top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

العنف الجنسي ضد الاطفال، الجذور، العواقب، الوقاية الشاملة



العنف الجنسي ضد الاطفال، الجذور، العواقب، الوقاية الشاملة
العنف الجنسي ضد الاطفال، الجذور، العواقب، الوقاية الشاملة

اهمية الوقاية الشاملة من العنف الجنسي ضد الأطفال:

تأسيسا على الحقيقة العلمية المسندة بحثيا بوجود عواقب العنف الجنسي ضد الاطفال الخطرة والمدمرة والسالف ذكرها فإنه يتوجب على المستوى الوطني أعطاء برامج الوقاية الشاملة من هذا العنف الأولوية القصوى قبل حصوله، لان الحالة السريرية للطفل بعد التعرض للعنف الجنسي لا يتوقع ان ترجع للوضع الطبيعي مهما قدم له من رعاية نفسية واجتماعية، ويعتبر العنف الجنسي مدمر لحياة الطفل كمرض السرطان تماما يتوجب الوقاية منه قبل حدوثه بتوعية عموم المجتمع بكافة المراحل العمرية، وتقديم برامج خاصة لفئات المجتمع المعرضين للخطر أكثر من غيرهم للحيلولة دون وقوعه.

في المجتمعات العربية ترتبط المعارف الجنسية بالخجل وتجنب التوعية بها، ان كان من الأهل داخل الأسرة او من قبل المعلمين، وفي العادة يصاب راعي الطفل او المدرس بالارتباك والتشويش عندما يستفسر الطفل عن أمور غامضة تتعلق بالجنس، وبالتالي يلجأ الطفل او المراهق لوسائل أخرى للحصول على المعرفة الجنسية إن كان من رفقاء او زملاء الذين يوفرون معلومات سطحية مشوهة، وفي الحقبة الحالية أصبح الحصول على المعلومات سهل المنال عن طريق الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية.

مخاطر التواصل حول الأمور الجنسية من خلال الأنترنت يتعدى كون المعلومات حول الجنس مغلوطة، لتوفير معلومات تشجع على الانحراف السلوكي والممارسات الجنسية الشاذة والإدمان على مشاهدة الصور والأفلام الخلاعية والاستغلال الجنسي عبر الأنترنت بتصوير الطفل خلاعيا، او استخدامه كوسيلة للالتقاء بالطفل والاعتداء عليه جنسيا.

بسبب الجهل والخجل من قبل الاهل وتوفر بدائل سهلة ومغرية للطفل بها خطر كامن، يتعرض الطفل او المراهق للإستغلال الجنسي او الانحراف الجنسي دون علم الاهل او المدرسة وقد يكون ذلك بعد فوان الأوان من القيام باي تداخلات وقائية.


عواقب العنف الجنسي على الأطفال تأخذ اشكال مختلفة كما يلي:

(1) العواقب الجسدية المباشرة تلحق الأذى والمرض بالطفل كإصابات الأعضاء التناسلية او الإصابات المرافقة لها في عموم الجسم، وتعرض الطفل للأمراض الجنسية المعدية بما فيها مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز.

(2) حصول الحمل لدى الضحايا اليافعات واضطرابات الصحة الإنجابية واضطرابات الوظائف الجنسية والعقم.

(3) الموت: تصل العواقب العنف الجنسي ضد الاطفال للوفاة إن كان بالقتل خلال الاعتداء عليه لإخفاء التعرف على القاتل او لدوافع نزوات شاذة، وقد يؤدي العنف الجنسي للوفاة بسبب تفاقم العدوى بمرض الأيدز، او خلال الإجهاض غير القانوني للفتاة الحامل أو الوفاة بسبب انتحار المراهق بالناتج عن الكآبة كأحد عواقب العنف الجنسي

(4) العواقب النفسية: يرافق جميع حالات العنف الجنسي ضد الأطفال حصول عواقب نفسية وسلوكية مباشرة ومتوسطة المدى وتشمل القلق المزمن، الاكتئاب، محاولات الانتحار، الفصام وأيضا اضطرابات الأكل، اضطرابات النوم، ضعف التكيف الاجتماعي، وعلى المدى البعيد تولد السلوك الجرمي وارتكاب العنف، وانحراف الأحداث، وأيضا ارتفاع معدل السلوكيات الخطرة مثل السياقة الخطرة، التدخين، السمنة، الانحراف الاخلاقي، ادمان الكحول وتعاطي المخدرات.

