"إهمال الأطفال" هو مشكلة شائعة وإن كان كثير من عامة الناس لا يشعر أو لا يعتقد بوجودها، فالإهمال سبب رئيسي لحدوث الإصابات والأمراض والإعاقات، وسبب هام لوفيات الأطفال على الرغم من تشوش هذه العلاقة السببية لدى كثير من المهنيين الذين يتعاملون مع الأطفال بما فيهم الأطباء. علينا أن نجابه مشكلة إهمال الأطفال بنظرة شمولية، على المستوى الوطني، تهدف إلى حمايتهم ورفاهتهم وضمان نموهم وتطورهم الجسدي والنفسي، وليس بهدف توجيه اللوم لمن يرعاهم.
تشير الإحصاءات إلى أن عدد وفيات الأطفال الناتجة عن تعرضهم لإصابات عارضة ناتجة عن بيئة غير آمنة (إهمال) يفوق عدد الوفيات الناتجة عن أعلى ستة أسباب مرضية مجتمعة، وإن 35% من الأطفال عامة يتعرضون لإصابات عارضة تحتاج لرعاية طبية، وأن 95% من هذه الإصابات وأكثر من 70% من الوفيات الناتجة عنها يحدث في بيئات يفترض أنها آمنة.
للوهلة الأولى تبدو إصابات الأطفال العارضة نادرة الحدوث ولدينا نزعة أن نتجنب الحديث عنها على اعتبارها "قضاء وقدر". عكس الواقع الأليم وهو أن إصابات الأطفال التي تتراوح بين السقوط من علو أو بسبب الأثاث، التكهرب، الحروق، التسمم بالأدوية وسوائل التنظيف، الغرق في أحواض الاستحمام، إصابات الأجسام الحادة كالسكاكين والشفرات، أو استنشاق أجسام غريبة من مثل بلالين الأطفال، هي حالات شائعة تؤدي إلى الإصابات والأمراض أو إحداث عاهة دائمة وحتى الوفاة، وللأسف هذه الإصابات تمتد لتحدث في أماكن عمل الأطفال المخالفة للقانون.
إن السماح للأطفال بالعمل وفي بعض الأحيان في أماكن خطرة يتجاوز كونه إهمالا من قبل والدي الطفل، إلى كونه إنتهاكاَ لحقوق الطفل من قبل الحكومة بالتراخي بمسؤوليتها الرقابية الجادة على أماكن العمل على الرغم من النصوص الجلية في القانون التي تمنع ذلك فقد نصت المادة (73) من قانون العمل لسنة 1996: "... لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور". كما ونصت المادة (74) من نفس القانون: أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الاعمال الخطرة او المرهقة او المضرة بالصحة". أما قانون العقوبات فقد أعتبر أن مثل هكذا إصابات هي جريمة يعاقب عليها بنص المادة (289) "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول وأدى الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره". على الدولة أن تكون جادة في تطبيق هذه المواد القانونية لأهمية ذلك بمرجعية اتفاقية حقوق الطفل والتي أعتبرت "الإهمال" شكلا من الأشكال الخطيرة لانتهاك حقوق الطفل بالمادة ١٩ من الاتفاقية والتي تنص على ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال“.
على الرغم من أن قانون العمل قد حدد الحد الأدنى لالتحاق الأطفال بسوق العمل، إلا أن هناك غياب لآليات تنفيذ هذه القوانيين وغياب فاعلية البرامج الوطنية لمكافحة عمل الأطفال، فبالنسبة للأطفال العاملين بصفة قانونية (من هم أكبر من 16سنة) هناك غياب لنظم تنظيمية وعمليات تفتيشية تتضمن صراحة برامج توفير الأمن والسلامة العامة وتمنع الإهمال والعنف، وهناك أيضا غياب لنظم الإبلاغ عن العنف والإهمال وغياب لإجراءات معلنة وواضحة لتقديم الشكاوى، وبالنسبة للأطفال العاملين بصفة غير قانونية (من هم أقل من 16سنة)، هناك ضعف واضح في البرامج الوطنية لإخراجهم من العمل وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، والتي يتوقع في حال نجاعتها ان ترّكز على مساعدتهم على ترك العمل والحصول على تعليم وتدريب وتحسين فرصهم في الحياة.
أما بالنسبة للوقاية من إصابات الأطفال العارضة، ومنع الإهمال الناتج عن الإخفاق بتوفير السلامة والآمان للطفل، فهو ضرورة هامة وملحة للحفاظ على صحة الأفراد وصحة عموم المجتمع، إلا أن هذا النوع من الوقاية الصحية إما أن تكون مستثناة من الخطط الوطنية أو يتم التعامل معها بطريقة بدائية. كما وأن طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن لحصول هذه الإصابات ما زال مبهما وغامضا لكثير من المهنيين وصانعي القرار.
إن العواقب المأساوية لإهمال الأطفال تشير إلى أهمية تعظيم الجهود للتركيز على الوقاية لمنع حدوث هذه الإصابات أبتدأً، وقد تبدو المسؤولية المباشرة على والدي الطفل بتوفير بيئة آمنة خالية من عوامل الخطر وهذا يأتي ببرامج توعية تتحمل مسؤوليتها جهات مهنية متعددة، إلا أن هناك مسؤوليات موازية بالأهمية تقع مباشرة على عائق الدولة لضمان مواصفات ومقاييس آمنة لكل ما يتعرض له الأطفال داخل بيئتهم المنزلية وخارجها، بما في ذلك الرقابة الفاعلة على أماكن العمل، كما وأن هناك مسؤولية على الدولة بجمع المعلومات حول أنماط إصابات ووفيات الأطفال في مجتمعنا لوضع استراتيجيات لخفضها.
الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Kommentare