top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

المأساة الغامضة، إصابات الرأس المقصودة لدى الأطفال الرضع

إصابات الرأس المقصودة لدى الأطفال الرضع أو ما يسمى "متلازمة الطفل المرتج" هو شكل جلي من أشكال إساءة معاملة الأطفال الخطيرة، تنتج عن التسارع الدوراني المتأتي عن الرج العنفي للطفل أو الرج والارتطام، بشكل يمكن لمن يشاهد الحدث أن يميز خطورته بسهولة. إن إصابات الرأس الناتجة عن رج الطفل هي إصابات مميتة الشدة ولتجنب عواقبها السيئة يجب التركيز على الوقاية قبل حصول الأذية.

المأساة الغامضة، إصابات الرأس المقصودة لدى الأطفال الرضع
المأساة الغامضة، إصابات الرأس المقصودة لدى الأطفال الرضع

الإساءة الجسدية للأطفال هي أكثر أسباب إصابات الرأس الخطيرة شيوعا لدى الأطفال الرضع. تشخص الإصابات الناتجة عن إساءة معاملة الأطفال، بشكل عام، بعد استثناء الاحتمالات أخرى، إلا أن هذا يجب أن لا يطبق على الأطفال الرضع، حيث أن أي إصابة بالرأس لديهم، على الأعم الأغلب، هي غير عرضية. تحدث متلازمة الطفل المرتج عادة في الأطفال الذين أعمارهم أقل من سنتين إلا انه تم توثيق حدوثها في أطفال أعمارهم أقل من خمسة سنوات. هذه المتلازمة، وعلى العكس من الاعتقاد السائد، شائعة الحدوث وقد تشخص خطأ في الحالات الغامضة أو قد ُتحجب خطورتها بتشخيص غير سليم. راعي الطفل (المسبب للإصابة) عادة ما يشوه ويُحرّف ظروف إحداث الإصابة أو قد يدعي بعدم معرفته بأسباب حدوثها، أما راعي الطفل (غير المسبب للإصابة) قد لا يكون على علم بما حصل للطفل بسبب عدم وجود إصابات خارجية على الجلد. إن غموض ظروف الإصابة، وتغير وتقلب العلامات التي يشاهد بها الطفل المرتج، يوجب على الطبيب أن يكون حذرا ويقظا بإفراط عند تعامله مع أي إصابة رأس لطفل رضيع، وعليه أن يكون ضليعا في المشاهدات السريرية والشعاعية لمثل هذه الحالات.


الأسباب: رج الطفل المحدث "لمتلازمة الطفل المرتج" هو فعل عنفي لدرجة أن أي شخص يشاهده يدرك خطورته واحتمال إماتته للطفل. هذه المتلازمة هي نتيجة أذية عنف مقصود وتَجَمُع المشاهدات السريرية المكونة لهذه المتلازمة لا تأتي بسبب السقوط من مرتفع قريب (مثل السقوط من على السرير)، ولا تتولد عن نوبات صرع إختلاجية، وهي ليست مضاعفة من مضاعفات تطعيم الطفل لأي مرض من الأمراض. رج الطفل بحد ذاته يؤدي إلى حدوث أذية خطيرة أو مميتة، وفي بعض الأحيان يكون هناك إصابات أخرى بالرأس ناتجة عن الإرتطام المرافق للرج، وهنا يفضل إستخدام تعبير "متلازمة الطفل المرتج المرتطم". رج الطفل بشكل عنف ينتج عن توتر وإحباط لدى المسيء كإستجابة سلبية لبكاء الطفل أو نزقه، وهذه الأمور لدى الطفل لا تعطي أي مبرر منطقي أو قانوني لإيذاء الطفل بأي شكل من الأشكال. عوامل الخطورة لقيام راعي الطفل برجه تكمن في أن لديه توقعات غير واقعية من الطفل أو أنه يحبط لأنه يتوقع أن احتياجاته ستلبى حتما من خلال الطفل. وقد يكون التوتر ناتج عن الأوضاع الاقتصادية، البيولوجية، الاجتماعية أو البيئية المحيطة بالراعي وطفله مما يؤدي على سلوكيات متهورة، مندفعة وعدوانية. وجود عنف أسري، تعود على الكحول والمخدرات وصغر حجم أو عمر الطفل تشكل عوامل خطورة إضافية لتعرض الأطفال للرج.


الإنتشار: تبتين الدراسات في الدوريات الطبية أن إصابات الرأس هي أكثر الأسباب شيوعا للموت الاصابي، وهي في طليعة أسباب موت الأطفال من سوء المعاملة. القتل هو في طليعة أسباب الإصابات المميتة للأطفال أقل من ثلاث سنوات. بعد استثناء وجود كسر في الجمجمة فأن 95% من إصابات الرأس لدى الرضع أقل من سنة واحدة ناتجة عن إساءة معاملة الأطفال. 80% من أذيات الرأس في الأطفال أقل من سنتين ناتجة عن إصابات غير عرضية.متلازمة الطفل المرتج هو ليس حدث منعزل بل قد يكون جزء من استمرار تعرض الطفل لإصابات غير عرضية أخرى، حيث تبين أحدى الدراسات أنه كان هناك علامات لإصابات سابقة في الدماغ في 33% من الحالات. مثل باقي حالات الإساءة فأن الذكور أكثر عرضة من الإناث.


