top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

تقرير مفصل عن العنف الجنسي داخل الأسرة


العنف الجنسي داخل الأسرة
العنف الجنسي داخل الأسرة

ما هو تعريف سفاح القربى؟

"سفاح القربى" أو ما يسمى زنى المحارم في الفقه واللغة هو تعبير عام يطلق على أي اتصال جنسي ما بين رجل وامرأة بينهما صلة قرابة تحرم هذا الاتصال شرعا، كما ورد في سورة النساء 23، "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا".


عقوبات السفاح في القانون الاردني

الاتصال الجنسي بالرضا ما بين رجل وامرأة محرمة عليه شرعا عمرها أكبر من 18 سنة، يعاقبهما قانون العقوبات الأردني (أي كل من الرجل والمرأة) بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة تتراوح ما بين سبعة إلى خمسة عشرة سنة فقد ورد في المادة 285 عقوبات "السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والاخوة والأخوات لأب أو أم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعا من الأصهرة والمحارم يعاقب مرتكبه بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن سبع سنوات". الا أن المجرمَين (الرجل والمرأة) لا يعاقبان الا بوجود شكوى من متضرر، حيث لم يعتبر المشرع الأردني جريمة السفاح برضا الطرفين من جرائم الحق العام، فقد ورد بالمادة 286 عقوبات "يلاحق السفاح الموصوف في المادة السابقة بناء على شكوى قريب أو صهر أحد المجرمَين حتى الدرجة الرابعة"

يجب التفريق من بين جريمة "سفاح القربى-زنى المحارم" برضا الطرفين الواردة في المادة 285 عقوبات المنوه عنها سابقا، وبين جرائم الاستغلال الجنسي التي تكون فيها الضحية أحدى أقارب المعتدي المحرمات عليه شرعا بظروف تتصف بغياب رضى الفتاة، كأن يكون عمرها أقل من ثمانية عشرة عاما أو تعاني من إعاقة أو مرض نفسي أو ان يكون الاتصال الجنسي قد تم بالتحايل والخداع أو بالعنف، وهنا نتكلم عن مجال واسع من جرائم العنف الجنسي عاقب عليها قانون العقوبات الأردني بعقوبات تمتد من الأشغال الشاقة المؤقتة إلى الاعدام، بل وقد شددت العقوبة في هذه الجرائم كون الضحية محرمة شرعا على المعتدي، وبطبيعة الحال فإن الفتاة أو الطفلة هنا هي ضحية عنف جنسي وليست مجرمة بأي حال من الأحوال. وتعتبر هذه الجرائم من جرائم الحق العام التي توجب على جميع المهنيين التبليغ عنها للجهات الشرطية والقضائية.


ما طبيعة جريمة العنف الجنسي داخل الاسرة؟

عرفت منظمة الصحة العالية العنف الجنسي بأنه "أي فعل جنسي أو محاولة للحصول على فعل جنسي، بالإكراه، أو بالتهديد، أو القوة الجسدية، أو بالاحتيال من قبل أي شخص مهما كانت علاقته بالضحية، وفي أي مكان، بما في ذلك المنزل ومكان العمل". يمكن أن يغطي الإكراه طيفًا واسعاً من درجات القوة فقد يشمل القوة الجسدية المباشرة والتخويف والإرهاب النفسي والابتزاز بالتهديد من مثل الإيذاء الجسدي والطرد، وقد يحدث عندما يكون المعتدي عليه غير قادر على إعطاء الموافقة كأن يكون ثملا أو تحت التخدير أو نائما أو غير قادر على أدراك أو فهم ما يحيط به كالأطفال والمرضي النفسيين وذوا الإعاقات العقلية. يمكن ان يشمل الاستغلال الجنسي داخل الأسرة أنشطة جنسية عددية متفاوتة وأغلبها تتصف بالخداع والمراوغة والتآمر على الفتاة الضحية وانتهاز الفرص المناسبة للاختلاء بها والتي تكون في أغلب الأحيان جاهلة بأية معرفة جنسية وتُوهم بأن هذه الأنشطة الجنسية هي جزء من التعامل الطبيعي بينها وبين المعتدي، وبأغلب هذه الحالات يكون المعتدي هو الأب في أسرة تكون الأم غائبة بها عن المنزل لسبب ما، أو تكون مسلوبة الإرادة بسبب المرض المزمن أو القهر أو العنف.


