السلوك الانتحاري: يتروح من مجرد التفكير بإنهاء الإنسان لحياته من خلال التخطيط لذلك، إلى محاولة قتل الذات إلى تنفيذ الفعل كاملا وحصول الموت وهو ما يسمى بالانتحار الكامل.
يعرف الإنتحار بأنها "هو فعل الإنسان الموجه إلى ذاته لإنهائها"
نسب الانتحار في الاردن هل هي بازدياد كم يشاع؟
في الأردن كما في أغلب دول العالم الثالث، الأبحاث الأكادمية غير متوفرة في مجال شيوع ودوافع محاولات الإنتحار؛ حيث أن هذه المحاولات لا توثق في أقسام المستشفيات إن كان في القطاع العام أو القطاع الخاص، لأسباب عديدة أهمها الوصمة الإجتماعية المرتبطة بالانتحار وإخفاق الأطباء من التأكد من أنها محاولة إنتحار وكذلك بسبب ضعف الالتزام بتوثيق حالات المراجعين للمرافق الطبية بشكل عام.
أما الوفيات الناتجة عن الإنتحار والتي يتم الكشف عليها في المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن فتتراوح ما بين 50-60 حالة سنويا اي حالة واحدة لك مائة ألف من السكان في العام وهذه النسبة منخفضة جدا مقارنة مع مثيلاتها في الدول الإسكندنافية واليابان التي تصل إلى 27 حالة إنتحار لكل مائة ألف بالسنة وبمعدل عالمي يبلغ 14.5 حالة إنتحار بالعام لكل مائة ألف من سكان العالم أي حالة إنتحار كل 26 ثانية.
أغلب المنتحرين هم من الفئة العمرية 18 إلى 45 ونادرا جدا ما يسجل حالة إنتحار لدى الأطفال وهذه لم تتجاوز الثلاثة حالات في السنوات الثمانية الماضية، علما بأن هناك خطورة في الفئة العمرية من 18 -19 بسبب الكرب المتعلق بامتحان الثانوية العامة.
تحديد دوافع الإنتحار والظروف السابقة لحدوثة توثق عادة من قبل الإدعاء العام، أما مشاركة الطب الشرعي فهي قائمة على تحديد سبب الوفاة وحالة جثة المتوفى لمقارنتها مع هذه الظروف الموثقة، حيث أن الرأي النهائي بأن اي حالة وفاة هي بظروف إنتحارية يتطلب بالإضافة للمشاهدات التشريحية تحقيقات شرطية واجتماعية ونفسية معمقة.
تشخيص ظروف أي وفاة فيما إذا كانت جنائية أو إنتحارية أو عرضية أو طبيعية يتطلب في كثير من الأحيان عملا تشاركيا ما بين القطاعات التحقيقية الشرطية والإدعاء العام، والطب الشرعي والطبيب المعالج والمحلل النفسي والباحث الإجتماعي للوصول لقرار قاطع بأن الوفاة تمت بظروف إنتحارية، وإن التفاوت في الأرقام ما بين الجهات المتعددة سببه المباشر الإخفاق في تنفيذ هذا العمل التشاركي بين القطاعات المعينة، الإ إن هذا التفاوت ضئيل لدرجة أنه لا يغير النسبة بالمقارنة مع عدد السكان بشكل كبير.
هل هناك حالات انتحار لا يبلغ عنها أو يتم طمس ظروفها؟
على الأغلب أن يكون هذا الأمر صعب جدا لدرجة تصل إلى شبه المستحيل، لأن تعليمات دفن الموتى في الأردن تطبق بشكل دقيق ومن غير الممكن في العادة دفن أي متوفى دون توثيق سبب وفاة واضح من طبيب مرخص وتصريح بالدفن من مديريات الصحة أو من المركز الوطني للطب الشرعي في الحالات الجنائية والإصابية المشتبهة وفي الوفيات المفاجئة والوفيات غامضة الظروف, والوفيات الناجمة عن السموم. وعليه لا يوجد مؤشرات على إساءة إستخدام لنظام دفن الموتى وبالتالي فإن الأرقام الإحصائية حول الإنتحار يتوقع أن تعكس الواقع الحقيقي لهذه الوفيات. إن التقارير الصحفية عن وجود حالات نادرة جدا كان فيها نوع من محاولة إخفاء ظروف الوفاة الإنتحارية لا تشكل واقعا مستمرا لأن من صلب مهام الطب الشرعي تفسير ظروف الوفاة بالدليل العلمي ومواجهة محاولات طمسها إن كانت جنائية أو إنتحارية.
هل هناك تكتم على أعداد المنتحرين لأسباب أمنية او اجتماعية؟
على الرغم من التفاوت في الإحصاءات بين المؤسسات المختلفة الإ أن أعلى هذه الأرقام هو منخفض جدا مقارنة مع الأرقام العالمية، وعليه لا يوجد ما يشير إلى التكتم على أعداد المنتحرين لأسباب أمنية أو إجتماعية، حيث أن الإنتحار مهما بلغت نسبته يشكل مرضا يجب التعامل معه إحصائيا من منظور الصحة العامة بهدف الوقاية منه والوقاية من محاولات تكراره بحال حدوثه، وهنا يجب التوضيح أن هذا العدد وإن كان منخفضا يتطلب تدخلا أكثر جدية حتى وإن وصل حالة واحدة سنويا، لأنه من الممكن الوقاية من الإنتحار في أغلب الأحيان.
