top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الأمن والأمان والحماية الاجتماعية في الأردن


الأمن والأمان والحماية الاجتماعية في الأردن
الأمن والأمان والحماية الاجتماعية في الأردن

"الحماية الاجتماعية" كما حددها معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية، هي الوقاية من، ومواجهة العقبات والتحديات المناوئة لرفاه المواطن، وهي أيضا تنفيذ البرامج التي تحقق هذه الرفاه.

تتكون الحماية الاجتماعية من سياسات وبرامج مصممة للحد من الفقر والتهميش من خلال تعزيز فرص العمل الفعالة والحد من تعريض المواطنين للمخاطر والعمل على تعزيز قدرتهم على التعامل مع المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والبطالة والتهميش والمرض والعنف والإعاقة والشيخوخة.


الأمن هو ما تقوم به الحكومة لحماية الأرض والإنسان وهو بالأساس سبب وجودها وليس مهمة اختيارية يمكن تأجيلها او التراخي بتنفيذها، وللأمن مكونات عسكرية، إجتماعية، اقتصادية، سياسية وبيئية، أما الأمان فهو استشعار المواطن لهذا الأمن.


الامن الاجتماعي (الحماية الاجتماعية) في الدستور الاردني والمواثيق الدولية:

الحفاظ على الأمن الاجتماعي والحماية الاجتماعية، بمرجعية الدستور الأردني والمواثيق الدولية، ليس أمرا اختياريا للحكومة أن تقوم به من عدمه، فهو أمر واجب التنفيذ فورا وهدف واجب التحقيق ولا مجال به للتأويل أو تعليل الفشل أو الإخفاق، وهو في الأساس سبب وجود الحكومة:

نصت المادة السادسة من الدستور الأردني {...الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني... تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين... يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال...} ونصت المادة ٢٣ من هذا الدستور على أن {العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به} نصت المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان {لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه}

نصت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على {تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل...} ونصت المادة 9 من هذا العهد {تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية} والمادة 11 {تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية... واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع...} ونصت المادة 12 على { تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه... تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض} ونصت المادة 13 على { تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية...} ما هو واقع الامن الاجتماعي (الحماية الاجتماعية) في الاردن؟

بعبارة "بلد الأمن والأمان" علينا أن نفكك المصطلحات، دون تكرار إطلاق عبارات وهمية تُفرّغ من مضمونها، إن كان ذلك بهدف التملق لمسؤول أو وزير أو رئيس وزراء، وإن كان بالتعود على اجترار هذه العبارات الذي أفقدها اجترارها معناها الحقيقي، أو حتى بسردها من قبل مواطن بسيط أجري معه لقاء عشوائي على شاشة التلفاز الحكومي. هل "الأمن" في هذه العبارة يقصد به غياب الإرهاب فقط ام يتضمن الأمن والحماية الاجتماعية؟


هل هناك أمن اجتماعي بهذا الارتفاع الجنوني للأسعار وفرض الضرائب عشوائيا، وهل هناك أمن اجتماعي بتدني الرواتب وشيوع الفقر والتعطل عن العمل وغياب الاستثمار. هل هناك أمن اجتماعي بتآكل رواتب المتقاعدين، وهل هناك أمن اجتماعي بالمخاطرة بهدر مدخرات الضمان الاجتماعي واستنزافها من قبل الحكومة في بيئة فاسدة، وهل هناك امن اجتماعي بغياب السكن اللائق للمواطن وبمخاطر الأبنية الآيلة للسقوط.


هل هناك أمن اجتماعي باستشراء آفة غياب هيبة الدولة وشيوع السطو المسلح على البنوك ومحطات البنزين ومحلات الصرافة، وهل هناك امن اجتماعي بانتشار العنف المجتمعي وعنف الفتيان في الجامعات والكليات والمدارس، وهل هناك أمن اجتماعي لما وصل إليه فتيان الوطن من سطحية وجهل ونزعة نحو العنف وتعاطي الجوكر والمخدرات.