ما مدى شيوع الجرائم الجنسية الواقعة على النساء داخل الأسرة (من الذكور المحرمين عليهن شرعا)؟

إن العنف الجنسي حقيقة يعيشها ملايين الناس في العالم ولاسيما النساء وتشير البحوث إلى أن النساء يمثلن غالبية ضحايا العنف الجنسي، وأن الرجال يمثلون غالبية الجناة، وأن أكثر الضحايا يعرفون المعتدين عليهم. وبينما يوجد إدراك عام بتفشي العنف الجنسي ضد النساء في جميع البلدان وعلى جميع مستويات المجتمع، فإن الإحصاءات الموثوق بها المتعلقة بانتشار العنف الجنسي في العالم مازالت محدودة.

هناك نقص في التبليغ عن العنف الجنسي ضد النساء لا يمكن تحديد مقداره، ومن غير المحتمل أو المتوقع أن تعطي الإحصاءات المنشورة صورة دقيقة عن الحجم الحقيقي لهذه المشكلة حيث أن أسباب عدم التبليغ معقدة ومتداخلة وذات أوجه عديدة ولكنها تتضمن إجمالاً: خوف النساء غير المبرر من العقاب داخل الأسرة ومن الوصمة الاجتماعية، وفقدان الثقة في المحققين والشرطة والأطباء.

من الصعب أيضاً تحديد معدلات الحدوث الحقيقية أو حتى تقديرات انتشار الانتهاك الجنسي للأطفال، ويعود هذا أساساً إلى نقص التبليغ، فمن النادر التبليغ عن الانتهاك الجنسي للأطفال في وقت حدوثه، ولا يتم التبليغ مطلقاً في كثير من الحالات.

إن العنف بما في ذلك العنف الجنسي هو مشكلة صحة عمومية ويجب أن يقيم من هذا المنظور، وعلى الرغم من غياب المعرفة بعدد الحالات التي لا يبلغ عنها، والحاجة لبرامج تمكن الطفل والمرأة من الإفصاح والتبليغ عن عنف جنسي محتمل تعرضوا له، الا أن المقياس المعياري هو العدد الذي يصل لمقدمي الخدمات لكل مائة الف من السكان لكل سنة وهذا الرقم للعنف الجنسي الواقع على الأطفال الذين أعمارهم أقل من 18 عاما، في الأردن لم يتجاوز 2.9 لكل مائة الف في السنة على مدى السنوات العشرة الماضية وهذه النسبة منخفضة جدا بمقارنتها على سبيل المثال مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي هي بمعدل 35 لكل مائة الف في السنة والمانيا وهي 12 لكل مائة الف في السنة.

أما نسبة انتشار العنف الجنسي في الأردن للإناث اللواتي تجاوزن عمر 18 سنة فهي 0.8 لكل مائة ألف في السنة حيث تعتبر من أكثر الدول انخفاضا وإن نمط تعرض المرأة لعنف جنسي في الأردن في مكان عام من قبل شخص غريب عليها هي نسبة تقارب الصفر ولم تسجل إلا بضع حالات على مدى عدة سنوات.