المظاهر السريرية والتقييم: علامات متلازمة الطفل المرتج تتراوح بين علامات غير حادة وغير محددة إلى علامات شديدة وواضحة. وهناك طيف من عواقب المتلازمة لدرجة أن الحالات غير الشديدة قد لا تلفت انتباه الأطباء وقد لا تشخص أبدا. قد يكون هناك رفض للطعام، تقيؤ، نعاس، و/أو تهيج لعدة أيام أو أسابيع وهذه العلامات غير المحددة ليس بالضرورة أن تحث راعي الطفل غير المسيء لطلب المساعدة الطبية. أما العلامات الشديدة والواضحة فتحدث مباشرة بعد الرج، لدرجة أن الطفل يفقد الوعي وقد يصاب بنوبات إختلاجية. ومما يزيد الأمر خطورة وغموضا أن الطفل المغمى عليه بسبب الرج يوضع في السرير من قبل المسيء على افتراض أنه نائم وبذلك يفقد الطفل احتمال إنقاذ حياته أو صحته بتدخل علاجي مبكر. قد يصاب الطفل بعلامات عصبية واضحة مثل صعوبة الرضاعة أو البلع وعدم الحركة أو إصدار أية أصوات، ويعزى ذلك أيضا لنعاس الطفل أو نومه. وقد ينتج عن إصابة الدماغ صعوبة بالتنفس وبط في دقات القلب التي تتطلب عمليات أنعاش عاجلة. عند معاينة الطفل المتعرض للرج يجب نفي وجود أي علامات لإصابات ناتجة عن الإساءة الجسدية بشكل عام من مثل الكدمات بأصابع اليد على العضدين أو كسور الأضلاع ونهايات العظام، وحتى احتمال وجود إصابات في البطن. احتمال حدوث النزف في شبكية العينين هو 75% من حالات متلازمة الطفل المرتج، ويكون ذلك في إحدى أو كلتا العينيين، علما بأن شدة النزف يعكس شدة الإصابة بشكل عام. العلامات الأخرى في العينين بالإضافة للنزف في الشبكية هي النزف في السائل الزجاجي ووجود ثنيات في الشبكية. عادة ما تبدو علامات "متلازمة الطفل المرتج" لطبيب الإسعاف وللوهلة الأولى على أنها علامات لالتهاب سحايا الدماغ، وسائل النخاع الشوكي قد يكون دامي ويلتبس الأمر على الطبيب بأن ذلك ناتج عن الوخز وليس النزف تحت طبقة الأم الجافية للدماغ. الصور الشعاعية للصدر طبيعة وخالية من الإلتهابات الرئوية وقد تظهر علامات لكسور سابقة في الأضلاع. قد يعاني الطفل المرتج من فقر الدم وصعوبة في تخثر الدم.


آلية حدوث الإصابة: رج الطفل يودي إلى تحرك الدماغ بشكل دوران داخل الجمجمة، مما يحدث تمزقا في الأوردة المجسرة التي تربط طبقة الأم الجافية للدماغ بطبقة عنكبوتية الدماغ. يكون النزف شديدا في المنطقة ما بين فصي الدماغ وأقل شدة على سطحهما، وفي وقت لاحق يحدث وذمة دماغية خاصة عند حصول نزف تحت عنكبوتية الدماغ. تكدم الدماغ نادر الحدوث إلا أن أذيات المحاور العصبية شائع في أغلب حالات "متلازمة الطفل المرتج"


العواقب: نسبة الإمراض والإماتة بين الرضع ضحايا الرج عالية جدا، حيث أن نسبة الإماتة تصل إلى 15- 38% (متوسط 20% )، وهناك نسبة 60% من الأطفال الذين وصلوا الطبيب في حالة غيبوية ماتوا أو تخلف إعاقة شديدة دائمة عن الإصابة الأولية (مثل إعاقة عقلية وشلل في الأطراف أو إعاقة حركية) . قد ينتج عن الإصابة فقدان البصر، فقدان السمع، فقد القدرة على الكلام، تخلف إختلاجات دائمة، ضمور الدماغ و/أو إستسقاء الدماغ، وقد يتخلف عنها عواقب سلوكية مستقبلية وعواقب صعوبات التعلم.


التوصيات: زيادة كفاءة المهنيين المعرفية حول التعرف المبكر، التشخيص، العلاج، وعواقب متلازمة الطفل المرتج. زيادة وعي المهنيين واضطلاعهم بواجبهم للتبليغ عن الحالات للجهات ذات الصلاحية. تقديم المعلومات الطبية لأعضاء المجموعات المهنية المتعددة المتعاملين مع هذه الحالات. دعم برامج مجابهة إساءة معاملة الأطفال الفعالة. المساهمة في تثقيف الوالدين حول التغلب على المشاكل عند التعامل مع أطفالهم.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي

الخبير في حماية الطفل

٢١٧ مشاهدة
bottom of page