(5) العواقب الاقتصادية والإجتماعية: على الدولة والمجتمع وتشمل التكاليف المالية للخدمات الصحية المباشرة أو غير المباشرة، تكاليف علاج وتأهيل الإعاقات والأمراض النفسية، تكاليف خدمات الرعاية الاجتماعية، تكاليف خدمات الوقاية والحماية من العنف، تكاليف خدمات الرعاية البديلة، تكاليف التعامل مع الجريمة وتكاليف مراكز الإصلاح، وفقدان أو تدني الكسب المادي، وحصول الوفاة المبكرة.

جذور العنف الجنسي تقسم لعدة مجموعات:

1. مخاطر تتعلق بالثقافة السائدة بالمجتمع حول التكتم والوصمة المرتبطة بالثقافة الجنسي وتجنب التوعية عن العنف الجنسي والمخاطر المرتبطة به.

2. مخاطر تتعلق بعلاقة الطفل مع الأخرين، في الحي والمدرسة ومع الأقارب ومع المهنيين في المؤسسات التي تردد عليها الطفل.

3. مخاطر تتعلق بالطفل الضحية من مثل المعاناة من الإعاقة بمختلف اشكالها، او تدني الذكاء، او ان يكون سهل الانقياد، او يفتقد لمهارات التواصل الاجتماعي والحماية الذاتية.

4. مخاطر تتعلق بالمعتدي المحتمل كمعاناته من اضطرابات بالشخصية او شذوذ او نزوات سادية.

5. مخاطر تتعلق بالبيئة المحلية للأسرة كالانعزال الاجتماعي او الاكتظاظ السكاني ومخاطر تتعلق ببيئة المدرسة كغياب معايير السلامة في الساحات والاسوار.

6. مخاطر تتعلق بالبيئة في المجتمع المحلي والحي الذي يسكنه الطفل، كانتشار المخدرات والتعود على العقاقير المهلوسة أو المواد الطيارة.

وفيما يلي ملخص للمخاطر المشار اليها اعلاه وما يجب عمله للوقاية من خطر العنف الجنسي ضد الاطفال: 1) المخاطر المتعلقة بشيوع ثقافة الخجل والتكتم والوصمة السيئة من التوعية الجنسية للأطفال: في المجتمعات العربية بما فيها المجتمع الأردني تنتشر هذه الثقافة السلبية وتؤدي لغياب التوعية للأطفال في المنزل وفي المدرسة بما في ذلك غياب تطبيق برنامج وطني مستدام لمنهاج الثقافة الجنسية المناسب لمرحلة نمو الطفل، والذي يتم تجاهل تنفيذه من قبل وزارة التربية والتعليم والحكومة بسبب الخجل وثقافة العيب الشائعة بين التربويين كما هي في عموم المجتمع. على الحكومة تنفيذ هذا البرنامج والذي له مرجعيات علمية مسندة بالبحث المتفق مع ثقافة المجتمع المحلي، وعلى الحكومة أيضا توفير برامج توعية والدية للأهل حول كيفية التعامل مع أطفالهم بما يخص المعرفة الجنسية، ولكن وللأسف لم يكن هناك أي مبادرة اجتماعية للتوعية الوالدين في الأمور الاجتماعية بما فيها الثقافة الجنسية.

2) المخاطر المتعلقة بغياب برامج توعية مستدامة للوقاية الشاملة من العنف ضد الأطفال قبل وقوعه. يتوقع ان تقوم ا لحكومة بالتخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرنامج مستدام للحماية من كافة اشكال العنف ضد الطفل بما فيها العنف الجنسي، يشمل المؤسسات التربوية والصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني، تهدف لنشر ثقافة حقوق الطفل والتوعية من المخاطر المحتملة والتثقيف الحقوقي والقانوني. للأسف كان هناك في الاردن عدة محاولات لبرامج توعية ورغم جودتها الا انها كانت تفتقد الاستدامة بسبب كونها ذات تمويل بمنح خارجية تنتهي بانتهاء التمويل ولم تتحمل الحكومة مسؤولية استمرارها.

