top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

جرائم القتل الاسرية المرتبطة بانتحار القاتل، على من تقع مسؤولية الوقاية من العنف؟


جرائم القتل الاسرية المرتبطة بانتحار القاتل
جرائم القتل الاسرية المرتبطة بانتحار القاتل

"الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل" هو جريمة بشعة لا يتقبلها عقل الإنسان ومهما حاول المختصين بعلم النفس وعلم الجريمة محاولة دراستها وتحليل دوافعها تبقى من الجرائم المبهمة والغامضة التي تهز كامل المجتمع وتدفع الى السطح تساؤلات عديدة مشروعة، أهمها هل كان من الممكن الوقاية من جريمة بشعة وشنيعة كهذه.

لقد بينت الأدبيات العلمية في مجال علم النفس وعلم الجريمة أنه سلوك القاتل في جريمة "الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل" هو سلوك محدد لا يمكن تصنيفة ببساطة كسلوك أنتحاري أو سلوك جنائي أو كعواقب العنف الأسري القاتلة.

إن الدافع وراء "الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل" داخل الأسرة قد يأخذ أحد الأشكال التالية: فقد يكون الدافع هو قتل أحد أو جميع أفراد الأسرة ويقوم الجاني بالإنتحار لشعوره بالذنب او للهرب من العقاب بعد مشاهدته بشاعة الجريمة التى إرتكبها، وقد يكون الدافع الرئيسي هو إنتحار الجاني وقتل الأخرين هو مركبة مرافقة للإنتحار لإعتقاد المنتحر أو المنتحرة أن قتل أفراد اسرته الأخرين هو شفقتة عليهم لأنهم لن يستطيعوا العيش بعد موته. فإن كان الدافع هو جريمة قتل داخل الأسرة فإن بشاعة الجريمة يجب أن لا تحجب عن أنظارنا أنها شكل من أشكال العنف الأسري يمكن الوقاية منه، وإن كان الدافع هو الإنتحار فإن الأعم الأغلب من دوافع الإنتحار بما فيها الأمراض النفسية يمكن أيضا الوقاية منها.

إن الجاني في جريمة "الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل" في الأسرة عادة يكون الرجل (الأب) وأظهرت الأدبيات العلمية ان هذه النسبة تتراوح ما بين 99.5-100% ونادرا جدا ما ترتكب من قبل المرأة (الأم) كما حدث في الجريمة التي حصلت يوم أمس. من الممكن أن يكون المجني عليهم في هذه الجريمة شخص أو أكثر من أفراد الأسرة إلا أنها تشمل جميع أفراد الأسرة في 70% من مجمل هذه الجرائم.

عوامل الخطورة: أظهرت الأدبيات العلمية أيضا أن نسبة التفكك الأسري والإنفصال ما بين الزوجين والتهديد بالطلاق يصل إلى 73% من هذه الجرائم، أما نسبة المرض النفسي وخاصة الإكتئاب أو وجود سيرة سابقة لمرض نفسي فتصل إلى 63%، وقد ثبت وجود عنف أسري أستدعى تدخل الجهات الرسمية بنسبة 54% من مجمل هذه الجرائم.

شيوع الجريمة: إن "الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل" داخل الأسرة هو جريمة نادرة الشيوع في الأردن كما هو الحال في كافة دول العالم، فكما أن جرائم القتل عامة منخفضة الشيوع في الأردن وهي بنسبة 2.6 لكل مائة ألف من السكان بالسنة مقارنة مع 7.2 لشيوع جرائم القتل في العالم، فكذلك إن شيوع "الإنتحار بعد إرتكاب جرائم قتل"داخل الأسرة في الأردن لا يتجاوز 0.08 لكل مائة الف من السكان بالعام مقارنة مع 0.34 في الولايات المتحدة الأمريكية. لا يوجد أية مؤشرات على أن شيوع هذه الجريمة في إرتفاع او إنخفاض، الإ أن بشاعة هذه الجريمة وتقدم تكنولوجيا التواصل والإعلام هي أسباب تترك إنطباعا يجانب الحقيقة بأن شيوع هذه الجريمة في إزدياد.

جرائم القتل الاسرية المرتبطة بانتحار القاتل
جرائم القتل الاسرية المرتبطة بانتحار القاتل

هذه الجريمة تمثل أسوء عواقب العنف الأسري القاتلة، وحدوثها يشير إلى أن مشكلة العنف داخل الأسرة هي مشكلة حقيقية ومنتشرة بشكل يفوق عدد الحالات التي تطلب المساعدة، وإن دمار أسرة بكامل أفرادها لهو دليل على أن أغلب حالات العنف الأسري تحصل خلف أبواب موصدة ولا يبلغ عنها حيث تترك وتتفاقم عواقبها النفسية والاجتماعية والجسدية لتصل إلى العنف المميت.