أما عدد حالات العنف الجنسي داخل الأسرة المبلغ عنها فلم يتجاوز أكثر من حالة واحدة لكل مائة الف من السكان في السنة، وعليه فإن الاعتقاد السائد من أن الإحصاءات عن مثل هكذا جرائم يعكس مدى انتشار المشكلة بالمجتمع هو اعتقاد يشوبه الخطأ الواضح، لأن العنف الجنسي ضد الفتيات داخل الأسرة من قبل أشخاص محرمين عليهن شرعا يتصف بالأعم الأغلب من الحالات بعدم تبليغ الجهات الرسمية ذات العلاقة لما يرافق هذا العنف من وصمة إجتماعية وحواجز وعوائق تنطوي على مجازفة بتدمير الكيان الأسري، وما الحالات التي يبلغ عنها للشرطة والقضاء الا نسبة ضئيلة لا تعكس خطورة وبائية هذه الجريمة.


كيفية التعامل مع حالات العنف الجنسي داخل الاسرة؟

في الأردن ومن خلال عيادات الطب الشرعي والعيادات الريادية لحماية الأسرة تم تطوير الخدمات الصحية المقدمة لضحايا العنف الجنسي حيث يخضع جميع الضحايا للكشف الطبي على أيدي مختصين في مجال الطب الشرعي مدربين تدريبا متخصصا في التعامل مع هذا النوع من العنف في محيط يتوفر فيه المعايير الصحية القياسية بشكل يضمن منع خضوع الضحية للفحص الطبي المتكرر، وبمرجعية إجرائية موحدة.

الاخلاقيات المهنية: عند تقديم الخدمات لضحايا العنف الجنسي، تعتبر أخلاقيات مهنة الطب مبادئ أساسية تحدد العلاقة المهنية والقانونية بين الطبيب والمعتدى عليه أو عليها وتشمل ما يلي: الاستقلالية وهي حق الضحية في اتخاذ قراراتها بنفسها حيث تعتمد جميع الخطوات المتخذة لتقديم الخدمات الصحية على الموافقة الواعية للضحية بما يتناسب وعمرها، ويتوقع من الطبيب دائما أن يتصرف بما يحقق أفضل فائدة ونفع للضحية، وعدم الإضرار بها بتجنب أي إجراء به خطر كامن لأذى او ضرر من الممكن أن يصيبها وعمل ما هو مستحق أن يعمل لتوخي العدل والإنصاف والحيادية، وعليه يتوقع من الطبيب أن يكون على وعي تام باحتياجات ورغبات الضحية وإظهار الحساسية والتعاطف معها وبنفس الوقت الحفاظ على الموضوعية.

عند تقديم خدمات الرعاية الطبية لضحايا العنف الجنسي يتوقع من الأطباء أن يكون سلوكهم بعيدا عن التحيز والإجحاف، وأن يحافظوا على مستويات أخلاقية عالية عند تقديم هذه الخدمات والتي يجب أن تكون سهلة الوصول للضحايا مع ضمان الأمن والسلامة والخصوصية، وينبغي أن تكون صحة ومصلحة ضحايا العنف الجنسي دائماً هي أهم أولويات الطبيب من مثل معالجة الإصابات، والتقييم والتدبير العلاجي التداركي للحمل والعدوى المنقولة جنسيا، وإنه لمن الإهمال الطبي أن يجرى الفحص الطبي الشرعي وضبط الأدلة الجنائية بدون التركيز على متطلبات الرعاية الصحية من الوقاية من الأمراض الجنسية المعدية وتوفير علاج منع الحمل التداركي.

يمتد الاهتمام بصحة ومصلحة الضحية ليشمل الدعم النفسي الذي يضمن قدرتها على الحفاظ على كرامتها بعد الاعتداء الذي قد يتسبب في شعورها بالمهانة والاحتقار ويجب أن يوضح لها خيارات المتابعة الطبية النفسية اللاحقة المتوفرة وسبل الوصول إلى هذه الخدمات، ومن الممكن أن يساهم الطبيب الشرعي بذلك وبطريقة غير مباشرة بالتقليل من عدد المقابلات والفحوصات الجسدية التي يتوقع أن تجرى للضحية.