3) المخاطر المتعلقة بالأماكن التي يتوقع ان يتواجد بها الأطفال عادة تستوجب مراقبة الأطفال حسب مرحلة نموهم أثناء لعبهم إن كان في الأماكن العامة أو ساحات المدارس أو في الأحياء او النوادي الرياضية، وخلال ذهابهم وإيابهم من المدرسة، فلا يتوقع ان يترك أي طفل دون رقيب مسؤول عنه في مثل هذه الأماكن إذا كان عمره اقل من 11 إلى 12 سنة أو إذا كان يعاني من أعاقة عقلية وحسية أو تدني في مستوى الذكاء أو ذو شخصية انطوائية.

4) المخاطر المتعلقة بأماكن تواجد الأطفال عدا المدرسة والمنزل: توفر النوادي الرياضية، والنوادي به المعتدي جنسيا بالطفل ليرتكب جريمته وعليه يتوقع ان يكون هناك رقابة صارمة ذاتية من قبل الإدارة هذه المؤسسات ومن قبل الحكومة بنصوص تعليمات واضحة وصارمة.

5) ضبط علاقات الاطفال وخاصة المراهقين مع البالغين الأخرين، حتى وإن كان من الأقارب، والتحقق من سلامة العلاقة والخلفية السلوكية والأخلاقية لهم، ويتوقع ان يتم ذلك بالتواصل الراقي دون عنف او توبيخ او لوم الطفل على علاقته بالأخرين، وكما يتوقع أن يتم ضبط العلاقة ومراقبة العاملين بالمنزل إن كان من النساء مدبرات المنزل أو السائق او حارس العمارة.

6) مخاطر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الرقمية: يتوقع من الحكومة ان تقوم ببرامج مراقبة لمقاهي الأنترنت التي قد يتردد عليها الأطفال والمراهقين، وعلى أماكن بيع المواد والوسائط الرقمية، وكان هناك مطالبات لم تستجب لها الحكومة بحجب المواقع الإلكترونية الإباحية، الا انه يتوقع من الحكومة أن تعمل على الرقابة الحثيثة لمستغلي الأطفال عبر الأنترنت بكافة اشكاله بواسطة برمجيات وأجهزة متخصصة تسمح لضباط البحث الجنائية الدخول على مواقع الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي لكشف المتحرشين جنسيا بالأطفال. الرقابة على الأنترنت هي أيضا واجب على أهل الطفل في المنزل وعلى المعلم في المدرسة، ويتم ذلك أيضا بالتواصل الراقي مع الطفل بحب وعطف بأجواء تتصف بالاطمئنان دون قمع أو عنف أو تهديد بحجب التكنولوجيا الرقمية على الطفل.

7) مخاطر الأبنية والأماكن المهجورة: يتوقع من الحكومة ان تنزيل او تحمي الأبنية المهجورة او تجبر مالكيها على ذلك، لإزالة مكان شائع يتم به الاعتداء جنسيا على الأطفال، ونطبق ذلك على الكهوف والأنفاق المهجورة البعيدة عن الأماكن السكنية، ويتوقع من الأهل والمعلمين أن يحذروا الأطفال والمراهقين من التوجه لهذه الأماكن.

8) مخاطر تتعلق بالمهنيين الذين يتعاملون مع الأطفال: التأكيد من الأسبقيات الجنائية والسلوك الأخلاقي لجميع العاملين مع الأطفال في كافة المؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحية والقانونية لنفي ان يكونوا من "عاشقي الأطفال". كما ويجب تدريب المهنيين الذين يتعاملوا من الأطفال حسب مراحل نموهم حول وسائل وطرق التوعية والوقاية من العنف بما فيه الجنسي قبل وقوعه، وأيضا بتوفير المعرفة والتدريب على مهارة الكشف المبكر على حدوث العنف أو تحديد مجموعات الاطفال المهددة بالعنف أكثر من غيرها. ويتوقع من المراكز التي يعمل بها المهنيون المدربون توفير فعاليات ونشاطات صحية مراقبة ولها مرجعية علمية توفر الحماية والقدرة على ضبط النفس وتجنب السلوكيات الفاسدة والمنحرفة.


