استمرار العنف ضد أطباء وزارة الصحة هو مؤشر خطير على فشل كل المحاولات السابقة للتعامل مع هذه الظاهرة، والتي كانت تتم بمحاولات تشديد العقوبة أو محاولة تطبيق مواد محددة بقانون العقوبات من مثل مادة الاعتداء على موظف عام.
الاستجابات السابقة لم تكن ناجعة بل على العكس تفاقمت الاعتداءات لتصل عواقبها للقتل العمد في احدى القضايا، ولا يتوقع أن تنخفض نسبة شيوع العنف ضد اطباء وزارة الصحة بتشديد العقوبة على المعتدي دون التعامل مع جذور هذا الشكل من العنف، وهذا من بديهيات ومبادئ علم الجريمة.
إن العلاقة بين الطبيب ومرتكب العنف ضده ليست علاقة شخصية بل علاقة مهنية قائمة على التعريف القانوني المهني "للعلاقة بين الطبيب والمريض" من أنها عقد قانوني عرفي ينعقد برضى المريض او ولي امره ورضى الطبيب، بوجود او عدم وجود منشأة صحية يعمل بها الطبيب.
المادة 12 من الدستور الطبي الأردني نصت: “على الطبيب عند قبوله رعاية أي شخص سواء في عيادته الخاصة أو في أي منشأة صحية أن يبذل كل جهده وطاقته لتقديم العناية والعطف والإخلاص لكل المرضى على حد سواء" وعليه تكون المسؤولية الأخلاقية بمرجعية مجموعة من المبادئ الأخلاقية تشمل: الصدق والنصيحة وحفظ السر وحفظ العرض والوفاء بالعقد. هذا العقد المهني بين الطبيب والمريض يلزم الطبيب بالأصول المهنية المتعارف عليها، بحيث يكون مطلعاَ على المعارف العلمية المتعلقة بتخصصه، وقادر على ممارسة مهنة الطب بمهارة.
بتطبيق النموذج البيئي لمنظمة الصحة العالمية المتعلق بجذور العنف، حول ظاهرة العنف ضد الأطباء، يتبين أن هذه الجذور تتكون من ثلاثة مجموعات من عوامل الخطورة متقاطعة مع بعضها البعض وتتعاضد لتؤدي لحدوث العنف وهذه المجموعات هي (1) عوامل الخطورة التي تتعلق بالفرد والعلاقات الإنسانية، و(2) عوامل الخطورة المتعلقة ببيئة العمل غير القياسية وغير الآمنة و(3) عوامل الخطورة المتعلقة بالصورة النمطية السلبية السائدة بالمجتمع حول خدمات وزارة الصحة.
أولاً: مجموعة عوامل الخطورة التي تتعلق بالفرد والعلاقات الإنسانية:
إحتمال أن يكون المعتدي يعاني من اضطرابات الشخصية او الامراض النفسية أو الادمان، وقد يكون الإدمان الدافع للاعتداء على الطبب بهدف الحصول على المؤثرات العقلية أو وصفات طبيبة تسمح بشرائها.
ضعف أو غياب قدرة الطبيب على التواصل مع المرضى بالشكل المناسب وسرعة التوتر والغضب لدى بعض الأطباء وتتفاقم خاصة في بيئة عمل الطبيب غير المهنية وغير الآمنة.
عدم التزام طرفي العلاقة (المريض أو من يمثله والطبيب) بالمرجعية القانونية والأخلاقية للخدمة الصحية، من مثل ضعف او فقدان التواصل بين مقدمي الخدمة الصحية وبين المريض، وعدم الشفافية في اعلان الدور وعدم إعلام المريض بالوقت المتوقع لتقديم العلاج له.
ثانياً: مجموعة عوامل الخطورة المتعلقة ببيئة العمل غير القياسية وغير الآمنة:
تؤدي هذه العوامل إلى توتر وكرب لدى كلٍ من الطبيب والمريض أو أقاربه وهي كما يلي:
اكتظاظ العيادات بالمراجعين وعدم كفاية مساحات العيادات، عدم كفاية الاسرة وخاصة اكتظاظ الطوارئ والعيادات الخارجية.