هدف اجراء الكشف الطبي: يهدف إجراء الكشف الطبي الشرعي إثبات حصول العنف الجنسي وتحديد ماهيته النشاط الجنسي الذي قام به المعتدي لإن في ذلك تحديد مباشر لماهية الجريمة، ويشمل ذلك توثيق الإصابات في عموم الجسم وفي منطقة الأعضاء التناسلية والمنطقة الشرجية، وكذلك جمع الأدلة بمسحات قطنية من جسم الضحية وملابسها للتحري بها عن أية بقع مشتبهة تعود للمعتدي، ويتضمن الكشف التحري عن وجود الأمراض الجنسية المعدية وعلامات الحمل، كما ويهدف الكشف الطبي اتخاذ كافة المحاذير لمتابعة عواقب العنف الجنسي المحتملة.

توقيت الكشف الطبي: يعتمد توقيت الكشف الطبي على ضحايا العنف الجنسي بشكل أساسي على ما هو أفضل للضحية تأسيسا على الحاجة الطارئة للتداخلات العلاجية للإصابات التي تعرضت لها والتي قد تشكل خطر مباشرا على حياتها في بعض الحالات، وأيضا على الحاجة لإعطائها عقار منع الحمل التداركي الذي يجب أن يعطى خلال فترة لا تتجاوز 72ساعة من وقت الاعتداء، كما ويجب أن يجرى الكشف الطبي في وقت مناسب قبل التئام الإصابات بهدف توثيقها وبالتالي تحديد ماهيتها والتعرف على كيفية حدوثها، كما وأن جمع الأدلة الطبية الجنائية من جسم الضحية والتي تثبت الجريمة يجب أن يجرى في وقت مبكر قبل زوالها بعامل الوقت أو بسبب الاستحمام.

مكان إجراء الكشف الطبي الشرعي: تقدم خدمات الطب الشرعي وخدمات الرعاية الصحية للضحية في آن واحد وفي نفس العيادة، وينبغي أن يكون ضحايا العنف الجنسي قادرين على الحصول على الخدمات على مدار 24 ساعة بمكان يتصف بالآمن والأمن والخصوصية، وعليه يعتمد مكان إجراء الكشف الطبي على طبيعة الحالة فقد يكون في عيادات المركز الوطني للطب الشرعي أو عيادة الطب الشرعي في المراكز متعددة التخصصات من مثل إدارة حماية الأسرة أو اقسامها في المحافظات، وفي الحالات التي يرافقها إصابات شديدة يكون الكشف الطبي في عيادات الطوارئ أو أقسام المستشفيات وفي بعض الحالات النادرة من الممكن إجراء الكشف الطبي الشرعي في غرفة العمليات إذا كانت حالة المعتدى عليها تستدعي إجراء تداخل جراحي عاجل.

ماهية الكشف الطبي الشرعي: يجب أخذ الموافقة من الضحية مهما كان عمرها، كما ويجب اخذ الموافقة الخطية من ولي الأمر أذا كانت الضحية طفلا أقل من 18 سنة، ويهدف أخذ سيرة التعرض للعنف الجنسي وظروفه للتحقق من حدوث العنف، ولتقرير أي الفحوص يجب أجرائها، كما ويشكل تواصل الطبيب مع الضحية بداية تقديم العلاج النفسي لها ويجب أخذ سيرة الاعتداء مرة واحدة فقط من قبل طبيب متمرس، على أن توثق وتعتبر جزءا أساسيا من الكشف الطبي.

يتم التحضير للكشف الطبي بشرح كافة الإجراءات للضحية بما يتناسب وعمرها فيتم شرح وضعية الكشف، ويوضح للضحية أن إجراءاته غير مؤلمة، وتشارك الضحية في تحديد الأشخاص المساعدين الذين من المتوقع تواجدهم في غرفة الكشف الطبي، ويتم الكشف السريري العام بتوثيق الإصابات في عموم الجسم من قبل طبيب متمرس في هذا المجال ويفضل أن يكون من قبل طبيب واحد على أن يتم التوثيق الرقمي بالحاسوب، كما ويتم استخدام جهاز الكولبوسكوب لتوثيق الإصابات والعلامات في منطقة الأعضاء التناسلية رقميا بالحاسوب، ويتم ضبط الأدلة الجرمية باستخدام "طقم العينات القياسي للاعتداءات الجنسية".


