"جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات" و "إنتهاك صارخ لحقوق الطفل"
جريمة خطف الأطفال حديثي الولادة والرضع قد تحدث عموما في المستشفيات وخاصة من غرف الأمهات أو غرف رعاية حديثي الولادة، أو غرف أقسام الأطفال، أو من داخل منزل الطفل أو في الأسواق أو من السيارات، ومدى شيوع هذه الجرائم في المجتمعات المختلفة يعتمد على عوامل اجتماعية متفاوتة وعلى ظروف محيطة بالطفل تعكس مدى الوعي العام بحقوق الطفل وخاصة حقه بالحياة والحماية من الاستغلال والعنف. إن طبيعة مجتمعنا الاجتماعية والثقافية المتماسكة وخاصة برعاية الأطفال حديثي الولادة توفر لهم الحماية الفائقة حيث أن جرائم خطف الأطفال في الأردن من المنزل ومن السيارة أو في الأسواق هي نادرة جدا إن لم تكن معدومة مقارنة مع مدى شيوعها عالميا، إلا أن غياب الرقابة الإدارية وعدم كفاءة نظم الحماية البشرية والتقنية أو فشلها، أتاح الظروف لحدوث بعض جرائم خطف الأطفال الرضع من المستشفيات والتي عادة ما تتصف بالانتهازية والتطفلية من قبل الخاطف.
جريمة خطف حديثي الولادة في التشريعات الاردنية والمواثيق الدولية:
للوهلة الأولى قد يبدو أن حقوق الطفل قد انتهكت من قبل المجرم الخاطف والواقع أن فعل الخطف بحد ذاته هو جريمة واضحة لا تحتمل اللبس يعاقب عليها قانون العقوبات فقد نصت المادة 302 من قانون العقوبات على {كل من خطف بالتحيل او الاكراه شخصاً -ذكراً كان او أنثى -وهرب به الى احدى الجهات، عوقب بالحبس من سنتين الى ثلاث سنوات إذا كان لم يكمل الثامنة عشرة من عمره} والمادة المادة 291{من خطف او ابعد قاصرا لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ولو برضاه بقصد نزعه من سلطة من له عليه حق الولاية او الحراسة، عوقب بالحبس من شهر الى سنتين وبالغرامة من ثلاثين ديناراً الى مائة دينار} والمادة 287 نصت على {من قام بفعلٍ أدى إلى نسب قاصر إلى امرأة لم تلده أو إلى غير أبيه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة}، لكن الواقع الأليم أن حقوق الطفل المخطوف قد انتهكت من قبل اللذين أخفقوا في توفير حماية حياته وعرضوه للاستغلال والعنف وقد يكون للإتجار به، إن كانوا مؤسسات أو أفراد، فقد نصت المادة 35 من اتفاقية حقوق الطفل على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال. كما وأن الإخفاق بحماية حديثي الولادة والأطفال الرضع من الخطف يولد مخاطرا وعواقب تشكل انتهاكا جليا لحق الطفل الأصيل بالحياة وحقه بالنمو وبالبقاء (المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل) وحقه بأن يكون له منذ ولادته أسم وجنسية وحقه بمعرفة والديه وتلقي رعايتهما (المادة 7) وحقه بالحفاظ على هويته وصلاته العائلية (المادة 8)، وهذا يتفق تماما مع أن خطف الأطفال الرضع هو انتهاك لمقاصد الدين الإسلامي بالحفاظ على الذرية والنفس.
من هم ضحايا جرمية خطف حديثي الولادة؟
أن ضحايا هذه الجريمة هم الأطفال حديثي الولادة الأصحاء وبشكل أقل شيوعا الأطفال الذين أعمارهم أقل من ستة أشهر، ونسبة شيوعها متساوية نوعا ما لدى الذكور والإناث، وعادة ما تكون خلفية الطفل الاجتماعية والثقافية مشابهة لخلفية خاطفيه.
النمط التقليدي لجريمة خطف حديثي الولادة؟
أن النمط التقليدي لمرتكبي هذه الجرائم هو أن الخطف يرتكب في وضح النهار من قبل شخص واحد وعادة ما يكون أنثى لبقة الكلام ومظهرها لا يثير الريبة، وفي أغلب الحالات يتراوح الدافع للخطف بين "دافع داخلي نفسي لرغبة المرأة الغريزية للحصول على طفل بأي ثمن" وبين "دافع اجتماعي اقتصادي لمحاولة البقاء على العلاقة الزوجية لأم عاقر أو لأب عقيم" إلا أنه من غير المستطاع استبعاد دافع الإتجار أو الاستغلال.
