تكرار قتل الاطفال داخل أسرهم، ما هو الرقم الدقيق لوفيات الأطفال الناجمة عن العنف ضدهم؟
الصورة السائدة لدينا بما يتعلق بالوفيات الناتجة عن العنف ضد الأطفال هي صورة غير مكتملة وتعكس فقط عدد قليل من الحالات التي تمت تغطيتها بشكل قوي في وسائل الإعلام وهي لا تمثل الواقع بأي شكل من الأشكال، كما وأن مدى إنتشار العنف القاتل ضد الأطفال لا يمكن قياسه من خلال إحصائات مرتكزة على مسح السكان لأن توجيه أسئلة للوالدين حول وفاة أطفالهم الذين قد يكون بعضهم قد مات نتيجة عنف من غير المتوقع أن يفضي الى الحصول على إجابات صادقة، وكذلك لا يمكن الحصول على رقم دقيق حول عدد وفيات الأطفال الناتجة عن العنف من خلال سجلات الحالات التي تصل لمقدمي الخدمات لأن أغلب هذه الوفيات تحصل بشكل متسارع لا يوفر فرصة لعرض الطفل على الأطباء الشرعيين وقد يتم دفن جثة الطفل دون إجراءات التشريح القضائية، والسبيل الوحيد لمعرفة الرقم الحقيقي لوفيات الأطفال الناجمة عن عنف هو تطبيق نظام الكشف الطبي الشرعي التشريحي على جميع وفيات الأطفال المفاجئة المرافق لتطبيق نظام الإبلاغ عن وفيات الأطفال بشكل محكم وكذلك تطبيق نظم فرق مراجعة وفيات الأطفال متعددة القطاعات الإجتماعية والقضائية والطبية. هل يمكن الوقاية من العنف القاتل ضد الأطفال؟ منذ عدة سنوات ومع كل وفاة طفل بظروف عنف وتعذيب من قبل من يرعاه، نشعر بهول الصدمة ، ويتم طرح التساؤلات المؤلمة لماذا؟ أين الخلل؟ أين برامج الوقاية، على من تقع مسؤولية حماية هؤلاء الاطفال وأسرهم؟... إن حصر مواجهة العنف المميت ضد الأطفال في البحث عن "من هو المعتدي؟" هل هو أب، زوجة أب أو خالة أو أم، يتصف بتبسيط الأمور لدرجة السذاجة، لأن مواجهة العنف ضد الأطفال هو مسؤولية وطنية وتحد كبير يتجاوز حماية صحة الفرد والأسرة والمجتمع الى الإلتزام بحماية حقوق الطفل والإنسان بالشرائع السماوية والقانون والإتقاقيات الدولية. إن قتل الاطفال بدم بارد طعنا وذبحا من قبل والدهم (كما حصل في جريمة الجفر مؤخرا) يشير لواقع أليم وهو أن هناك إخفاق في الوقاية من العنف ضد الأطفال بما فيه العنف القاتل ضدهم وللأسف هذا الواقع موجود بشكل موازي لإعلان المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وحتى المؤسسات الدولية عن برامج تدعي الحفاظ على حقوق الطفل ضمن إطار الإتفاقيات الدولية. إن مجرد الإعلان عن الإلتزام بحق الطفل بالحماية من العنف لم يمنع وفاة العديد من الاطفال، وغضب كامل المجتمع الأردني عقب موت اي طفل قتلا لم يقي من وفاة غيرهم من الأطفال. وفيات هؤلاء الاطفال قتلا تشير ألى أن جهود الحكومة لا تزال متعثرة في مجال الإصلاحات القانونية لمواجهة العنف الأسري بما في ذلك العنف ضد الطفل، الأ أن العائق الحقيقي وبإعتراف أغلب الجهات الحكومية هو تضاؤل الإستثمار في مجال إعداد وتنفيذ الإستراتجيات والسياسات ورصد وتقييم المداخلات التي تتعامل مع جذور العنف وعواقبه بمرجعية الدليل العلمي المسند بالأبحاث. ما هي أسباب هذه الفجوة بين الإلتزام المعلن من قبل الحكومة بالوقاية من العنف ضد الطفل بمرجعية حقوق الإنسان وبين الإستثمار الحقيقي في مجال إعداد وتنفيذ الإستراتجيات والسياسات وبرامج الوقاية؟ أولا: هناك نزعة سلبية لدى المسئولين والمهنيين بالتعامل مع مشكلة العنف ضد الاطفال بعدم تصديق وجودها، وإن أعترف بوجودها إستثناءاً فإن ذلك يتم بتأثر عاطفي وحساسية وفي بعض الأحيان بغضب، أما التعامل مع برامج مواجهة العنف ضد الأطفال فيتم بعشوائية بعيدا عن المهنية. ثانيا: عدم تقدير كلفة العنف ضد الأطفال الإجتماعية والإقتصادية على الدولة، فلا يوجد إهتمام حقيقي بتفهم أن حماية الطفل من العنف الآن هو إستثمار في حماية المجتمع مستقبلا. لقد أثبتت الدراسات أن الطفل المُساء إليه أكثر عرضة من غيرة لخبرات الحياة المناوئة من مثل التدخين، تناول الكحول، المخدرات، وبالتالي أمراض القلب والكبد وكذلك أكثر عرضة للسلوكيات العنفية من مثل الإنتحار وإرتكاب الجرائم. ثالثا: لا زال العنف ضد الطفل غائبا عن الإستراتجيات الوطنية للصحة العامة، وهناك ترددا وضحا من اعتبار العنف بما في ذلك العنف ضد الطفل مشكلة صحية عمومية لها أولوية ببرامج الوقاية الأولية وتوفير البيئة الملائمة في القطاع الصحي للإكتشاف المبكر والتبليغ عن حالات العنف ضد الأطفال وبالتالي الوقاية من وفيات الأطفال بسبب العنف. رابعا: عدم الإدراك أن خدمات الإستجابة للعنف عقب حصوله، ليست بديلا بأي شكل من الإشكال عن برامج الوقاية الأولية من العنف قبل حصوله وليست بديلا أيضا عن برامج الإكتشاف المبكر وآليات التبليغ عن العنف في القطاعات التعليمة والصحية والإجتماعية. إن العنف ضد الأطفال ليست بالمشكلة التي يمكن حلها ببساطة من خلال استجابات "رد فعلية" لوفاة طفل بسبب تعرضه للعنف، بل هي مشكلة شائعة معقدة تحتاج لتدخل على المستوى الوطني بأسلوب منهجي قائم على الدليل بالأدبيات العلمية يتعامل مع جذور العنف على كافة المستويات التي تمتد من الثقافة السائدة بالمجتمع التي تعظم العنف إلى البيئة المحلية للأسرة التي يتولد بها العنف إلى التعامل مع الاختلال بالعلاقات ما بين المعنف والضحية إلى عوامل الخطورة الفردية المتعلقة بالفرد كالاضطرابات والأمراض النفسية. لقد أثبتت الأدبيات العلمية وبكل تأكيد، أن العنف ضد الطفل أمر يمكن الوقاية منه بتكثيف الجهود للتعامل مع جذور العنف وبالإكتشاف المبكر للحالات قبل تفاقهما، ويجب أن نحذر من أن الإخفاق في ذلك لن يؤدي الإ الى مزيد من وفيات الأطفال، وإن لم تعتمد هذه المرجعية الوقائية فلن يكون هناك أية فائدة من لجان تحقق في وفيات هؤلاء الأطفال ولا من غضب المجتمع على موتهم. إن من أنتهك حقوق هؤلاء الأطفال ليسوا المجرمين الأشرار الذين قاموا بتعذيبهم والذين يستحقون أشد عقاب، إن من أنتهك حقهم بالحياة والحماية هي الحكومة التي أخفقت أنظمتها في كشف حالتهم مبكرا وبالتالي الوقاية من موتهم تعذيبا.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي الخبير في حقوق الطفل والوقاية من العنف والجريمة
Comentários