top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الإرهاب بعلم النفس الجنائي


الإرهاب بعلم النفس الجنائي
الإرهاب بعلم النفس الجنائي

هذا التقرير يتعلق بالمرجعية الأكاديمية لمفهوم الاٍرهاب في علم الجريمة وعلم النفس الجنائي، وليس له علاقة مطلقا بالمعنى اللغوي الحرفي المعمم لكلمة الإرهاب، او بالتعريفات العشوائية لسياسيين وإعلاميين، او حتى بالتعريفات الواردة في قوانين العقوبات لأي دولة.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"

_________________

تعريف الإرهاب:

تتفاوت وتتقاطع تعاريف الإرهاب حسب التخصصات المهنية المختلفة مثل القانون، السياسة، الإعلام، علم الاجتماع وعلم النفس. هذه التعاريف متفاوتة بالمعلومات ومتقاطعة بعض الأحيان، ومما يزيد الامر تعقيدا ان هذه التعاريف ليست قطعية بل تتضمن نظريات مختلفة، مما يزيد صعوبة تحديد مفهوم الإرهاب.

يعرف الإرهاب بعلم النفس الجنائي بأنه استخدام وسائل غير مشروعة، تنطوي على ممارسة العنف الموجه ضد المدنيين لأغراض سياسية وإيديولوجية.


الإرهاب والحرب:

الإرهاب عادة ما ينطوي على تكتيكات عنيفة تُستخدم على نطاق واسع نسبياً تستهدف قتل عدد كبير من البشر وتدمير المنشئات، وبناء على هذا المفهوم يشترك الإرهاب في بعض الخصائص مع الحرب، الا انه يختلف عن الحروب بأنه يستهدف السكان المدنيين عادة وانشطته العنفية تكون عشوائية وتنتهك جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين اثناء الحروب، ويرتكب الإرهاب من قبل جماعات غير معترف بها بالقانون الدولي الإنساني.


الوسائل الاستراتيجية للإرهاب:

من الناحية الاستراتيجية، تتضمن وسائل الإرهاب أنماط عنف موجهة لترويع المواطنين وتمتد إلى قوات الحكومات، بما في ذلك اختطاف أو قتل المسؤولين الحكوميين، واستراتيجيات اقتصادية مثل التخريب وتدمير الممتلكات، وغيرها من الأنشطة الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر والسرقات الكبرى والسطو على البنوك لتمويل الأنشطة الإرهابية.


دوافع الإرهاب:

إن الأعمال الإرهابية هي في الأعم الأغلب ذات توجه سياسي ودوافع أيديولوجية، تتراوح بين أهداف محددة ضد قوى سياسية عظمى أو دول كبرى او دول على خلاف أيديولوجي، إلى أهداف أكثر عمومية تتعلق بخلافات أيديولوجية لجماعات سكانية او تجمعات فكرية او أحزاب داخل الدول.

على الاعم الاغلب ان يكون دافع ارتكاب الأعمال الإرهابية هو إنشاء دولة لها مرجعية أيديولوجية خاصة بالمجموعة الإرهابية او مرتبط بالمطالبة بنشر الفكر الأيديولوجي الخاص بهذه المجموعات الإرهابية.

بسبب ان الإرهاب قائم على الفكر السياسي-الأيديولوجي، فهذا الفكر هو القوة الأساسية المحركة التي تحفز الافراد والجماعات الإرهابية، وهو المرجعية في أنشطتهم الإرهابية.


الدوافع الفردية للانضمام للجماعات الإرهابية:

هناك افتراض واسع النطاق بأن الإرهابيين ما هم الا مجموعة من المرضى النفسيين او من الذين يعانون من اضطرابات نفسية، فمن يرتكب مثل هذه الأفعال ما هو الا مختل عقليا.

اثبتت الدراسات ان البحث في الحالة النفسية الفردية للإرهابين لم يستخلص منها أي مؤشر حقيقي على فهم دوافع الانضمام للمجموعات الإرهابية، بل ان هذه الدراسات بينت ان الاعم الاغلب من الإرهابيين هم أشخاص "طبيعيون" نفسيا من حيث أنهم لا يعانون من أمراض نفسية ذهانية او عصابية وهم لا يعانون من الاكتئاب ولا يعانون من اضطرابات عاطفية، او جنون العظمة، بل على العكس، تقوم الجماعات والمنظمات الإرهابية بعزل من بين صفوفها الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية او عاطفية حيث انهم يمثلون مخاطر أمنية عليهم.

