top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الضرب التأديبي للأطفال، هو عنف موجه ضدهم


الضرب التأديبي للأطفال، هو عنف موجه ضدهم
الضرب التأديبي للأطفال، هو عنف موجه ضدهم

إن الضرب التأديبي هو عدائية بيولوجية موجهة من أحد الوالدين نحو طفله، تحط من احترام الطفل لذاته، تؤذي حماسه، وتولد الغضب والعصيان وعدم التعاون لديه، فعندما يقوم الطفل بارتكاب خطأ ما، يلجأ الأب أو الأم إلى الصراخ ومن ثم قد يمتد ذلك للضرب بشكل غريزي، ويتعزز سلوك الأب أو الأم هذا بنصيحة تقليدية، من قبل كثير من المتطوعين الذين مارسوا هذا السلوك، "أنه علينا أن نضرب الأطفال حتى يحسنوا سلوكهم".


رعاية الأطفال أمر تمليه الفطرة الإنسانية لأن الأطفال من أَجل نعم الله تبارك وتعالى، فهم زينة الحياة الدنيا كما أخبر الله تعالى بقوله " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخيرا أملا" سورة الكهف 46 وهم منحة الله سبحانه وتعالى وعطاؤه "لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير" سورة الشورى 46 و50. لقد فرضت الشريعة الإسلامية حماية للطفل، تفوق المواثيق الدولية والقوانين الوضعية، من مثل حمايته وهو جنين وهو رضيع وحقه بالإرث وبالاسم، فنحن هنا لا نتكلم عن موضوع مستورد أو بهدف التشبه بالغرب، بل عن موضوع يمس كل طفل في مجتمعنا العربي.


حاجات الطفل تكمن في ضرورة ارتباطه بالوالدين أو أحدهما عل الأقل، والنموذج المثالي لمهام الأمومة والأبوة، أن يقوم راعي الطفل بتوفير الحاجات الأساسية من طعام وشراب، ورعاية صحية، وحماية وعطف وحنان بالإضافة للتشجيع والتعليم والضبط والتربية، وكل ذلك بما يتناسب مع المراحل المختلفة للطفولة وللمراهقة، وكذا أن يكون الوالدين النموذج السلوكي للطفل في العلاقات وتحديد الهوية والتفاعل مع الأحداث والمواقف، ونموذجا للأبوة والأمومة السوية، إلا أن الإساءة للطفل تتولد إذا كان التعامل مع الطفل متناقضا مع مهام الأمومة والأبوة هذه، ويحكم ذلك اختلاف الثقافات وتفاوت الأزمنة، مما يجعل الإساءة للطفل موجودة في كل المجتمعات والطبقات وفي كل البلاد، وقد تكون من قبل الوالدين أو من يقوم مقامهما، وقد تكون بفعل مباشر كالضرب، أو بفعل غير مباشر كالإهمال أو كليهما، وقد تأخذ شكل إساءة جسدية، جنسية، أو عاطفة، ومن الممكن أن تكون منفردة أو مجتمعة، ويرافق أي شكل من أشكال الإساءة الأذى النفسي للطفل.


ما مدى انتشار الضرب التأديبي والعقاب الجسدي للأطفال؟

للأسف الشديد أظهرت دراسات عديدة، أن أغلبية الناس يعتقدون أن الضرب التأديبي ليس فقط جيد بل هو أساسي لتنشأة الأطفال، حيث أن 90% من الأباء يَضربوا الأطفال لغاية 5سنوات بمعدل 3مرات أسبوعيا وأن 52% من الأطفال الذين أعمارهم 13 و14 سنة يُضربوا عادة، وأن 20% من الطلبة في المرحلة الثانوية يضربوا عادة من قبل آبائهم. كما وأن 60% من الاباء يضربوا أولادهم بالصفع على الوجه أو على اليدين أو المؤخرة وأن 20% يقوموا بدفع الطفل أو بحمله من أحد أطرافه بعنف، وأن 15% يستخدموا العصا أو أية أداة منزلية لتأديب الطفل وأن 10% منهم يقوموا عادة بقذف جسم ما، صادف أن يكون بيدهم على الطفل.


