top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الصمت نحو العنف ضد المرأة


الصمت نحو العنف ضد المرأة
الصمت نحو العنف ضد المرأة

الصمت نحو العنف ضد المرأة على من تقع المسؤولية المباشرة لمنع العنف ضد المرأة؟

إن المسؤولية المباشرة للوقاية ولمنع العنف الأسري وبالتالي القضاء عليه لا تقع على مؤسسات المجتمع المدني أو على الجمعيات التطوعية أو على القطاع الخاص وإنما هي مسؤولية الحكومة ابتداء، فالدولة هي الضامنة للحفاظ على حقوق مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية الأساسية من مثل الحق بالحياة والأمن والأمان والحق بالتمتع بالصحة الجسدية والنفسية، والحق بالتعلم والحق بالسكن والحق بالمشاركة في الحياة العامة، إلا أن العنف الأسري يقوض أغلب هذه الحقوق ويؤدي إلى تكاليف إنسانية واقتصادية باهظة تفقر الأفراد والأسر والمجتمعات كما وإنه يعيق التنمية الشاملة للوطن ويؤدي إلى إنهاء حياة النساء والأطفال في كثير من الأحوال ومن هنا يجب أن توضع مسؤولية الدولة نحو التصدي للعنف الأسري تحت الضوء لأنه لا مجال للفشل عندما يتهدد الأنسان بأبسط حقوقه وتدمر أسر تحتضن أطفالا وترعاهم وتتفشى الجريمة بالمجتمع.

عندما يتغاضى المجتمع والدولة صراحة أو ضمنا عن هذا النوع من العنف، فإن الإفلات من العقوبة لا يشجع على القيام بمزيد من الاعتداءات فحسب، وإنما يوجه رسالة مفادها أن مرتكب العنف الأسري يقوم بعمل مقبول وعادي مما يؤدي إلى إنكار العدالة على الضحايا من نساء وأطفال ويعزز العلاقات العنفية السائدة ويدعم عوامل الخطورة المولدة للعنف في المجتمع.

لا يتم الإبلاغ سوى عن نسبة صغيرة من حالات العنف ضد المرأة والتحقيق فيه، وعدد قليل جدا من مرتكبي هذه الجرائم تتم محاسبتهم والتحقيق معهم. والسبب في ذلك هو في عدم جدّيّة الدولة في إيجاد نظم معيارية للتبليغ وتسجيل الحالات، وعلى افتراض صحة الإحصائيات الرسمية المتوفرة فإن عدد الحالات التي يبلغ عنها ما هو إلا نسبة ضئيلة من الواقع ولا يعكس حقيقة انتشار العنف ضد النساء في عموم المجتمع.


لماذا تصمت النساء ضحايا العنف داخل الأسرة؟

أما في حال تواجد نظم معيارية وطنية للتعامل مع العنف الأسري بما في ذلك العنف ضد المرأة، فيجب عندئذ مواجهة أسباب عديدة لعدم إفصاح النساء عن العنف الذي يتعرضن له، تتراوح بين أسباب فردية إلى أسباب إجتماعية وثقافية سائدة؛ فبعضهن يعشن رهينات حالة نفسية من الخوف والرعب من البوح بمشاكلهن وبعضهن لا يملكن أي دخل مالي سوى إعتمادهن على أزواجهن، وبعضهن أسيرات في جدران منازلهن بكل معنى الكلمة، كما وأن تعرض الضحية لإساءة جسدية أو جنسية خلال طفولتها أو مشاهدتها لعنف أسري سابق يقلل احتمالية أدراكها من أنها تعيش في علاقة عنف مع زوجها ومن قيامها بخطوات لحماية نفسها. بعض النساء يعتقدن أنهن يستحقن التعامل بهذه الطريقة بسبب ضعفهن أمام مواجهة الخزي والعار والإذلال المرتبط بالعنف وبذلك يتجنبن الانتقاد من قبل المهنيين أن كانوا ضباط أو أطباء، لإعتقادهن أنه لن يأخذ كلامهن على محمل الجد أو أنهم سوف ينتقدن أو يتعرضن للوم. كما وأن بعض النساء لا تطلب المساعدة على أمل أن يتحسن زوجها أو يتغير وفي بعض الأحيان تعتقد أنها تحميه من حالة إستثنائية تتوقع أن تزول. ورغم تعدد هذه الأسباب الفردية لصمت المرأة تبقى الثقافة السائدة في المجتمع والوصمة المرتبطة بالعنف الأسري من أهم الأسباب التي تدفع المرأة للصمت وتحجب عنها أي مساعدة تحميها وقد تمنع وفاتها في بعض الأحيان.