هل هناك أمن اجتماعي بشيوع الاستغلال والعنف ضد مُكَمَمي الأفواه من ذوي الإعاقة وفاقدي السند الأسرى وضحايا العنف الأسري من أطفال ونساء وتردي الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية المقدمة لهم، وهل هناك أمن اجتماعي بالتراخي في توفير الرقابة على حضانات الأطفال وانتشار العنف والإهمال بها، وهل هناك أمن اجتماعي بتكرر العثور على أطفال متخلى عنهم بجانب الحاويات أو على قارعة الطرقات أو امام المساجد، وهل هناك أمن اجتماعي عندما يقتل شاب والدته لأنه مدمن ولم يتوفر العلاج النفسي له، وهل هناك امن اجتماعي عندما تقتل أم ابنها أو اب يقتل أفراد أسرته ومن ثم ينتحر.


هل هناك امن اجتماعي عند تردي الخدمات لمرضى التوحد، وعندما تشيطن وزارة التنمية الاجتماعية "الأطفال في نزاع مع القانون" وتصنفهم بالمجرمين، وعندما تحجب الآليات المستقلة للرقابة والتفتيش على مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وعندما يتعرض الأطفال ذوي الإعاقة والتوحد للعنف والاستغلال في مراكز الرعاية الاجتماعية، وهل هناك امن اجتماعي بفشل منظومة التبليغ وتردي خدمات الحماية لحالات العنف ضد الأطفال في المدراس والمراكز الصحية والمستشفيات، وهل هناك امن اجتماعي بشيوع عمل الاطفال، وعدم حمايتهم من الاستغلال والعنف في اماكن عملهم.


هل هناك أمن اجتماعي عندما لا تضمن وزارة الصحة الأدوية للمرضى المؤمنين صحيا وعندما يحجب العلاج عن مرضى السرطان وعندما يستجدي والدي طفل علاجه من مرض خطير ونادر على مواقع الإنترنت، وعندما يرفض طوارئ مستشفى حكومي علاج حالة طارئة لعسكري، وعندما تعرف أنك لن تحصل على تقرير طبي الا بواسطة، ولن تأخذ موعد لصورة شعاعية الا بمحسوبية، وعندما تذهب لمركز صحي وتجد العفن والرطوبة والنفايات، وعندما تعلم ان خدمات الطب النفسي شبه غائبة عمليا. هل هناك أمن اجتماعي عندما تتوفى طفلة في مستشفى حكومي بسبب بيروقراطية الحصول على تأمين صحي، او عندما يتوفى مريض بسبب خطأ طبي أو بسبب نقص الأطباء وسوء الخدمات دون تحقيق شفاف مستقل. هل هناك أمن اجتماعي إذا ارتفعت نسبة المبيدات الحشرية في الخضروات والفواكه، وإذا بيعت الأطعمة فاسدة او منتهية الصلاحية للمواطنين.


هل هناك أمن اجتماعي بشيوع التنمر في المدارس والعنف ضد الطلاب من قبل معلميهم والعنف ضد المعلمين من قبل الطلاب واهاليهم، هل هناك أمن اجتماعي عندما تفشل وزارة التربية والتعليم في مواجهة هذه الظواهر. هل هناك أمن اجتماعي بتردي منظوم التربية والتعليم وشيوع التدخين والمخدرات والعنف ما بين الطلاب. هل هناك أمن اجتماعي بتردي البيئة التحتية لأغلب المدارس الحكومية.