ما الفرق بين حالات الاستغلال الجنسي داخل الاسرة وبين باقي حالات العنف الجنسي؟

العلاقة بين الضحية والجاني في حالات العنف الجنسي داخل الأسرة تتصف بالاستغلال والسيطرة وعليه نادرا ما يشاهد علامات عنف أو إصابات على جسم الضحية.

قد تعاني الضحية من أعراض وتشاهد علامات لعواقب العنف الجنسي والتي تشمل حدوث الحمل وما قد يرافق ذلك من مخاطر كالولادة المبكرة والإجهاض والنزف، وكذلك التعرض للأمراض الجنسية المعدية بما فيها مرض نقص المناعة المكتسبة. الاضطرابات النفسية تكون أشد في الاستغلال الجنسي داخل الأسرة وخاصة عند وصول الفتاة مرحلة البلوغ والمراهقة، فقد تعاني من الكآبة أو متلازمة ما بعد الصدمة أو من الاضطرابات السلوكية العدوانية والانحراف والتغيب عن المدرسة وعن المنزل وهناك زيادة كبيرة في نسبة قيامهن بمحاولات الانتحار، وتعاني الأسرة من العزل الاجتماعي.

الأمراض الجنسية المعدية بما في ذلك نقص المناعة المكتسب (الإيدز) قليل الانتشار في مجتمعنا واحتمال تعرض الضحية للعدوى قليل جدا إلا أنه يتم تقييم جميع حالات الضحايا في حال وجود عوامل خطورة للتعرض لمثل هذه الأمراض، ووجد بضع حالات تعاني من أمراض جنسية معدية علاجها بسيط وسهل ولم تسجل أي حالة من مرض الإيدز.


لماذا لا يتم التبليغ عن جرائم الاستغلال الجنسي داخل الأسرة؟

الفتيات في كافة المجتمعات على الأغلب إلا يبلغن عن تعرضهن للعنف الجنسي داخل الأسرة بسبب الخوف من المعتدي، وقد يعتقدن أن ما يحصل هو نتاج خطأ منهن وبالتالي لا يبلغن بسبب شعورهن بالذنب. حالة الخوف والشعور بالذنب هذه تشكل حاجزا هائلا يمنع الإفصاح لأفراد الأسرة الأخرين لعدة سنوات، ومما يفاقم الأمر كبتاً لهن هو سلوك المعتدي الذي هو عادة أب أو أخ ذو سلطة عليهن والذي يتصف بالتحايل أو التهديد أو الرشوة مما يزيد من صمتهن.

ظروف الإفصاح عن الاستغلال الجنسي داخل الأسرة تتصف بما يلي:

(1) إن الاعتداء يحصل من قبل شخص يتوقع منه رعاية وحماية الفتاة فمن شبه المستحيل إفصاح الفتاة عن تعرضها للاستغلال الجنسي ضد شخص تكن له منذ صغرها الولاء والحب.

(2) هناك خوف لدى الفتاة التي تتعرض للاستغلال الجنسي داخل الأسرة، تبعا لعمرها، بإنها إن افصحت لأحد ما فإنه لن يصدقها أو قد يصاب بالصدمة أو بالرعب أو بالذهول.

(3) هناك ضعف وسلبية لدى الفتاة ضحية العنف الجنسي داخل الأسرة بسبب إقناعها من قبل المعتدي ذو السلطة المطلقة عليها أن ما تتعرض له هو سلوك طبيعي ومقبول.

(4) هناك نوع من التهديد الحقيقي أو الضمني من قبل المعتدي للفتاة ضحية العنف الجنسي داخل الأسرة كافٍ لكبحها وضمان استسلامها وسلبيتها وسرية استمرار تعرضها للعنف الجنسي من قبله.