جزء من تحمل المسؤولية المباشرة عن عدم الإفصاح والإبلاغ عن حالات العنف ضد المرأة يعود لتراخي المؤسسات الحكومية في إيجاد نظام إداري معياري له مرجعية قانونية وأخلاقية تلزم العاملين في القطاعات الصحية والتعليمية والإجتماعية بالتبليغ عن جميع الحالات في وقت مبكر يتيح العمل على الوقاية من تفاقم العواقب التي قد تصل إلى الوفاة. وقد جاءت المادة 8 من قانون الحماية من العنف الأسري رقم 6 لسنة 2008 أقل بكثير من الذي كان متوقعا لإلزامية التبليغ والتي ورد بها: "على أي من مقدمي الخدمات الطبية او الاجتماعية او التعليمية من القطاعين العام أو الخاص ابلاغ الجهات المختصة حال علمه او مشاهدته اثار عنف واشعاره انها ناجمة عن عنف أسري" حيث أن الأعم الأغلب من حالات العنف التي يشاهدها الأطباء أثناء كشفهم على النساء والأطفال تشخص اعتمادا على العلامات السريرية ولا يتم إشعار الطبيب أنها ناجمة عن عنف أسري، كما لم تورد المادة أي عقوبة على المهني في حال إخفاقه بالتبليغ وبذلك فقد ركن أساسي من كون "عدم التبليغ عن العنف الأسري" جريمة يعاقب عليها القانون.

يبنغي أن تُحظر جميع أشكال العنف ضد المرأة بوضوح في جميع القوانين والسياسات وأن تُضمن مساءلة المعنف وإنهاء إفلاته من العقاب، وكذلك يجب أن تتصف الأنظمة والتعليمات المتعلقة بالعنف ضد النساء بالسهولة وعدم الغموض، يجب أيضا أن تعطى االأولوية بالبرامج لتعزيز قيم عدم استخدام العنف في عموم المجتمع.​


من هي الجهات التي تحمي المرأة؟

الأساس في حماية المرأة من العنف الأسري قائم على الشراكة بين المهن المتعددة (المهن الصحية والاجتماعية والقضائية) وأول أشكال الحماية هو الوقاية الأولية من العنف قبل حدوثه ابتداءا وذلك بالتخطيط والتنفيذ لبرامج اجتماعية شاملة تقاوم المواقف التقليدية في المجتمع التي تعتبر أن المرأة ملك للرجل وأنها أقل مكانة منه وأنها بحاجة لتأديب وتهذيب دائم، وكذلك مقاومة المواقف المنتشرة بالمجتمع التي تنظر للعنف على أنه نمط شرعي مقبول وأنه لا يوجد أي خطأ أن يفرّغ الرجل إحباطه وغضبه بالعنف ضد زوجته، وأيضا مواجهة المعايير الاجتماعية التي تتوقع من المرأة أن تكون سلبية مقموعة أمام سلوكيات زوجها مهما كانت.