ما هو الحد الفاصل بين تربية وتأديب الطفل وبين الإساءة الجسدية إليه؟

من غير المستطاع تحديد حد فاصل بين تأديب الطفل بالضرب وبين الإساءة الجسدية إليه، وهذا قائم على عدم عدالة هذا السلوك وخلوه من أي منطق عقلاني، فعندما تتولد العدائية البيولوجية ويقوم شخص بالغ بضرب شخص بالغ أخر، لأي داعي كان، وإن كان قريبه أو زوجه، يتفق الجميع على أن هذا فعل متخلف غير حضاري وهو مجرم قانونا، وإذا قام طفل بضرب شخص بالغ فبالإضافة لكونه جريمة قانونا في أغلب الحالات فهو عيب اجتماعي أن يتطاول الصغير على الكبير، وأن يقوم طفل بضرب طفل أخر، وإن كان شقيقه، فهذا مؤشر على قلة أدبه وعدم تربيته ويستحق كل أنواع العقاب، وأما عندما تتولد العدائية البيولوجية ويقوم بالغ بضرب طفل فتنعكس المقاييس وتظهر الازدواجية، ويصبح ذلك تربية وتأديبا، وقد يسمح لك القانون بذلك (المادة 62 من قانون العقوبات).

هل العقاب الجسدي للطفل فعال؟ وما هي عواقبه ومضاره ومتى يصل لدرجة الإساءة؟

إن العقاب الجسدي للطفل غير فعال وهناك عواقب ومضاعفات حقيقية للضرب التأديبي: والبحث بها يظهر ما يلي:

  1. العقاب الجسدي للطفل بكافة أشكاله وبأي مدى لشدته، وبعض النظر عن أي محاولة لتبريره أو تلميعه، هو طريقة غير فعالة لتعديل السلوك من الناحية النفسية، حيث أن ضرب الطفل قد يجعله يتجنب السلوك السيئ مؤقتا، إلا أن التزام الطفل بهذا السلوك هو لفترة وجيزة، وسيولد لديه خوف من أن يشاهد وهو يرتكب الخطأ، فيلجأ للقيام به سرا، حيث أن الضرب لن يعلم سلوك جديد، ولن يعلم السيطرة على النفس، بل على العكس وعلى المدى البعيد، فأن الضرب سيترك عند الطفل سلوك العصيان وعدم التواصل الحضاري مع الآخرين، وتدني مستوى احترام الذات، والكآبة.

  2. التأديب بالضرب هو الطريق السالك دائما باتجاه الإساءة الجسدية للطفل، ولأن الضرب فعال بشكل مؤقت، يجعل ذلك الأب أو الأم أن يضربا بجرعة أشد كلما عاد الطفل وأخطاء مرة أخرى، وبذلك يصبح العقاب الجسدي هو الاستجابة القياسية للسلوك السيئ، مما يزيد من شدة الضرب ويزيد من تكراره بشكل يتجاوز العرف المقبول عند بعض الأشخاص، وتشير الأبحاث أن ما يزيد عن 85% من جميع حالات الإساءة الجسدية للأطفال، ناتجة عن فرط التأديب وعن العقاب الجسدي.

  3. يؤدي العقاب الجسدي بالضرب إلى أذى غير متوقع، فالصفع على الوجه قد يؤدي مثلا إلى ثقب طبلة الأذن، ورج الطفل قد يؤدي إلى ارتجاج الدماغ والعمى أو الوفاة، والضرب المباشر وبأي وسيلة كانت قد يضر بالعضلات، وبالأعصاب، بالأعضاء التناسلية، أو بالعامود الفقري، وحتى ضرب الأطفال على ظاهر اليدين يؤذي المفاصل والأوعية الدموية الدقيقة وقد يؤدي إلى حدوث التهاب المفاصل الصغيرة بعد عشرات السنين، وقد ينتج عن سقوط الطفل عند تعرضه للضرب إصابات شديدة في جسمه.

  4. الضرب التأديبي هو عملية تدريبية منظمة لتعليم الطفل العنف، حيث يتعلم مبدأ أنه من المقبول أن يستخدم القوي قوته ضد الضعيف، وأنه من الطبيعي أن تحل المشاكل بواسطة العنف، وتتعزز هذه الفكرة بعملية التكرر من قبل شخص محبوب ومرغوب به، ويؤدي ذلك لتولد سلوك تعامل عنفي بين الطفل وأشقائه ومع زملائه في المدرسة، ومع زوجته مستقبلا ومن ثم مع أطفاله.

  5. أثبتت الدراسات أن اللطم أو استخدام القوة على مؤخرة جسم الطفل هو نوع من أنواع الإساءة الجنسية للطفل، التي قد تولد شعور بلذة مختلط بالألم. سادسا: أظهرت الدراسات أيضا أنه هناك زيادة لاحتمالية تولد الشخصية العدائية للمجتمع، الجنوح، والإجرام لدى الأطفال الذين يتعرضوا للضرب التأديبي أكثر من غيرهم.

