الأطفال ذو الإعاقة وعامة الأطفال يتساوون فقط بالتعاطف معهم بعد تعرضهم للعنف، وليس وقائيا قبل حصوله، فهم معرضون للعنف بنسبة تتراوح بين 3 اضعاف إلى سبعة اضعاف الأطفال غير المعاقين حسب البيئة وحسب نوع العنف.
تتفاوت نسبة حصول العنف على الأطفال ذوي الإعاقة اعتمادا على البيئة التي يسكنون بها والتي تتراوح بين الأسرة والمجتمع المحلي والمؤسسات الإجتماعية، وأماكن العمل، إلا أنها تشترك جميعا بوجود الوصمة الإجتماعية، والتميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة والتخلي عنهم. عبر التاريخ تعاملت أغلب المجتمعات مع الأشخاص ذوي الإعاقة بالتهميش والنبذ، فبعض المجتمعات المحافظة تعتبر أن ولادة طفل معاق هو نتاج اللعنة وارتكاب المعاصي والشر، أو هو نتاج الزنى والسفاح، أو بسبب خطيئة ارتكبت في أجيال سابقة أو من قبل والدي الطفل أو أحد أقاربه، والطفل ألذي يولد في مجتمع يعظم هذه الافكار سيكون عرضة للعنف الجسدي والجنسي والعاطفي في المنزل والمجتمع والمؤسسات الإجتماعية أو أماكن العمل، وستنخفض فرص اندماجهم في الحياة الإجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالتالي عدم التحاقهم بالدراسة وسيساهم ذلك إلى تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع التي أظهرت الدراسات أن ثلثهم يعانون من الإعاقات المختلفة، ويكون الأطفال ذوي الإعاقات في المناطق النائية والريفية عرضة أكثر من غيرهم لكافة أشكال العنف.
من الناحية الطبية تُعرف الإعاقة بأنها محدودية في الوظائف الجسدية و/أو العقلية للطفل للقيام بمهام الحياة اليومية الاعتيادية التي من المتوقع أن يقوم بها عامة الناس، وهي ناتجة عن حالة مرضية أو أكثر قد تحدث في أي مرحلة من مراحل نمو الجنين أو تطور الطفل. بالرجوع لدراسات منظمة الصحة العالمية فإن 10% من اليافعين في العالم يكونوا قد ولدوا بإعاقات أو يصبحوا معاقين قبل عمر 19 سنة، وتفاوت هذه النسبة بين الدول يعتمد مباشرة على الخدمات التي توفرها المؤسسات الحكومية والتطوعية لتشخيص وعلاج الأطفال المعاقين، وعلى دقة الإحصاءات التي تقوم بها وزارة الصحة وعلى الثقافة السائدة بالمجتمع وعلى الاتفاق على تعريف موحد عن ماهية الإعاقة.
العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة في المجتمع المحلي (خارج الأسرة والمؤسسات وأماكن العمل):
يعاني الاطفال في المجتمع المحلي من العنف أيضا بسبب الوصمة الاجتماعية وثقافة التميز ضدهم، حيث يشكلون هدفا سهلا لمرتكبي الإيذاء الجسدي والاستغلال الجنسي، ويفاقم الوضع سوءً طبيعة الإعاقة الجسدية والنفسية التي يعانون منها والبيئة المجتمعية التي قد توفر بالعادة الحماية للأطفال العاديين وليست متسقة مع حاجات الأطفال ذوي الإعاقة وغير صديقة لهم:
(1) النبذ الاجتماعي للطفل المعاق يتمثل بالوصمة الإجتماعية والتي تؤدي إلى عزله عن المجتمع المحلي بسبب الخوف من أن يتسبب بالأذى لأطفال أخرين، وبسبب المعتقدات السائدة من أن هؤلاء الأطفال ذوي الإعاقة ليس لهم قيمة إجتماعية وبالتالي هم عرضة لكافة أشكال العنف. يكون العنف ضدهم بالمجتمع المحلي من قبل البالغين أو من قبل الأطفال المراهقين غير المعاقين، أو من قبل جماعات في الأحياء أو من قبل عصابات. وعندما يحصل العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة بالمجتمع فإنه غالبا ما لا يتدخل أحد لحماية هؤلاء الأطفال، وقد يعتبروا أن معاناة هؤلاء الأطفال شيء طبيعي وقد يكون ممتعاً ومسلياً لهم.
(2) سهولة تحول الأطفال ذوي الإعاقة لضحايا: بسبب ضعفهم الجسدي الناتج عن الإعاقة وعدم قدرتهم على الهرب، وفاقدي السمع والنطق يكونوا غير قادرين عن التعبير عن المخاطر المحيطة بهم، وكفيفي البصر يعجزوا عن وصف الشخص الذي قام بالإعتداء عليهم جنسيا، والأطفال ذوي الإعاقات العقلية والنفسية يجدوا صعوبة بالتعبير عن طبيعة الاعتداء الذي تعرضوا له.
