يشكل الإرهاب خطرا حقيقيا للسلم والأمن العالمي، فبالإضافة للأثر المدمر للإرهاب على انهاء حياة البشر وإلحاق العاهات والأمراض النفسية والجسدية بهم، هناك أثره على هدم الحكومات ودمار المجتمعات وتقويض التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الوقاية من الإرهاب والتعامل مع مخاطر حدوثه أو مع أنشطته صعب للغاية بسبب تعقيد وتقاطع جذور النشاطات الإرهابية وتغيّرها باستمرار فهناك تبدل مستمر في الدوافع والتمويل ووسائل التنفيذ والأهداف.
الإرهاب أيضا يتحدى ويخترق الحدود ما بين الدول، وهذا يزيد من صعوبة التعامل معه، مما يتطلب تعاون ما بين أجهزة الدولة نفسها وما بين الحكومات بهدف العمل على تحقيق إنجاز حقيقي في مواجهته.
مواجهة الإرهاب يتطلب التعامل مع جذوره الحقيقية
بمرجعية النموذج البيئي وككل أشكال العنف تشمل جذور الإرهاب عوامل خطورة مجتمعية وأخرى اجتماعية وعوامل فردية وعوامل تتعلق بالعلاقات الاسرية.
عوامل الخطورة المجتمعية: وهي من أهم جذور الإرهاب وتشمل:
1) ضعف دور الدولة في رعاية المواطن، فهناك نقص مستمر في الاحتياجات الأساسية من الطعام، الكساء، والمأوى وهذه الظروف تؤدي لشيوع العنف بما فيها الأنشطة الإرهابية.
2) التهميش الاجتماعي والاقتصادي وشيوع الفقر، فممارسات الحكومة الخاطئة والفاشلة في المجال الاقتصادي والزراعي واستغلال الطاقة يدفع المواطن أن يلجأ للعنف كوسيلة رئيسية للسيطرة على الموارد في مواجهة الحكومة وهذا يولد بيئة حاضنة للإرهاب.
3) غياب الحريات والديمقراطية الحقيقية، وشيوع الاستحواذ السياسي والإقطاع النخبوي، وغياب الحوكمة الرشيدة، فهذه جميعها تؤدي إلى شيوع الظلم وغياب العدالة وتعمل على تشكيل حاضنة للعنف والإرهاب.
4) مشاركة الدولة في الصراعات الإقليمية غير القابلة للحل.
5) هجرة الشعوب إلى أماكن محصورة كالمخيمات يؤدي نفاذ الموارد البيئية، ويرافق ذلك شيوع الفقر وبالتالي شيوع العنف والإرهاب.
6) توفر الدعم المالي المستمر من قبل مستثمري الإرهاب، لدوافع سياسية أو لدوافع مرتبطة بالاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر.
7) غياب سيادة القانون وشيوع انتهاك حقوق الإنسان وشيوع التميز الإقليمي والعرقي والقومي والديني.
عوامل الخطورة الاجتماعية المتعلقة بالثقافة السائدة:
التجرد من البيئة الإنسانية للمواطن تشكل وسط مُرحب لثقافة التطرف الديني والذي يروج لها من قبل مستثمري الإرهاب، كمخلص من الكرب والفقر ولنشر هذه الثقافة يتم ربطها بحياة الرفاهية ما بعد الموت.
عوامل الخطورة الفردية وفشل العلاقات الأسرية:
تشكل الاضطرابات النفسية واضطرابات الشخصية واضطراب العلاقات الأسرية عوامل إضافية مكملة لما سبق ذكره في حصول الإرهاب.
مواجهة الإرهاب:
لن يكتب النجاح لمواجهة الارهاب بواسطة ندوات يحاضر بها رجال دين وعلماء اجتماع يتداولون تعاريف مبهمة ونظريات غير مسندة علميا أو بواسطة مقاطع تلفزيونية ركيكة عاجزة عن الوصول للعقل والنفس ويبدو أنها تدعو للإرهاب بدل مواجهته.
مواجهة الإرهاب يتطلب التعامل مع البيئة التي تهيئ ظروف انتشاره والوارد ذكرها في عوامل الخطورة الاجتماعية والمجتمعية الواردة سابقا، تعمل في محاور:
(1) الوقاية الأولية بتنفيذ ورصد وتقييم برامج اجتماعية اقتصادية وسياسية لعموم المجتمع توفر الحياة الكريمة للمواطن وتحافظ على حقوقه، وتعمل على الالتزام بإجراءات سيادة القانون.
(2) برامج وقائية خاصة بالتعامل مع المعرضين لخطر الانضمام للإرهابين أكثر من غيرهم، تعمل على توفير فرص التعليم والثقافة والعمل والتخلص من الفقر وبناء شخصية المواطن القائمة على الانتماء للوطن.
(3) برامج تتعامل مع التهديد المباشر لحصول الإرهاب وتشمل منع الإرهابيين من (١) النفاذ للوسائل التي تمكنهم تنفيذ أعمالهم الإرهابية (2) والحيلولة بينهم وبين المستهدفين و(٣) عرقلة رغبتهم بالوصول لأثر أعمالهم الإرهابية. يشمل ذلك الرقابة الحقيقية على تهريب والاتجار بالأسلحة الصغيرة وعلى المواد الأولية الكيماوية لصناعة المتفجرات، والرقابة الحقيقة على وسائل التواصل الرقمية. وتوفير الأمن الكافي للأهداف المتوقعة.
(4) رفع كفاءة جميع أجهزة الدولة الامنية في مجالي الوقاية من الارهاب ومواجهته، وخاصة القدرة الاستخباراتية المحلية والإقليمية. يشمل ذلك التدريب والابحاث وتوفير الموارد البشرية والمالية والتكنولوجيا المتطورة.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة
Comments