للشرع.

2) غياب أو نقص الدعم النفسي الاجتماعي، والذي يجب توفره حال حصول الوفاة للتواصل المهني المتخصص مع أقارب المتوفى بما في ذلك حالات موت الدماغ، والذي متوقع أن يشمل الأبعاد القانونية والشرعية التي تسمح وتشجع على التبرع بالأعضاء.

3) تراخي الأطباء في مختلف القطاعات بالتبليغ الجدي والحقيقي عن حالات موت الدماغ في المستشفيات التي يعملون بها، بسبب عدم المعرفة أو عدم الكفاءة أو تفشي البيروقراطية بأماكن عملهم.

4) ضعف فعالية السجل المركزي الوطني بسبب عدم توفر الموارد البشرية أو المالية أو البنية التحتية.

ما المطلوب من الحكومة القيام به؟

1) يتوقع من وزارة الصحة القيام ببرامج توعية لعامة المجتمع، مصممة لهذا الغرض بحيث يمكن رصد تنفيذها وقياس نتائجها ولا يكتفى ببرامج إعلامية مبعثرة في فترات زمنية متباعدة.

2) يتوقع تفعيل دور المركز الأردني لزراعة الأعضاء ليكون مظلة تعمل على المستوى الوطني بكل شفافية وعدالة.

3) العمل على توفير برامج التدريب الطبي المستمر للأطباء المختصين في مجال زراعة الأعضاء، وتدريب عموم الأطباء في كافة القطاعات عن حالات موت الدماغ وأهمية التبليغ عنها.

4) توفير آليات التواصل الأخلاقي المهني الشرعي مع أقارب المتوفين دماغيا، ويشمل ذلك توفير المختصين بعلم النفس والاجتماع لتوفير الدعم لأقارب المتوفين.

5) ضمان ديمومة برامج بطاقات التبرع بالأعضاء إن كان بدفتر العائلة أو بطاقة الهوية أو رخصة القيادة وتوفير المرجعية القانونية لها بنصوص واضحة بالقانون تزيل أي التباس أو اعتراض على التبرع من قبل الأهل لاحقا.

الدكتور هاني جهشان مسستشار اول الطب الشرعي الخبير في الاخلاقيات المهنية الطبية

٣٤٣ مشاهدة
bottom of page