(5) الخوف من الوصمة الإجتماعية والعار الذي قد يلحق بالأسرة في حال الإفصاح.

(6) وقد لا تفصح الفتاة بسبب غياب أو انشغال أفراد الأسرة الأخرين.


ما هي جذور وأسباب الاستغلال الجنسي داخل الأسرة؟

ليس هناك سبب واحد مباشر مرتبط بحدوث الاستغلال الجنسي داخل الأسرة وإنما حدوثه مرتبط بتوفر عوامل خطورة تتعاضد مع بعضها البعض لتوفير بيئة يحدث فيها الاستغلال وهي كما يلي:

عوامل الخطورة البيئية المتعلقة بالعنف الجنسي عامة تتقاطع بطبيعة الحال مع عوامل الخطورة المتعلقة بالاستغلال الجنسي داخل الأسرة وفي كلا الحالتين تتصف هذه العوامل بالفقر والجهل وغياب التعليم، والتفكك الأسري، الاكتظاظ السكاني، والأسر الكبيرة، وإساءة استخدام العقاقير والكحول، وهذه الأمور جميعها ترتبط بغياب الثقافة والمعرفة الجنسية.

أما عوامل الخطورة التي تشكل مجازفة أكبر في حالات الاستغلال الجنسي داخل الأسرة فتتكون من أن الطفلة ذات الاحتياجات الخاصة، إن كانت نفسية أو جسدية أو عقلية، تكون معرضه لخطر الاستغلال أكثر من غيرها، وإن غياب الأم الحقيقي عن المنزل أو غياب دورها في الأسرة يشكلان عاملا خطورة هامين، كمرضها المزمن أو تعرضها للعنف أو معاناتها من مرض نفسي أو إعاقة. كما وأن الانعزال الاجتماعي يشكل عاملا هاما لحدوث مثل هذه الجرائم.

عوامل تتعلق بالانفتاح على الثقافة الغربية السلبية من تقبل وجود المواد الإعلامية الجنسية والصور الخلاعية في كثير من المنازل بلا مبالاة ولكافة أفراد الأسرة في بعض الأحيان، عن طريق الفضائيات والأنترنت وأجهزة الحاسوب والهواتف النقالة، والذي أدى مع مرور الوقت إلى تقبل أشكال من العلاقات الجنسية خارج النطاق الشرعي بالزواج وبالتالي لزيادة إحتمال تعرض الفتيات داخل الأسرة للاستغلال الجنسي.

عوامل الخطورة المتعلقة بالعلاقة ما بين ضحية الاستغلال الجنسي داخل الأسرة والمعتدي والتي تتصف بالهيمنة الذكورية والسلطوية للأب على زوجته وبناته حيث يعتبرن ملك شخصي له. تعاضد ذلك مع غياب المرجعية الأخلاقية والدينية والعرفية الإجتماعية حول العلاقات الجنسية، يؤدي لتوفر بيئة حصول الاستغلال الجنسي للفتيات من قبل شخص محرم عليهن.

كما أن الثقافة السائدة حول الوصمة الإجتماعية والعار وانتهاك شرف الأسرة تشكل عامل خطورة تستغل من قبل المعتدي ليرتكب جريمته داخل الأسرة بصمت لأنه على يقين أن أيا من أفراد أسرته بما فيهم زوجته لن تفصح عن الاستغلال الجنسي حفاظا على سمعة الأسرة.