الوقاية الثانوية: يتوقع أن تكون هذه البرامج المشار إليها أعلاه موجهة لكافة شرائح المجتمع، الا أن هناك بعض الفئات من النساء اللواتي يكن معرضات أكثر من غيرهن للعنف، كالزوجات صغيرات السن والنساء الحوامل، والنساء اللواتي يعانين من اضطرابات نفسية أو إعاقات فيتوجب أن تكون هذه البرامج الإجتماعية متخصصة تبعا لكل فئة من هذه الفئات.

إما حماية المراة عقب حدوث العنف فهو أيضا قائم على الخدمات متعددة المهن (الصحية والاجتماعية والقضائية) وقائم على مبادئ المصلحة الفضلى للضحية وعدم الإضرار بها بما يتفق والقوانين السائدة، وتشمل أولى خطوات الحماية عقب حصول العنف توفير خطة الأمن والآمان للضحية بموافقتها المتبصرة على ذلك والتي تشمل توفير مأوى لها عند أحد أقاربها أو في دار الوفاق الأسري الذي يستضيف النساء المعنفات ومن ثم توفير الإسناد النفسي والاجتماعي لها وإذا دعت الضرورة توفير الإسناد الاقتصادي، وهذا لا يتعارض أبدا مع تطبيق القانون حيث يتوقع معاقبة الزوج الذي ارتكب العنف حسب قانون العقوبات المطبق، علما بأن قانون الحماية من العنف الأسري الذي دخل حيز التطبيق حديثا أعطى المجال إلى لجان الوفاق الأسري للتدخل لإعادة تأهيل الأسرة اجتماعيا بما يتفق و ثقافتنا السائدة، إذا رغبت المرأة بذلك بعيدا عن إلحاق العقوبة الجزائية بالرجل، إلا إذا كانت إصابات المرأة المعنفة شديدة لدرجة أنها تصنف قانونيا بجناية إحداث عاهة دائمة أو الشروع بالقتل. وعلى أي حال فإن مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية والقضائية المشتركة يتبعون إجراءات محددة لكل حالة عنف ضد المرأة تشمل المتابعة والتقييم الدوري بهدف أسمى وهو إعادة تأهيل الأسرة لوضعها الطبيعي، ويشمل ذلك تثقيف الزوجين​​ بمهارات التواصل وضبط النفس والخروج من الإنعزال الإجتماعي.

إن التعامل مع حالة المرأة عقب حصول العنف هو أمر مربك لأكفأ المهنيين وليس من المتوقع تحقيق الهدف السامي بإعادة تأهيل الأسرة في جميع الحالات، وهذا لا يعني بالضرورة إخفاقا مهنيا لأن المرجعية الأخلاقية تقاس معياريا بجهود بذل العناية وليس بضمان منع تكرار العنف.


هل هناك حق شخصي وتعويض عند التعامل مع العنف الأسري من النساء؟

إن حالات العنف الأسري المنظورة أمام القضاء غير مستثناة من كافة التطبيقات القانونية الجزائية والحقوقية، وعليه يحق للمرأة المعنفة المطالبة بالعطل والضرر والتعويض المادي والمعنوي لأي ضرر لحق بها نتيجة إيذاء زوجها لها على مبدأ قانوني شرعي بسيط وهو "لا ضرر ولا ضرار" وقد جاء قانون الحماية من العنف الأسري مساندا لتطبيق هذا المبدأ حيث نصت المادة 17 منه على أن "تنظر المحكمة بطلب التعويض بناء على طلب المتضرر او أي جهة ذات علاقة به، على ان تؤخذ بعين الاعتبار بالإضافة للقواعد العامة ما يلي :-أ-الوضع المالي لطرفي النزاع ومدى تأثير إلزام المدعى عليه بدفع كامل التعويضات على وضع الأسرة. ب-المصاريف التي ترتبت نتيجة إجراءات الحماية". وبطبيعة مجتمعنا فإن المطالبة بالعطل والضرر والتعويض في حالات العنف الأسري هي نادرة الحدوث بسبب النزعة نحو المصالحة وإعادة تأهيل الأسرة.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

bottom of page