"الأمن والأمان":

كما ذكر في المقدمة، هناك فرق بين الأمن والأمان؛ فالأمن هو ما تقوم به الحكومة لحماية الأرض والإنسان وهو بالأساس سبب وجودها وليس مهمة اختيارية يمكن تأجيلها او التراخي بتنفيذها، وللأمن مكونات عسكرية، إجتماعية، اقتصادية، سياسية وبيئية، أما الأمان فهو استشعار المواطن لهذا الامن، فإنجازات الحكومة عند وجود هذه الانجازات هي معايير الأمن، لكن الحكومة لا تستطيع أن تجبر المواطن ان يشعر بالأمان قسرا وإكراها بغياب الأمن الاجتماعي بتفاقم الفقر والتعطل عن العمل ورفع الضرائب وفقد القوة الشرائية للدينار، ولا تستطيع الحكومة ان ترغم المواطن بان يشعر بالأمان بغياب التأمين الصحي لجميع المواطنين وباستمرار نقص الخدمات الطبية وخاصة بالمحافظات، ولا تستطيع الحكومة إجبار الأم العاملة على الشعور بالأمان وطفلها في حضانة يتعرض للإهمال والعنف، وليس هناك شعور بالأمان لدى والدي طالب جامعي قد يشارك أو يصاب بعنف جماعي او يُكتشف انه تعود على المخدرات، ولن يشعر المواطن بالأمان مع مخاطر تناوله الطعام المسرطن بالمبيدات الحشرية...


مع كل الاحترام والتقدير للجيش العربي وتحقيق الأمن العسكري بالحفاظ على حدود الوطن، الا ان معايير الأمن تتعدي المكون العسكري لمكونات الأمن الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، والبيئية، فحكومة بعد حكومة تدعي الإصلاح باطلا، يردد المسؤولون بها عبارة "نحن في بلد الأمن والأمان" محاولين غسل الأدمغة... لكن علينا مواجهة الواقع التالي:

  1. حكومات مديونة للبنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية بمليارات الدنانير، واولى اولويات رئس الوزراء والوزراء هي اللجوء لجيب المواطن المنهك أصلا بتدني الرواتب والفقر والبطالة.

  2. وزراء أتقنوا الاستجداء وطلب المال من القاصي والداني ومن العرب ومن العجم، بداعي وبدون داعي، وليس لهم علاقة بما في باطن الأرض وما على سطحها من خيرات ومن بشر.

  3. مؤسسات حكومية وشبه حكومية تدار بمرجعية الإقطاع النخبوي والعوائل المتنفذة، نخرها الفساد ولا رقابة على اموالها ولا معايير تقيس انجازها.

  4. المشاركة بالشأن العام والديمقراطية هما وهم وأكذوبة الأغنياء على الفقراء، ومطية اصحاب الفساد الأكبر على اصحاب الفساد الأصغر، وخداع قادة الجاهات ورجالات الدولة للمواطن البسيط، ففي اعلى قائمة المهام العرفية لقادة الشأن العام أولوية تنفيذ واسطة للحصول على عطاءات أو الحصول على وظيفة او حتى واسطة دعم من صندوق المعونة الوطنية.

  5. مجالس نواب مسيرة بدون خيار ذاتي وغير معنية بأولويات الوطن والمواطن ولا بحقوقه.

  6. عجز مربك بالتعامل مع شيوع ثقافة تجهيل اليافعين؛ ثقافة لها مرجعية بائدة تقبل الغيبيات والقوى الخفية وحتى السحر والشعوذة.

  7. قادة في المجتمع لهم عقليات مغلقة بحقد وكراهية وضغينة وغل مرجعيتهم المناطقية، المذهبية، الطائفية، الإقليمية، وحتى السلالة، والعرق، فلا تزدهر محافلهم إلا بعد الاقتتال ولا يتألقون اعلاميا الا بعد حدث كعنف جماعي.

لن يستشعر المواطن الأردني "الأمان" إلا بإنجازات تقاس بمعايير تشمل كافة مكونات "الأمن" الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والبيئية بالإضافة للمكون العسكري.

قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} والله من وراء القصد وهو عليه السبيل.

الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي

الخبير في الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان

bottom of page