هل التشريعات الاردنية كافلة ورادعة لحقوق النساء ضحايا العنف الجنسي؟

لقد بينت دراستي الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقتان بالعنف ضد المرأة وبالعنف ضد الطفل أن المبادئ الأساسية التي يجب أن تتوفر في مجمل التشريعيات المتعلقة بمواجهة العنف تشمل مبدأ معالجة العنف باعتباره شكل من أشكال التميز وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، ومبدأ أن العنف ضد المرأة وضد الطفل غير مقبول بالمطلق وأن القضاء عليه هو مسؤولية وطنية، وأن ذلك لا يتم إلا برصد تنفيذ القواعد القانونية في التشريعات النافذة لتقييم مدى جودة تطبيقها عمليا، وإبقاء التشريعات على قيد المراجعة المستمرة، والعمل بمرجعية قانونية على ضمان سلامة المرأة والطفل داخل الأسرة وفي الأماكن العامة.

في مجال سن التشريعات شدد قانون العقوبات الأردني بالتعديلات الواردة في القانون المعدل لقانون العقوبات رقم 8 لسنة 2011 العقوبة على مرتكبي العنف الجنسي بشكل عام وخاصة الواقع داخل الأسرة، ووصل هذا التشديد إلى درجة مضاعفة العقوبة في بعض الجرائم، كما وأنطبق هذ التشديد على جميع الجرائم الجنسية الواقعة على الأطفال دون عمر الثامنة عشرة وجَرّم أشكالاَ للاستغلال الجنسي على الاطفال لم تكن مجرمة سابقا كالاستغلال الجنسي للأطفال ما بين 15 و18عاما.

هناك مسئولية على الدولة بما فيها السلطة التشريعية بموجب الدستور والقانون الدولي والالتزام بمعاهدات حقوق الإنسان لمنع العنف ضد المرأة وضد الطفل ومعاقبة مرتكبيه والقضاء عليه وهي مسئوليٌة لا تستطيع الدولة أن تحيلها لجهات اخرى، فالدولة هي الضامنة لحقوق مواطنيها من أطفال ونساء وأهمها الحق في الحياة والآمان والحرية من المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة والحماية من العنف، وهذه المسئولية لن تكون حقيقية على أرض الواقع إلا بموجب قوانيين وطنية ضامنة لهذه الحقوق تقرها السلطة التشريعية وتضمن كل من السلطة القضائية والسلطة التنفيذية تطبيقها.

على الرغم من التطور الإيجابي بتعديلات قانون العقوبات لعام 2011 الا أنه من أهم القوانيين التي لا زالت تنتهك حقوق الإنسان لضحايا العنف الجنسي من النساء داخل الأسرة، وإن كان بصورة أقل من بضعة سنوات خلت، هو تطبيق قانون منع الجرائم لعام 1954 بتنفيذ التوقيف الاحترازي لحمايتهن كبديل عن توفر منظومة صحية نفسية إجتماعية قانونية متكاملة وفاعلة تحترم حقوق الإنسان للتعامل مع هؤلاء الضحايا.


ما الذي يجب عمله لمواجهة الاستغلال الجنسي داخل الأسرة؟

برامج مواجهة العنف الجنسي بشكل عام تشمل برامج التعامل مع عوامل الخطورة المتعلقة به بمجال التوعية العامة للمجتمع والدعوى للمساوة بين الرجل والمرأة بما يتفق والثقافة العربية الإسلامية، والسيطرة على الإعلام الإباحي بتطوير التشريعات والرقابة، وتوفير الخدمات المهنية المدربة متعددة القطاعات لتقديم الرعاية للمعرضين للخطر وللضحايا بما في ذلك توفير وسائل تبليغ عن العنف آمنة وسهلة المنال.

أما المواجهة المباشرة والمحددة لمشكلة الاستغلال الجنسي داخل الأسرة فتشمل إعداد وتنفيذ برامج توعية بالمهارات الحياتية والبرامج التثقيفية للفتيات في المجتمع المحلي والمدراس مما يوفر زيادة احتمالية تبليغهن عن تعرضهن للاستغلال، ويتوقع أن تتحمل جهة وطنية مسئولية استمرارية تنقيذ مثل هذه البرامج.