لقد تبين ان الدوافع الفردية للانضمام للمجموعات والمنظمات الإرهابية تتراوح بين الأمور التالية: (1) إعطاء شعور بالقوة للضعفاء والمهمشين ولمن لا حول ولا قوة لهم. (2) الانتقام بسبب ظروف مر بها الشخص تتعلق بالأمور الاجتماعية او الاقتصادية او المالية. (3) اكتساب شعور بالأهمية.


علم النفس الاجتماعي:

الهوية الجماعية هي الأساس في تشكيل المجموعات والمنظمات الإرهابية، فالإرهابيون أشخاص اخضعوا هويتهم الفردية للهوية الجماعية وتنازلوا عن شخصياتهم الفردية مقابل الاندماج بهذه الجماعات الارهابية، أي أن من يخدم الجماعة أو المنظمة أو الشبكة هو الأمر ذو الأهمية الأساسية في حياة هؤلاء الأشخاص.

يروج للهوية الجماعية من قبل قادة الجماعات الإرهابية في وقت مبكر من حياة المستهدفين، ويتم ذلك بغرس الكراهية والحقد على دول او جماعات سكانية او الحكام ورؤساء الدول، وتشكل النزاعات السياسية والاجتماعية في مجتمع محدد الأرض الخصبة لزرع أيديولوجية الكراهية والحقد.

الهوية الجماعية الإرهابية تعطي انطباع واهم للأفراد المنتمين لها بأنهم أقوياء وذوي أهمية وانهم موجودين على الخريطة الاجتماعية والسياسية، وهذا يبرر لهم قسوة الاعمال الإرهابية التي يقومون بارتكابها خدمة لهويتهم الجماعية، ويساعد ذلك على توضيح أسباب الصعوبة البالغة في تخليهم عن انضمامهم للجماعات والمنظمات الإرهابية.

الهوية الجماعية تكون أكثر خطورة إذا ارتبطت بمرجعية دينية، حيث يكون المنظرين لهذه الهوية الجماعية قادة متطرفين وليس بالضرورة أن يكون لهم أي انتماء ديني، ومما يزيد الأمر تعقيدا أن الأشخاص المستهدفين للانضمام للجماعات الإرهابية الدينية يكون لديهم خلفية معرفية بالمعلومات الدينية، وهذه يتم تشويهها بهدف تشكيل الهوية الجماعية الإرهابية، حيث يتم تضليل المعلومات الدينية الحقيقية بشكل خبيث إلى هذه الهوية الجماعية الدينية المتطرفة، وهذه بطبيعة تصميمها غير قابلة للتحليل المنطقي او الجدل مع علماء الدين او مع قادة المجتمع.


الأصولية الدينية والإرهاب الانتحاري:

في هذا المجال نجد انتحاريون يقتُلون الأبرياء باسم الله، وقد أُعطيت أعمالهم الإرهابية معزى ومرجعية مقدسة من قبل قادتهم، وبما أن انتمائهم هو "للهوية الجماعية الدينية المتطرفة" فإنهم يتقبلون تفسير قادتهم، منظري هذه الهوية، بدون جدال.

من أبرز مبادئ الهوية الجماعية للإرهاب الانتحاري هو مبدأ خبيث، فاسد وباطل ابتدعه قادة الإرهابيين وهو: "أن العملية الاستشهادية هي أعلى مستوى في الجهاد، وتبرز عمق الإيمان وأن المفجرون (الاستشهاديون) هم محاربون أتقياء ينفذون واحداً من فروض الدين الأكثر أهمية"

هناك ثلاث شروط مسبقة لتنفيذ العملية الانتحارية ليس واحدة منها متعلق بالحالة النفسية للانتحاري وهي:

  1. الانتماء للهوية الجماعية الإرهابية وما تفرضه على الانتحاري الإرهابي من ثقافة وسلوكيات لا يستطيع أن يتجاوزها.

  2. قادة استراتيجيون مروجي الهوية الجماعية الإرهابية وهم مستفيدون سياسيا وماليا واقتصاديا من هذه الاعمال الإرهابية وعواقبها ويوظفون هذه الاعمال ونتائجها لمصالحهم الخاصة ولمصالح الدول والمؤسسات والجهات التي تدعمهم وتمولهم.