(3) حاجة الاطفال ذو الإعاقة لتعلق نفسي بأي شخص، وبالتالي قد يتم استغلالهم جنسياً أو جسدياً بسبب هذه الحاجة.
(4) تراخي الشرطة والحكومة بشكل عام في حماية الأطفال يؤدي إلى نقص وصولهم الى القضاء، يتعاضد ذلك مع نقص الدعم من الأسرة ومن مؤسسات المجتمع المدني وعدم توفر الخدمات المتخصصة بالتحقيق معهم وتوفير الحماية لهم.
(5) غياب المعرفة والمهارة بالتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة في النظام الشرطي والقضائي.
(6) تتعرض الطفلات ذوي الإعاقة للاغتصاب وللعنف الجنسي عموماً بنسبة مرتفعة من قبل غرباء.
(7) الممارسات التقليدية الضارة ضد ذوي الإعاقة، من مثل العلاج التقليدي أو البديل بدون مرجعية علمية تشكل خطرا إضافيا عليهم، وهذه الممارسات تحدث بسبب ثقافة ارتباط الإعاقة بالسحر والشعوذة.
اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قائمة على مبادئ عامة وردت في المادة الثالثة منها وتشمل احترام كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم وعدم التمييز ضدهم وضمان مشاركتهم بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛ وقبولهم كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية ومنحهم تكافؤ الفرص والمساواة واحترام قدراتهم واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم، ونصت المادة 16 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، داخل منازلهم وخارجها على السواء، من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء، بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس" كما ونصت المادة 23 من إتفاقية حقوق الطفل على أن تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع. وتعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة.
جذور الاعاقة وجذور العنف ضدهم:
ارتبطت الإعاقات بمعتقدات ثقافية أو اجتماعية تفترض عادة أن الطفل يولد بالإعاقة أو يصبح معاق لاحقا بسبب لعنة أو نجاسة أو بسبب علاقة غير مشروعة أو خطيئة ارتكبت في الأجيال السابقة أو في تقمص الأرواح أو الجن أو بسبب خطيئة ارتكابها والدي الطفل أو أي من أفراد عائلته. إن هذه المعتقدات السائدة حول أسباب الإعاقات تشكل عامل خطورة كامن لتعرض عدد كبير من الأطفال المعاقين للعنف وللإهمال.
الحماية للاطفال ذوي الاعاقة مسؤولية من؟
المجرمون ارتكبوا جريمة جنائية ويستحقوا أقسى عقاب، وهناك مسؤولية على اهل الشخص ذو الإعاقة بسبب عدم حمايته، الا أن توفير الحماية الاجتماعية الحقيقية يقوم بالأساس على الحكومة بما يتعلق بالخدمات والتشريعات والبرامج الوقائية والتوعوية، فلا زالت برامج وزراه التنمية الاجتماعية والمجلس الأعلى للأشخاص ذوي الاعاقة ضعيفة بما يختص البرامج الوطنية الهادفة لتغيير الثقافة السلبية السائدة بالمجتمع المتعلقة بالإعاقة والنظرة السلبية نحو الأشخاص المعاقين وأيضا ضعف برامج تحديد جذور وأسباب الاعاقة، وهناك ضعف بالتنسيق بين الخدمات الصحية والتعليمة والحماية الاجتماعية المقدمة لذوي الإعاقات مما يوفر البيئة لتعرضهم لمخاطر العنف والإهمال، وأيضا هناك غياب خطة وطنية شاملة تهدف لتوفير المهنيين والموظفين المختصين بالتعامل معهم وعدم كفاية توفير الموارد المالية لتنفيذ البرامج المتعلقة بهم.
مسؤولية الدولة:
على الدولة بناء على التزاماتها بالاتفاقيات الدولية بما فيها إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أن تلتزم بتطوير التشريعات وتضع الأطر العامة والسياسات وتنفذ الإجراءات الإدارية التي تضمن حقهم بالصحة والتعليم والحماية من العنف والإهمال إن كان في المنزل أو مؤسسات الرعاية والمدارس الخاصة بهم أو في الأماكن العامة، كما أن هذه الاتفاقية تلزم الدولة بتنفيذ برامج لتغير الثقافة السائدة في المجتمع والممارسات التي تميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، وعليها أن تنفذ على أرض الواقع إجراءات ملائمة للقضاء على كافة أشكال العنف والإهمال والتميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة من قبل الأفراد كمهنيين او موظفين أو من عموم المجتمع وان تعمل على مواجهة تردي الخدمات في المؤسسات التي تقدم الخدمات لهم.
الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا مجرد حالة مرضية تستدعي العطف والرعاية الصحية والاجتماعية، وليسوا مجرد مواضيع للدراسة والأبحاث هم بشر يستحقوا أن يتمتعوا بكامل حقوق الإنسان.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة
Comments