ما هي طبيعة الرعاية المقدمة لضحايا العنف الجنسي داخل الأسرة؟

الرعاية العلاجية ورعاية المتابعة: يتوجب دراسة احتمال حدوث الحمل نتيجة الاعتداء الجنسي، ويجب إعطاء الضحية موانع الحمل التداركية إذا فُحصت أول مرة خلال الثلاثة أيام الأولى بعد تعرضها للاعتداء، أما إذا فُحصت بعد مرور ثلاثة أيام من الاعتداء، فتُنصح بالعودة مرة أخرى إذا انقطعت دورتها الشهرية التالية لإجراء اختبار حمل. يجب إجراء اختبارات الكشف عن العدوى بالأمراض الجنسية المعدية مثل داء السيلان والزهري وفيروس الإيدز والتهاب الكبد البائي واتخاذ قرار اتقاء العدوى المنقولة جنسياً وفقاً لكل حالة على حدة. يجب أن تحصل جميع المريضات على خدمات المتابعة متضمنة المراجعة الطبية اللاحقة وإحالتهن للمشورة وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني.

الدعم الاجتماعي والإرشاد النفسي لهما أهمية قصوى في الشفاء، فيجب أن تحصل المريضة على معلومات عن مدى الاستجابات الجسدية والنفسية والسلوكية المتوقع حصولها لديها كرد فعل للاعتداء وعن العواقب الاجتماعية للاغتصاب، وبناء عليه وباستقلالية تامة تأخذ الضحية قراراً بالموافقة الواعية بتلقي الدعم الاجتماعي والإرشاد النفسي.

توفر خلال السنوات الماضية عقار طبي يقلل من احتمالية الإصابة بمرض الإيدز وقد اجريت مع مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في الأردن تقييم أولي لاستخدم هذا العقار بعد إجراء التدريب الفني على استخدامه من قبل جميع الأطباء الذين يتعاملوا مع ضحايا العنف الجنسي وتهيئة البيئة المناسبة لاستخدامه، وهو متوفر ضمن مجموعة من العقاقير الوقائية الأخرى للأمراض الجنسية وعقار مانع للحمل في طقم واحد يطلق عليه "طقم الوقاية عقب التعرض للعنف الجنسي".


مما هي دواعي إجراء الإجهاض في حال حصول حمل لضحايا العنف الجنسي داخل الاسرة؟

بالرجوع لقانون العقوبات الأردني وقانون الصحة العامة والدستور الطبي فإنه لا يعتبر حصول حمل نتيجة التعرض لاعتداء جنسي، وإن كان داخل الأسرة، أحد دواعي إجراء الإجهاض المباح، فهذه القوانيين سمحت فقط بإجهاض المرأة حفاظا على حياتها أو صحتها، فالأصل أن هناك حق أساسي بالحياة لأي جنين وبغض النظر عن الظروف التي تكون بها، علما بأن توفير مانع الحمل التداركي عقب الاعتداء مباشرة لا يعتبر إجهاضا لأن حياة الجنين داخل الرحم لم تبدأ بعد، ويجب أن يوفر هذا المانع لكافة الضحايا على حد سواء تجنبا لدخول الضحية، في حال حصول حمل, مرحلة معانة نفسية واجتماعية بالغة الصعوبة.

إن التهديد الاجتماعي بقتل المرأة بادعاء الحفاظ على الشرف لا يدخل ضمن نطاق الحفاظ على حياة المرأة كداعي لإجراء الإجهاض المباح لأن القتل مُجَرّمْ أصلا ومن غير المصاغ قبول التهديد بحصول جريمة كمرجعية في تطبيق القانون. وأما الوصمة بولادة طفل خارج نطاق الزوجية وإن كان نتاج استغلال جنسي داخل الأسرة فهو تحد كبير يجب التعامل معه دون أي انتهاك لحق المرأة الضحية ولحق الطفل بالحياة، ويتوقع من مؤسسات المجتمع والدولة توفير الرعاية الأساسية لهؤلاء الأطفال.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير بالوقاية والحماية من العنف

bottom of page