top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الجرائم المرتبطة بالإدمان والمرض النفسي، عقاب المجرم ليس بديلا عن الوقاية والعلاج

الجرائم المرتبطة بالإدمان والمرض النفسي
الجرائم المرتبطة بالإدمان والمرض النفسي

الجرائم المرتبطة بالإدمان والمرض النفسي، عقاب المجرم ليس بديلا عن الوقاية والعلاج

أثبتت المراجع العلمية المسندة أن هناك علاقة مباشرة ما بين الإدمان واقتراف جرائم السطو المسلح، السلب، سرقة المنازل والمرافق الاقتصادية، القتل، التهريب، الاتجار بالبشر. يكون دافع المجرم وراء ارتكاب هذه الجرائم هو الحصول على المخدرات بأي وسيلة تتاح له وهذا ينعكس على المجتمع ويؤدي إلى تغييب الأمن المجتمعي وتلاشي شعور المواطن بالأمان.

أيضا أظهرت العديد من الدراسات المسندة ان 70 إلى 65% من السجناء مرتكبي الجنايات هم مدمنون على مختلف المخدرات، مقارنة مع نسبة لا تزيد عن 11% في المجتمع خارج السجن وهذه النسبة تتفاوت ما بين الدول المختلة.

التراخي في مواجهة الإدمان يقوض حقوق المواطنين، وتظهر إحصاءات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة "إنَّ الهيروين والكوكايين والمخدِّرات الأخرى ما زالت تقتل أو تؤدي إلى انهاء حياة زهاء 000 200 شخص سنوياً بطريقة أو بأخرى، وهي بذلك تُشتِّت شملَ الأُسر وتجلب البؤس للآلاف من الأشخاص علاوة على عدم الأمان وانتشار الإيدز"


الحق بالصحة النفسية:

شمل الحق بالصحة توفير مرافق وخدمات الرعاية الصحية بأعداد كافية آمنة، وإتاحتها بعدم تمييز لكافة المواطنين بما فيهم المرضى النفسيين، وأن تكون سهلة النفاذ لجميع شرائح المجتمع بما فيهم المهمشين والمحرومين والمعرضين للخطر، وأن تكون هذه الخدمات ميسورة للجميع على مبدأ المساواة، وأن تكون جيدة النوعية وتراعي مبادئ الأخلاقيات الطبية وآداب المهنية ولها مرجعية علمية قائمة عن السند البحثي وضبط جودة عالي، فلقد نص المبدأ الأول من "مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية​" الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991 على أن "يتمتع جميع الأشخاص بحق الحصول علي أفضل ما هو متاح من رعاية الصحة العقلية التي تشكل جزءا من نظام الرعاية الصحية والاجتماعية"


العنف كأحد عواقب الإدمان والمرض النفسي:

جذور العنف تتراوح بين عوامل إجتماعية عامة أهمها شيوع المواقف التقليدية التي تنظر للعنف على أنه نمط شرعي مقبول وبين عوامل بالمجتمع المحلي كالفقر والبطالة والاكتظاظ السكاني وبين اضطراب في العلاقة ما بين الأفراد بما في ذلك أفراد الأسرة وهناك العوامل المتعلقة بالفرد والتي من أهمها معاناة الضحية أو المعتدي من أمراض أو اضطرابات نفسية أو إدمان.

  1. كثير من المدمنين على المخدرات والمرضى النفسيين يرتكبون نشاطات جرمية وأشكال مختلفة من العنف ضد اخرين في المجتمع وضد أسرهم وضد أنفسهم.

  2. المراهقين والمراهقات الذين يعانون اضطرابات سلوكية مرضية غير مشخصة ومن الإدمان هم أيضا يرتكبون نشاطات جُرمية أو يتغيبون عن منازلهم ويتعرضون لكافة أشكال الاستغلال بسبب ويُتهمون أنهم أشقياء وعدوانيون.

  3. كثير من الأطفال يتعرضون للعنف بسبب الإخفاق في تشخيص معاناتهم من اضطرابات نفسية تصيبهم تحديداَ كالتوحد وفرط النشاط.

  4. كثير من الأزواج يرتكبون العنف ضد زوجاتهم بسبب معاناتهم من اضطرابات في الشخصية أو الإدمان والتعود على الكحول والمخدرات والعقاقير المنبهة.

إن وجود حالة إدمان غير مكتشفة ولم يقدم لها التأهيل بطريقة علمية جيدة أو حالة مريض نفسي غير مشخصة وغير متابعة طبيا يشكل مجازفة تهدد حياتهم وأسرهم وتعرضهم جميعا لمخاطر الجريمة العنف والإهمال بما في ذلك عواقبها القاتلة.