ما هي اكثر الوسائل استخداما للقيام بعملية الانتحار؟
الذكور ينتحرون بنسبة ضعفي الإناث، أما أنماط الإنتحار في الأردن فتتمثل في أن اغلب الذكور يستخدمون الأسلحة النارية بإطلاق النار عادة على الرأس، ولوحظ أن هناك نزعة لدى النساء باستخدام العقاقير والسموم أو حرقهن أنفسهن ولم يسجل أنهن أستخدمن الأسلحة النارية، إما الشنق فهو الطريقة التي تستخدمها أغلب العاملات في المنازل (الخادمات) والتي تصل نسبتها إلى نصف النساء المنتحرات.
اختيار وسيلة الانتحار يعتمد مباشرة على توفرها في البيئة المحيطة وعلى ثقافة الشخص المنتحر، فتستخدم الأسلحة النارية بكثرة كوسيلة إنتحار في الدول التي تبيح وجودها لدى المواطنين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكذا الحال في الأردن.
ما هي الاسباب التي تجعل الانسان يقبل على انهاء حياته بيده؟
يكمن وراء السلوك الإنتحاري عدد كبير من عوامل الخطورة الكامنة، وهي معقدة وتتأثر ببعضها البعض وتشمل عوامل الخطورة هذه الحالة النفسية السابقة للإنتحار، كالاكتئاب والفصام واضطرابات المزاج واضطرابات الثنائية القطب (وهي حالة تتميز بفترات من الاكتئاب تتناوب مع فترات من الابتهاج)، القلق واضطرابات التواصل مع الآخرين، والشعور بفقدان الأمل. وتشكل عوامل الخطورة هذه ما نسبته 65 إلى 90% من دوافع الانتحار.
لتناول الكحول والمخدرات دورا هاما في الإنتحار، وهذه مرتبطة أيضا بوجود الاضطرابات النفسية وبالتالي الإنتحار.
قد يكون الإنتحار عاقبة لإمراض شديدة ومؤلمة وخاصة تلك التي تسبب العجز كالإعاقة الجسدية أو المتعلقة بالوصمة كالإيدز.
تشكل حوادث الحياة المناوئة كفقدان شخص عزيز، والصراعات بين الأشخاص إن كان داخل الأسرة أو خارجها، والمشاكل القانونية والاقتصادية عوامل تهيئ لحصول الإنتحار وهذا أيضا مرتبطة مباشرة بحدوث اضطرابات نفسية.
إن وجود سابقة تعرض خلالها الشخص في طفولته للعنف الجسدي أو الجنسي يؤدي إلى زيادة إحتمال قيامه بالانتحار في فترة المراهقة أو بعمر اليافعين. كما وأن طبيعة التوجه الجنسي (الشذوذ الجنسي) يزيد من خطر الإنتحار في مرحلة المراهقة بسبب العزلة والكرب والوصمة الإجتماعية وما يرافق ذلك من تعود على الكحول والمعاناة من اضطرابات نفسية.
فيما يختص بالأسرة أظهرت الدراسات وجود زيادة في النزعة للإنتحار في حالات الزواج المبكر وفي حالة وجود العنف الأسري، وفي حالات الطلاق ووفاة الزوج أو الزوجة (الترمل).
العزلة الاجتماعية على مستوى الأسرة والإخفاق بالتواصل الإجتماعي على مستوى الفرد تشكل عوامل خطورة للإنتحار وإن كانت غير مباشرة.
ما هي الحلول التي يجب ان تتوافر لمثل هؤلاء الاشخاص الذين يقبلون على الانتحار؟
إن الإنتحار مشكلة صحة عمومية تتطلب التداخل المباشر من الدولة للوقاية منها وللتعامل مع عوامل الخطورة المولدة لها، فهناك ضرورة ماسة لتطوير الخدمات العلاجية والوقائية في مجال الطب النفسي، والتي هي ليست بأحسن حال في العديد من الدول العربية، ويتوقع من الخدمة النفسية أن تشمل مركبة رئيسية وهي الاستجابة للمشاكل الإجتماعية بما في ذلك العزلة الإجتماعية وعدم القدرة على التواصل مع الأخرين.
توفر الخدمة النفسية الإجتماعية للمرضى النفسيين بشكل عام ليست بديلا عن وجود مراكز وقاية واستجابة لحالات الإنتحار قائمة على مبدأ تعدد القطاعات الطبية والنفسية والإجتماعية وهذه للإسف غير متوفر لغاية الأن في الدول العربية.
وتتضح مسئولية الدولة المباشرة بالوقاية من الانتحار بالتخطيط والتنفيذ والرقابة على برامج لرفع الوعي العام حول الإنتحار تتعامل مع جذورة وتوفر المهنيين المدربين للاستجابة متعددة القطاعات وتضمن هذه البرامج توفير الخدمات الطبية والنفسية والإجتماعية للمعرضين للخطر وتتعامل مع محاولات الانتحار بهدف الوقاية من تكرارها، وللأسف لا يوجد مؤشرات تشير لوجود مثل هكذا برامج محددة الأهداف في الدول العربية.
هناك إخفاق أيضا في مسئولية الدولة بتوفير بيئة تقييد الوصول لوسائل الإنتحار أو إتاحة طرق الإنتحار والتي تشمل: تقييد التررد والوقوف على الأماكن العالية والجسور وتقييد الوصول إلى أسطح الأبنية المرتفعة وخاصة إذا كانت مهجورة، تقييد الحصول على مبيدات الحشرات والأسمدة السامة، وضبط صرف الأدوية بالصيدليات والرقابة على وضعها في عبوات ملصقة بإحكام. وإنقاص إتاحة الأسلحة النارية بين المواطنين.
ستكون أية مبادرات لمواجهة النزعة للإنتحار أو محاولات الإنتحار أو الإنتحار الكامل غير فاعلة إذا لم توضع ضمن إستراتجية وطنية تتحمل الدولة تنفيذها.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Comments