من ما سبق يتضح أن العقاب الجسدي للطفل غير فعال، ولا يوجد أي حد فاصل بين التأديب الجسدي للطفل وبين الإساءة إليه وإن أي عنف نحو الطفل ومهما كانت شدته قليلة، هو تعدي على حقوقه.


هل هناك بديل عن الضرب التأديبي في مجال تربية الطفل؟

  1. الوقاية من ظرروف توقع الطفل من مشاكل يستحق العقاب عليها، هناك بديل دائما عن الضرب التأديبي، فعند توفير الوالدين لظروف وقائية مناسبة للطفل مسبقا، يقلل ذلك احتمالية تعريضه للضرب، وعند توفر هذه الظروف ليس عليك كأب أو أم أن تقول "لا" للطفل كل الوقت وليس على الطفل أن يمر بظروف تغريه لارتكاب الخطأ، بإمكانك أن تكافئ السلوك الجيد للطفل بالمدح وأشعر الطفل بذلك بطرق عملية، وكن واقعيا في توقعاتك من الطفل، وضع أقل عدد ممكن من القواعد، على أن تكون منطقية ومناسبة لعمر الطفل.

  2. السيطرة على الغضب بترك المكان: إذا كنت تشعر بالغضب، وفقدان السيطرة على سلوكك، وتشعر انك ترغب بضرب أو صفع طفلك، حاول أن تترك المكان المتواجد به الطفل فورا إذا كان بالإمكان ذلك، سيطر على مزاجك وعند دخولك في فترة الهدوء ستجد الحل البديل، غير العنفي، للتعامل مع المشكلة، فقد يكون مولد الغضب ليس الطفل بل توتر خارجي في المنزل أو في العمل.

  3. إستمرار التواصل مع الطفل، قد يقوم الأباء بضرب الأطفال عندما لا يصغي الطفل للطلبات المتكررة بتحسين سلوكه، وأخيرا لا يجد الأب أو الأم مفرا من ضرب الطفل ليسلك جيدا، ولكن الحل المثالي هو أن تتواصل مع الطفل بالنظر في عينيه مثلا واخبره بصوت حازم وجملة قصيرة ما تريد منه أن يفعله، كن لطيفا وحازما في نفس الوقت.

  4. استخدم العواقب المنطقية لسلوك الطفل، أي عَلم الطفل تحمل المسئولية، فإذا أرتكب خطأ ما وقمت بضربه، قد يتعلم الطفل أن لا يعيد ذلك مرة أخرى، هذا يبدو جيدا، لكن تذكر أن هذا الضرب سيعلم الطفل أيضا أن يخفي أخطائه لتجنب تكرار العقاب، أو أن يضع الملامة على أشخاص آخرين، أو قد يعلمه الكذب، أو أن يخفي كل ما حدث، أو قد يشعر بذنب كبير أو بغضب شديد، وحتى قد يقوم بالانتقام من والديه بطريقة أو بأخرى، فهناك فرق بين تعديل سلوك الطفل لأنه بخاف من الأب وبين تعديل سلوك الطفل لأنه يحترم الأب، والمنطقي أن يشارك الطفل في إصلاح العواقب التي نتجت عن فعله حيث يتغير التركيز من الخطأ بحد ذاته إلى تحمل المسئولية بإصلاح الخطأ، ولا يشعر الطفل بالغضب أو الانتقام، واحترام الطفل لذاته لن يتأثر.

هل الحديث في مجال حماية الطفل من الإساءة يعتبر تدخل في حرية الوالدين وفي حقهم بتربية أولادهم؟

هناك اتفاق على حق الوالدين بتربية الطفل، وعلى واجب الأمومة والأبوة لتلبية حاجاته، مما يعطيه فرصة جيدة للنمو الجسماني، والنضج النفسي والاجتماعي، حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه مستقلا في مستقبل حياته، وقد لا يكون من المتوقع أن يلبي الوالدين احتياجات الأبناء بكافة أشكالها في كل الأوقات، ولكن المتوقع، وبشكل مؤكد، أن لا يكون لأي إنسان يعتني بطفل تأثير سلبي على تطوره ونموه، بإساءة استخدام حقه بتربيته، ونرى من ما سبق أن الحديث في مجال إساءة معاملة الأطفال وحمايتهم ليس تدخلا في حق الوالدين أو واجبهم، بل هي نوع من المشاركة الإيجابية معهم، لضمان تطور ونمو الطفل وحمايته وبالتالي حماية الإنسان، والمجتمع.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

٣٣٢ مشاهدة
bottom of page