هذا الواقع الأليم موجود بسبب ، تتصف بالخوف والحرج من المجتمع والرفض والنبذ، مما يؤدي إلى شيوع انتهاكات حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إن كان في المجتمع أو في مستشفيات وعيادات الأمراض النفسية، مما يزيد من احتمال تعرضهم لانتهاكات جسدية وجنسية وللحرمان الجائر من فرص المشاركة في الحياة الاجتماعية الطبيعية وللتميز الظالم ضدهم بالانتفاع من الخدمات التي يستحقونها.شيوع ثقافة سائدة مكبلة بالجهل وبالوصمة الاجتماعية والتمييز ضد المدمنين على المخدرات والمصابين بالأمراض والاضطرابات النفسية


جودة الخدمات:

هناك نقص حاد في عدد الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين الأخرين في مجال الصحة النفسية بشكل عام، وإن الخدمات المتوفرة تتصف بعدم الانتظام وبغموض إجراءات التعامل مع الحالات الطارئة، كما وأن هذه الخدمات غير مدمجة بالرعاية الصحية الأولية وفي الخدمات الإجتماعية، وهناك نقص في التوزيع الجغرافي لهذه الخدمات، وغياب المعايير المناسبة للتوظيف واستخدام الموارد البشرية وغياب معايير الرعاية وآليات مراقبة الجودة.

إن تراخي الدولة في مواجهة شيوع الوصمة الإجتماعية ضد المدمنين والمرضى النفسيين وعدم ضمانها لجودة الخدمات الطبية والاجتماعية المقدمة لهم وعدم إقرارها وتنفيذها ومتابعتها لاستراتيجيات وسياسات وتشريعات متخصصة بالتعامل معهم أدى إلى وضع يتصف بانتهاك حقوقهم والتميز ضدهم بعزلهم وحرمانهم من الاندماج السليم في المجتمع، كما وأن الحكومات نفسها قد تمارس التمييز المباشر ضد المدمنين والمصابين بالاضطرابات النفسية بإقصائهم غير المبرر وحرماﻧﻬم من العديد من مظاهر وحقوق المواطنة، مثل الحق بالتملك واستخدام الملكية، والتمتع بالحقوق الجنسية والإنجابية، والزواج، والحق في المقاضاة.


أنماط الانتهاكات:

يشكل المرض النفسي والادمان عامل خطورة حقيقي للتعرض لكافة الانتهاكات القاسية في حقوقهم الأساسية بالحياة والصحة والحماية من قبل أقاربهم ومقدمي الخدمات الصحية لهم في أوقات وأماكن مختلفة، فهم يعاملون معاملة غير لائقة وجائرة وقد تحجز حرياتهم لفترات طويلة من الزمن من دون إجراءات قانونية أو بإجرءات قانونية تفتقد للعدالة كالحجز دون أطر زمنية واضحة أو دون تقارير دورية عن تطور حالتهم، ويتعرضون للإهمال في بيئات قاسية وغير آمنة ويحرمون من الرعاية الصحية الأساسية، وهناك كثير من المؤشرات على أنهم يتعرضون للتعذيب أو سواه من المعاملة الوحشية أو اللاإنسانية أو المهينة.


نصت المادة 7 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" المتعلقة بتوفير الحماية ضد التعذيب وضد المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، تنطبق على مؤسسات الرعاية الطبية النفسية. ويعني هذا تحمل الحكومات المسئولية "بتوفير المعلومات حول أماكن الاحتجاز في مستشفيات الأمراض النفسية، والتدابير المتخذة لمنع الانتهاكات، وعملية الاستئناف والطعن المتاحة للأشخاص الذين أدخلوا المؤسسات النفسية، والشكاوى المسجلة خلال فترة التبليغ". يوجد في بعض مؤسسات الصحة النفسية عدد كبير من الأمثلة التي تجسد المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. وهذه تشمل: الافتقار إلى البيئة الآمنة التي تحفظ الصحة، وإلى ما يكفي من الغذاء واللباس؛ وإلى التدفئة الكافية أو الملابس التي تقي من البرد؛ وإلى المرافق الصحية الكافية لتوقي انتشار الأمراض المعدية؛ والنقص في كوادر العاملين، مما يؤدي إلى إجبار المرضى على العمل دون أجر أو مقابل مزايا ثانوية؛ وإلى وجود أنظمة تقييدية تترك المريض غارقًا في مخلفاته البشرية، أو عاجزًا عن الوقوف أو التحرك بحرية مدة طويلة. الافتقار إلى الموارد المالية أو المهنية لا يمثل ذريعة تبرر المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. فالمطلوب من الحكومات توفير التمويل الكافي للحاجات الأساسية ولحماية المرضى من المعاناة الناجمة عن نقص الطعام، أو اللباس، أو الموظفين المؤهلين في المؤسسة، أو المرافق الأساسية لحفظ الصحة، وعدم توفير البيئة التي تحترم كرامة الفرد.