حصول جريمة بهذا الشكل هو دليل على أن الخدمات المقدمة لحماية الأسرة من التفكك والعنف لا زالت قاصرة عن مواجهة الواقع، فأغلب حالات العنف الأسري وتفكك الأسرة المنتشرة بالمجتمع لا تكتشف وتترك لإحتمالية وصول عواقبها للموت، كما وأن مثل هذه الجريمة هو مؤشر على أن وسائل الإستجابة للعنف الأسري لا زالت بحاجة لتطوير ومتابعة وتقييم، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج الوقاية الأولية لتوعية عامة المجتمع بمواجهة التفكك والعنف الأسري، وهي أيضا دليل على غياب أو نقص برامج التعريف بالخدمات المقدمة لضحايا العنف والتفكك الأسري.

أثبتت الأدبيات الطبية أن المرض النفسي يلعب دورا هاما في هذه الجريمة، مثل جنون العظمة، الغيرة القاتلة، والفصام، ويتصف من يرتكبون مثل هذه الجرائم بالعدائية، وعدم القدرة على السيطرة على النفس، والشخصية ضد الإجتماعية المتصفة بأفكارالعظمة، وعدم احترام الذات والإحباط بسهولة والعزلة الإجتماعية، كما أن إضطرابات الشخصية تشكل عوامل خطورة هامة في حدوث هذه الجريمة كالكرب المرافق لأحداث الحياة كالأزمات المالية أوالخلافات الزوجية والتفكك الأسري والشعور بالرفض من قبل أفراد الأسرة الأخرين، والكرب الناتج عن المعاناة من الأمراض المزمنة أو ظروف المعيشة الصعبة بسبب الفقر والبطالة. مما يفاقم عوامل الخطورة هذه غياب التشخيص المبكر للمرضى النفسيين وعدم كفاءة الإستجابة المتعددة القطاعات المقدمة لهم، وإرتباط المرض النفسي بوصمة إجتماعية وغياب خطة وطنية إستراتجية للصحة العقلية والنفسية تتحمل مسئولية الكشف المبكر والعلاج القائم على الدليل العلمي المسند.

إن كان الدافع للجريمة هو القتل ومن ثم قرر الجاني الإنتحار عقب جريمته، أو أن الدافع كان الإنتحار وتم القتل شفقة على باقي أفراد الأسرة، فإنه في كلا الحالتين هي جريمة مخطط لها مسبقا بشقيها وهذا مؤشر أنه كان من الممكن الوقاية من حدوثها. نمط هذه الجريمة تكرر سابقا في جرائم مشابهة وإن كان الجاني لن يعاقب بسبب وفاته بالعادة إلا أن هذا التكرار يستدعي تسليط الضوء على من تقع مسئولية الوقاية من العنف؟

الوقاية من هذه الجريمة هو بالتعامل مع جذور العنف الأسري:

العنف الأسري ليس أمر حتميا وليس قضاء وقدرا، فهو نتاج عوامل خطورة يمكن السيطرة عليها وهي قابلة للتغير، ومواجهة العنف الأسري ليست مهمة اختيارية أو هامشية وإنما يجب أن يستجاب له وللوقاية منه بالتنسيق بين جهات متعددة القطاعات، وإن الحكومة هي في طليعة هذه القطاعات المتعددة وضامنة للتنسيق بينها وتعمل على رصد أدائها وهي المسؤولة عن المساءلة عند الإخفاق كحصول جريمة بشعة وشنيعة كجريمة السلط.

يتوقع من الدولة أن تتبنى إستراتجيات وأطر وطنية وقوانين واضحة تجعل العنف غير مشروع، وعليها أن تتبنى آليات لضمان العمل والتنسيق بين القطاعات التي تقدم خدمات حماية الأسرة بما في ذلك توفير الخط الساخن الفعال لتلقي البلاغات وتوفر خدمات الكشف المبكر لضحايا العنف الأسري وتوفير الخدمات العلاجية والتأهيلية لضحايا العنف الأسري، كما ويتوقع أن تتبنى الدولة استراتيجية وطنية للتعامل من الصحة العقلية والنفسية تضمن التشخيص المبكر والعلاج الفعال للمرضى النفسيين.

إن مواجهة العنف الأسري يتطلب من الدولة أيضا أن توفر موظفين فعّالين ومدربّين جيدا؛ وأن تشرك مؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين في الدعم لمواجهة هذا المشكلة، وأنت تعمل على دمج الجهود الرامية إلى مواجهة العنف الأسري في برامج الصحة العامة وفي برامج التنمية الشاملة، وهناك أهمية قصوى في دمج المعرفة العلمية عن أسباب العنف الأسري وعواقبه في مناهج التعليم في كافة مستويته، وأن تتعهد الدولة بزيادة التمويل وتقدير الميزانيات على الصعيد الوطني بما يضمن الاستمرارية في حماية الأسرة من العنف.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

٢٢٥ مشاهدة
bottom of page