top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

استئصال الرحم لدى الفتيات المعاقات، انتهاك لحقوقهن


استئصال الرحم لدى الفتيات المعاقات
استئصال الرحم لدى الفتيات المعاقات

استئصال الرحم لدى الفتيات المعاقات

هناك طلبات من قبل بعض اطباء جراحة النسائية والتوليد بالسماح لهم قانونيا وأخلاقيا إجراء عمليات جراحية لاستئصال رحم فتيات بعمر المراهقة يعانين من إعاقات مختلفة استجابة لمخاوف الأب أو الأم من تعرضهن لاستغلال جنسي وبالتالي حصول الحمل لديهن، وقد يطلق بعض الأطباء وبعض أهالي المعاقين مسميات تجميلية مختلفة على مثل هذا الإجراءات من مثل "علاج معاناة البلوغ لدى الطفلة المعاقة" أو "التعامل مع الآم الطمث لدى الطفلة المعاقة" أو "الحفاظ على طفولة الطفلة المعاقة" إلا أن محاولة إحاطة هذا الإجراء بعبارات تبدو منطقية لا يغير شيئا من كونها انتهاكا صارخا لحقوق الأنسان.

حقوق الطفلة المعاقة، وبغض النظر عن طبيعة إعاقتها، مثلها مثل قريناتها المراهقات غير المعاقات حق أساسي أن تنمو مراحل عمرها وجسمها مكتملا غير منقوص لأي سبب من الأسباب، وأن أي استئصال لأي جزء من جسمها بما في ذلك رحمها هو انتهاك لحقها بالمساوة وعدم التميز، وحقها بالصحة وهو انتهاك لخصوصية جسمها لا يمكن تبريره بأي دواعي طبية قاصرة تخفي ورائها عجزا واضحا في حماية الأطفال المعاقين من كافة أشاكل العنف الموجه ضدهم بما في ذلك العنف الجنسي.

حماية الفتيات المراهقات، إن كن معاقات أم لا، من العنف الجنسي وعواقبه يحتاج إلى رعاية وقائية تمنع حدوث العنف ابتداء بتوفير البيئة الآمنة الحامية لهن من أية عوامل خطورة، وفي حالة حدوث العنف الجنسي يجب توفير الإجراءات الطبية بإعطاء عقار منع الحمل الاستدراكي وعلاج الأمراض الجنسية المعدية وتوفير العلاجات الوقائية من الأمراض الخطيرة من مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي. ومن غير المنطقي إجراء استئصال الرحم للفتاة المعاقة خوفا من افتراض تعرضها للعنف الجنسي وبالتالي حملها والتراخي بحمايتها من عوامل خطورة التعرض لهذا العنف، إن هذا سيتركها عرضة للأمراض الجنسية المعدية بما فيها الإيدز، والمعاناة النفسية التي ستعاني منها ايضا وإن كانت معاقة.

إتفاقية حقوق الطفل

إن حماية كافة الأطفال من العنف بما فيهم الفتيات المراهقات وإن كن معاقات، وبعض النظر عن شدة الإعاقة، هي مسئولية إجتماعية مشتركة ما بين والدي الطفل والدولة وإن الحكومة ملتزمة بحماية كافة الأطفال من جميع أشكال العنف كما نصت المادة 19 من إتفاقية حقوق الطفل: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية..." ويشمل ذلك بطبيعة الحال الأطفال المعاقين فقد نصت المادة 23 من نفس الاتفاقية على أن "تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع. وتعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة...)

اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

نصت المادة 16 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، داخل منازلهم وخارجها على السواء، من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء، بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس"، كما ونصت المادة 23 من هذه الاتفاقية بخصوص احترام البيت والأسرة على أن "تتخذ الدول الأطراف تدابير فعالة ومناسبة للقضاء على التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المسائل ذات الصلة بالزواج والأسرة والوالدية والعلاقات، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، وذلك من أجل كفالة ما يلي... حق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك الأطفال، في الحفاظ على خصوبتهم على قدم المساواة مع الآخرين".