أماكن الانتظار ليس بها مقاعد مناسبة أو إضاءة كافية وهي ليست بمساحات واسعة ويتم الانتظار بها لساعات طويلة.
عدم السيطرة على عدد الزوار وعلى اوقات الزيارة للمرضى، وعدم تخصيص أماكن كافية ومناسبة للزوار.
عدم كفاية الكادر من الأطباء الممرضين والمهن الصحية المساندة والمساعدة والإداريين وأمن المستشفى.
عدم كفاية كادر الامن والشرطة، قد ينتقل العنف الفردي أو الجماعي من الخارج الى المستشفى مع المصابين به.
عدم كفاءة شركات القطاع الخاص التي تقدم الخدمات الفندقية وخدمات النظافة في مستشفيات وزارة الصحة.
عدم كفاية الأجهزة والمستهلكات الطبية وعدم توفر العقاقير الطبية بشكل مستدام.
التكلفة المالية وعدم توفر التامين الصحي لفئة من المراجعين.
ثالثاً: مجموعة عوامل الخطورة المتعلقة بالصورة النمطية السلبية السائدة بالمجتمع حول خدمات وزارة الصحة: تؤدي هذه العوامل لفقدان ثقة المواطن بالطبيب العامل في وزارة الصحة، وأيضا بمجمل الخدمات التي تقدمها الوزارة، ويشكل فقدان الثقة هذا الأرضية الخصبة لحصول التوتر لدى الطبيب والمريض وبالتالي زيادة احتمال حصول العنف ضد الأطباء، وتشمل هذه المجموعة ما يلي:
الصورة النمطية السلبية في الاعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، عن عدم كفاءة أطباء وزارة الصحة وعن تردي الخدمات الصحية المقدمة من الوزارة.
شيوع الاعتقاد بان هناك فساد لدى أطباء القطاع العام وأن الاستفادة منهم محصورة في سهولة الحصول على التقارير الطبية والتحاويل لمستشفيات أخرى وسهولة وصف العقاقير الطبية من قبلهم.
هناك افتراض لدى عامة الناس بتفشي الواسطة والمحسوبية بالنفاذ لخدمات وزارة الصحة إن كان في العيادات الخارجية أو الطوارئ، او بالحصول على توفر سرير بالمستشفى لإدخال مريض، أو لإجراء صور شعاعية أو تصوير طبقي محوري، أو الحصول على موعد قريب لإجراء عملية جراحية، كما أن هناك افتراض شائع من ان الواسطة والمحسوبية هي الأساس للحصول على عقاقير الأمراض المزمنة والعقاقير مرتفعة الثمن.
اعتقاد سائد بالمجتمع بشيوع الأخطاء الطبية بين أطباء القطاع العام.
شيوع ثقافة أن سلوك أطباء وزارة الصحة يتصف بالخشونة والقسوة.
دور وزارة ا لصحة في مجال التصدي لظاهرة العنف ضد الكوارد الطبية:
على وزارة الصحة ان تبادر مباشرة بالتخطيط والتنفيذ لبرامج تتعامل مع عوامل الخطورة المشار اليها أعلاه والتي تشكل جذور العنف ضد الأطباء وخاصة القيام ببرامج تستهدف عوامل الخطورة في المجموعة الثانية والثالثة كما يلي: (1) تحسين وتطوير بيئة عمل قياسية وآمنة توفر الكوادر والخدمات المساندة والأجهزة والعقاقير والبنية التحتية، و(2) برامج تغيّر الصورة النمطية السلبية السائدة بالمجتمع حول خدمات وزارة الصحة وخاصة فيما يتعلق بكفاءة الخدمات ومواجهة الفساد والأخطاء الطبية.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Comments