  3. توفير الإمدادات المالية والعسكرية والأسلحة والمتفجرات للإرهابين، وهذه عملية معقدة بحاجة لتنظيم قادر على التواصل من خلال شبكات اجتماعية لها امتدادها المبطن المرتبط بالفساد في أجهزة الدولة والمؤسسات المالية، وتتصف هذه الشبكات بقدرتها على التواصل الخفي من خلال الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي.

ما هي أسس مقاومة الإرهاب؟

الانتماء للهوية الجماعية الإرهابية هو المرجع بتشكيل الجماعات والمنظمات الإرهابية، ويستخدم الارهابيون العامل النفسي بترهيب المجتمع وزرع الفزع والفتنة ما بين المواطنين لتحقيق أهدافهم، ويتم ذلك بالإعلام المرتبط بهم وخاصة مواقع الانترنت الخفية او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يحققوا هدفهم هذا من خلال إخفاقات وسائل الاعلام الرسمية والخاصة.

محاربة الانتماء للهوية الجماعية الإرهابية

ان الاعمال الأمنية والعسكرية تقضى على خلايا الإرهابيين قبيل او خلال او بعد العمل الإرهابي، إلا أن القضاء على الهوية الجماعية للجماعات الإرهابية لا يتم إلا بالمرجعيات التالية:

  1. برامج على المستوى الوطني لمحاربة الهوية الجماعية الإرهابية، بالترويج لهوية جماعية وطنية أو مجتمعية تحترم حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين وتوفر الحماية الاجتماعية الحقيقية لجميع السكان.

  2. خطط عملية قابلة للتنفيذ تقضي على الدعم المالي والعسكري واللوجستي للمجموعات الإرهابية، وتجريد قادتها من شرعيتهم المجتمعية، وقطع علاقاتهم وصلاتهم بالدول او الأنظمة او الجهات التي توفر هذا الدعم لهم.

  3. برامج امنية استخباراتية لمنع الإرهابيين المحتملين من الانضمام إلى المجموعات الإرهابية، وإحداث انشقاقات في هذه المجموعات وتسهيل الخروج منها.

برامج تتعامل مع التهديد بحصول الإرهاب:

  1. رفع كفاءة جميع أجهزة الدولة الامنية في مجالي الوقاية من الإرهاب ومواجهته، وخاصة القدرة الاستخباراتية المحلية والإقليمية. يشمل ذلك التدريب والأبحاث وتوفير الموارد البشرية والمالية والتكنولوجيا المتطورة.

  2. الرقابة الحقيقية على تهريب والاتجار بالأسلحة الصغيرة وعلى المواد الأولية الكيماوية لصناعة المتفجرات، والرقابة الحقيقة على وسائل التواصل الرقمية، وتوفير الأمن الكافي للأهداف المتوقعة.

  3. الوقاية من التهديد المباشر بحصول الإرهاب يشمل منع الإرهابيين من النفاذ للوسائل التي تمكنهم تنفيذ أعمالهم الإرهابية والحيلولة بينهم وبين المستهدفين وعرقلة رغبتهم بالوصول لأثر أعمالهم الإرهابية.

مواجهة ثقافة الكراهية والعنف:

يتطلب ذلك عشرات السنوات وخلال ذلك على الحكومات والدول المحافظة على المعايير الأخلاقية العالية وتوفير الحماية الاجتماعية الحقيقية للمواطنين كما يلي:

  1. تنفيذ ورصد وتقييم برامج اجتماعية اقتصادية وسياسية لعموم المجتمع توفر الحياة الكريمة للمواطن وتحافظ على حقوقه، وتعمل على الالتزام بإجراءات سيادة القانون.

  2. برامج وقائية خاصة للمعرضين لخطر الانضمام للإرهابين أكثر من غيرهم، تعمل على توفير فرص التعليم والثقافة والعمل والتخلص من الفقر وبناء شخصية المواطن القائمة على الانتماء للوطن.

Reference: 21st Century Criminology a Reference Handbook - ISBN 978-1-4129-6019-9

الدكتور هاني جهشان استشاري أول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة

٧٣٢ مشاهدة
bottom of page