المرجعية قانونية:

وبغياب تشريع أردني متخصص بالتعامل مع الأمراض النفسية بما فيها الادمان، حيث أقتصر قانون الصحة العامة رقم 47 لعام 2008 على أربع مواد بالفصل الرابع حول الصحة النفسية والإدمان، ومنها المرجعية في الإدخال جبرا للمستشفيات (المادة 14) في حالة كون المريض أو المدمن يسبب أذى لنفسه أو للأخرين سواء كان ماديا أو معنويا أو صدور قرار من المحكمة بذلك، إلا أنه هناك غياب لمعايير واضحة وموضوعية ومعلنة للإدخال القسري للمستشفيات وغياب تشجيع الإدخال الطوعي، وهناك ضبابية وغموض (المادة 15) في الحق في مراجعة الحالة وإعادة النظر في المعالجة القسرية في فترات زمنية محددة.

إن عدم وجود تشريع أردني متخصص بالتعامل مع الأمراض النفسية يشكل عائقا حقيقيا أمام تقديم خدمات وقائية وعلاجية في مجالات الصحة النفسية، فلقد أشارت مراجع منظمة الصحة العالمية أن لدى حوالي 75 % من بلدان العالم تشريعات متخصصة للصحة النفسية (الأردن ليس منها) وهذه التشريعات في حال وجودها تعتبر وسيلة مهمة من وسائل تحقيق أهداف وغايات وسياسات الصحة النفسية على المستوى الوطني لشمولها على ضمان إنشاء مرافق وخدمات الصحة النفسية العالية الجودة، وتيسير نفاذ المواطنين إلى الرعاية الصحية النفسية الجيدة وحماية حقوق الإنسان للمرضى النفسيين كضمان السرية والخصوصية وحقهم بالعيش ببيئة آمنة وبالاتصال بالعالم الخارجي وبالعمل المناسب وحقهم بعدم التميز ضدهم وضمان حق المرضى النفسيين في المعالجة والتأهيل الاجتماعي.


مسؤولية الحكومة بما في ذلك وزارة الصحة:

يعتبر المصابون بالاضطرابات النفسية من الشرائح الإجتماعية المعرضة للخطر والسريعة التأثر وهم بحاجة لحماية خاصة، والحكومة ملزمة باحترام وتعزيز وتطبيق حقوق المصابين بهذه الاضطرابات النفسية كما بينتها وثائق الأمم المتحدة، فقد ورد في المادة الأولى من "مبادئ الأمم المتحدة لحماية المصابين بعلل نفسية..." ما يلي "يتمتع جميع الأشخاص بحق الحصول على أفضل ما هو متاح من رعاية الصحة العقلية التي تشكل جزءا من نظام الرعاية الصحية والاجتماعية. يعامل جميع الأشخاص المصابين بمرض عقلي أو الذين يعالجون بهذه الصفة معاملة إنسانية مع احترام ما للإنسان من كرامة أصيلة. لجميع الأشخاص المصابين بمرض عقلي أو الذين يعالجون بهذه الصفة الحق في الحماية من الاستغلال الاقتصادي والجنسي وغيرهما من أشكال الاستغلال، ومن الإيذاء الجسدي أو غير الجسدي أو المعاملة المهينة. لا يجوز أن يكون هناك أي تمييز بدعوى المرض العقلي. لكل شخص مصاب بمرض عقلي الحق في ممارسة جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"

إن حماية المدمنين على المخدرات والمرضى النفسيين وإعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا واجتماعيا هي مسئولية وطنية تتطلب مبادرة جدية من الحكومة لإقرار تشريع خاص قائم على الدليل العلمي المسند وبمرجعية استراتيجية وطنية تضمن توفير جودة عالية لخدمات الصحة النفسية، والتوعية بتثقيف عامة المواطنين بأهمية الصحة العقلية، ورفع كفاءة الأطباء والممرضين والعاملين الصحين، وضمان توفر الموارد المالية والبشرية.

لقد نصت المادة 1 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948، على أن جميع الناس يولدون "أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق" وبالتالي فإن المصابين بالاضطرابات النفسية يتمتعون أيضًا بالحق في حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية والمادة 12 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" تقر بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والنفسية يمكن بلوغه".

الدكتور هاني جهشان، مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في حقوق الإنسان مواجهة العنف وآداب المهن الصحية

٢٦٠ مشاهدة
bottom of page