إن استئصال رحم الطفلة المعاقة خوفا من الحمل الناتج عن الاستغلال الجنسي المفترض هو إنتهاك لحقها بالرعاية الخاصة التي نصت عليها المادة 23 من إتفاقية حقوق الطفل وتراخي في حمايتها من هذا العنف وبالتالي انتهاكا لحقها بالحماية كطفلة الذي نصت عليه المادة 19 من نفس الاتفاقية وحقها بالحماية كمعاقة كما نصت عليه المادة 16 من إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

حماية الفتيات المعاقات من العنف الجنسي ليست خيارا إضافيا للرفاه عنهن، بل هو واجب والتزام قانوني تتحمل الدولة مسئوليته تأسيسا على الاتفاقيات الدولية ومن غير المنطقي التعامل معه باستئصال إرحامهن.

السماح باستئصال رحم الطفلة المعاقة هل سيكون مقدمة لاستئصال أرحام المريضات نفسيا أو تعقيم الأطفال الذكور المعاقين عند وصولهم سن البلوغ أو تعقيم المرضى النفسيين وربما الذين يعانون من اضطرابات بالشخصية، وقد يكون ذلك مقدمة لإباحة الإجهاض والقتل الرحيم. هذا الجدل يضع تحت الضوء مواضيع أخلاقية عديدة وعلامات استفهام حول كيفية تعامل مجتمعنا مع ذوي الإعاقات، ويوضّح أن هناك غياب لاحترام إنسانية المعاقين، وهو مؤشر حقيقي على انتهاك حقوقهم، لأنه لا يجوز إجراء إي تداخل طبي لأي إنسان الا بوجود دواعي طبية واضحة متفق عليها تحترم الإنسان وإن كان معاقا.

الاستئصال مخالف للأخلاقية المهنية والدستور الطبي

إن تعريض طفل لعملية جراحية كبرى بدون داعي طبي واضح من مثل استئصال الرحم لطفلة معاقة، وما قد يرافق هذه العملية من أخطار كامنة لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال بأنه يهدف لتحقيق مصلحة الطفل الفضلى. إن استئصال الرحم هو عملية جراحية جائحة بدرجة كبيرة، ويرافقها آلام وكرب شديد للطفل وهذا غير مبرر ولا ينطبق على دواعي إجراء العمليات الجراحية وغير قائم على الدليل العلمي في الأدبيات الطبية، وإن إجرائه لإزالة التوتر والكرب لدى والدي الطفلة المعاقة لا يصنف أنه من الدواعي الطبية بأي شكل من الإشكال، كما وأنه لا يتوقع أن يتم تغير حياة أي طفل، بما فيهم المعاقين، بهدف راحة عامة المجتمع، بل على العكس يتوقع من المجتمع أن يتأقلم مع احتياجات كافة الأطفال وذوي الإعاقات ويشملهم بالرعاية والدعم.

هذا الجدل يضع تحت الضوء مواضيع أخلاقية عديدة وعلامات استفهام حول كيفية تعامل مجتمعنا مع ذوي الإعاقات، ويوضّح أن هناك غياب لاحترام إنسانية المعاقين، ولحقوقهم بشكل عام وحقوقهم الإنجابية حيث إنه لا أحد يتقبل إجراء عملية استئصال الرحم لامرأة غير معاقة لدواعي غير طبية.

إن هذه العملية هي في المصلحة الفضلي لوالدي المعاقة وليس بهدف المصلحة الفضلى لها، ولا يتوقع أن يتم تغير حياة أي طفل، بما فيهم المعاقين، بهدف راحة عامة المجتمع، بل على العكس يتوقع من المجتمع أن يتأقلم مع احتياجات كافة الأطفال وذوي الإعاقات ويشملهم بالرعاية والدعم.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي

خبير في مجال حماية الطفل لدي مؤسسات الأمم المتحدة

bottom of page