على من تقع مسؤولية الوقاية الشاملة من العنف الجنسي على الاطفال؟ تنص المادة 34 من اتفاقية حقوق الطفل على "تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع: (أ) حمل أو إكراه الطفل على تعاطى أي نشاط جنسي غير مشروع،(ب) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة،(ج) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة. حسب هذه المادة تقع المسؤولية المباشرة على الوقاية الشاملة من العنف على الحكومة، لكل طفل يتواجد على ارض الدولة العضو، وهذا يعني في الأردن كل طفل في القرى والبادية والريف والمدن والمخيمات "القديمة والمستجدة" ومهما كانت جنسية الطفل، كما ورد في الفقرة الاولى من المادة الثانية من أتفاقية حقوق الطفل "تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.

توفير خدمات الأستجابة المعيارية لضحايا العنف الجنسي ضد الأطفال متعددة القطاعات الصحية والاجتماعية القانونية، والتي تسمى الوقاية الثالثية او الوقاية المحددة (Indicated Prevention)، ليس بديلا باي حال من الأحوال عن الوقاية الأولية لعموم المجتمع المعروفة بالوقاية الاولية او الوقاية الشاملة (Universal Prevention)، كما ان برامج الوقاية من العنف الجنسي للأطفال المعرضين للخطر أكثر من غيرهم كذوي الاعاقة او الاطفال المهمشين او المهاجرين الخ... المعروفة بأسم الوقاية الثانوية او الإنتقائية (Selective Prevention)، هي ايضا ليست بديلا عن الوقاية الأولية الشاملة. اي انه يتوجب ان تعمل الحكومة ببرامج محددة في الثلاثة مسارات بشكل متوازي ولا يعتبر اي مسار منها بديلا عن المسارات الأخرى. الاساس في الوقاية الشاملة من العنف الجنسي ضد الاطفال انها مسؤولية الحكومة بمرجعية الاتفاقيات الدولية والدستور الأردني، واي جهود وبرامج تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية يجب ان تكون في سياق هذه المسؤولية وداعمة لها وليست بديلا عنها وهذه البرامج وللأسف عادة تنتهي بإنتهاء التمويل دون ان تتحمل الحكومة مسؤولية الإستدامة لهذه البرامج. هناك مسؤولية اساسية للاسرة في حماية الطفل من العنف بما في ذلك العنف الجنسي، وتكون الاسرة قادرة على حماية الطفل أذا كانت لا تتصف بالتفكك ولا يعاني افرادها من الآفات الاجتماعية كالإدمان على المخدرات اوالكحول ولا يعانون من الأمراض النفسية، وان لا يكونوا من مرتكبي الجرائم او مسجونين وأن لا تعاني الأسرة من الفقر والتعطل عن العمل، او تيتم اطفالها، او انها تتصف بشيوع العنف ما بين الزوجين او ما بين افرادها الاخرين. وجود هذه الأحوال بالاسرة يشكل عوامل خطورة لتعرض اطفالها للعنف بما في ذلك العنف الجنسي، وعليه يتوجب على مؤسسات حماية الطفل الرسمية والخدمات الاجتماعية الحكومية التدخل لحماية الأطفال في حال وجود هذه المخاطر الأسرية التي تهدد الطفل وتنتهك حقوقه. ان تعارضت المسؤليات وتقاطعت لحماية الطفل ما بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والاسرة، فإن المرجعية الدستورية والقانونية والحقوقية تشير إلى ان الحكومة هي المسؤولة عن حماية الطفل والتنسيق بين هذه الجهات لضمان ذلك.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي

الخبير بالوقاية من العنف والإصابات

٣٦٤ مشاهدة
bottom of page