وسيلة خطف الأطفال حديثي الولادة والرضع تشمل التواجد التطفلي للخاطفة، بانتهاز فرصتها في مكان الخطف الذي هو بالعادة مستشفى الولادة، أو بالتواصل الكلامي الخادع مع والدة الطفل المخطوف، ونادرا جدا ما يتم الخطف باستخدام العنف المباشر، وفي أغلب الحالات تواصل المجرمة جريمتها بالسير خارجة من المستشفى ببساطة دون حاجتها لإخفاء الطفل لتوفر الظروف المتراخية التي انتهزتها الخاطفة.
عواقب جريمة خطف حديثي الولادة؟
عواقب هذه الجريمة على الوالدين تشمل المعاناة النفسية والسلوكية القريبة والبعيدة المدى، والتي قد تكون شديدة نوعا ما، وعلى ألأغلب أن تبقى هذه الأعراض حتى وإن عثر على الطفل. تشمل الأعراض النفسية المباشرة معاناة الوالدين من الصدمة والرعب وعدم تصديقهم لحادثة الخطف، وتتجمد فجأة المشاعر الحميمة للأمومة والأبوة المنتظرة، تم يدخل الوالدين في مرحلة من التوتر والقلق والشعور بالذنب، وتزداد هذه الأعراض بسبب عدم توفر الدعم النفسي وبسبب التعامل غير المهني من قبل الآخرين معهم وتمتد هذه المرحلة فترة ساعات أو أيام أو أشهر اعتمادا على العثور على الطفل حينها تبدأ عملية الشفاء وإعادة التعلق النفسي بالطفل. إن أعراض الصدمة والرعب قد يتكرر ظهورها عند لقاء الوالدين بالخاطف او الخاطفة أثناء المحاكمة أو أثناء الإجراءات القانونية السابقة لها. هناك احتمال ضئيل أن يتعرض الطفل المخطوف للإيذاء الجسدي المباشر أو للأمراض المعدية، وقد يتعرض للإهمال الجسدي بعدم تلبية احتياجاته الأساسية من طعام ولباس ورعاية طبية، وللإهمال النفسي بغياب العلاقة الطبيعية بشخص يرعاه. أن مثل هذه الأعراض التي قد تشاهد على الطفل من قبل والديه عقب العثور عليه، أو مجرد احتمال وجودها يولد موجة ثانية من المعاناة النفسية لهما تخوفا من أية عواقب خلفها الخطف على صحة الطفل النفسية أو الجسدية.
تمتد المعاناة النفسية إلى مقدمي الرعاية الطبية بتعرضهم للصدمة والتوتر والقلق بالإضافة إلى عواقب تحملهم لمسؤوليتهم القانونية والإدارية، كما وأن مثل هذه الحادثة تخلف السمعة السيئة للمؤسسة الطبية التي حصلت بها رغم إنجازاتها وقد تعرضها للملاحقة القانونية بسبب إخفاقها غير المبرر بمنع ضرر يلحق بمرضاها وتتحمل مسئولية جبر أي ضرر جسدي أو نفسي يلحق بالطفل أو بوالديه.
العثور على الطفل حديث الولادة:
في ألأعم الأغلب من الحالات يتم العثور على الطفل بمشاركة وسائل الإعلام بتبليغها مباشرة عن جريمة الخطف لنقل ألمعلومات المتاحة للعامة من الناس مما يوفر احتمالية العثور على الطفل من قبلهم، ويتوقع من المواطنين أن يبلغوا عن أي ظروف مشتبهة أو محتملة قد تتعلق بهذا الطفل، ويجب أن يكون المحور الرئيسي للتغطية الإعلامية عودة الطفل الآمنة لوالديه وليس اعتقال الخاطفة أو الانتقام منها. كما وان تبادل المعلومات بين الجهات المعنية الرئيسية هو الأساس في الوصول للطفل، وتشمل هذه الجهات العاملون الصحيون من ممرضات وأطباء وكذلك أمن المستشفى والأمن العام والجهات القضائية. يتوقع من ضباط الشرطة أن يكونوا المحور الرئيسي والهام بهدف الوصول إلى الطفل سليما معافا ويعتمد ذلك على سرعة تبليغهم بحادثة الخطف من قبل الممرضات والأطباء وكذلك على جمعهم المعلومات المفصلة عن الطفل ووالديه وعن الخاطفة المشتبهة وعن ظروف الجريمة، ومن ثم تتبع خيوط الجريمة أن كانت مقابلة الشهود أو تتبع الآثار والتواصل مع مقدمي الخدمات للأطفال ومع المواطنين وحثهم التبليغ عن أي ظروف مشتبهة.
الوقاية من جريمة خطف حديث الولادة:
هل كان هناك ما يمكن إجراءه لمنع تواجد الخاطفة في مكان ارتكاب الخطف (المستشفى)؟ إنه من السهولة على الخاطفة حجب الدافع الجرمي لهذا التواجد، بسبب غياب الرقابة الإدارية ونظم الحماية البشرية والتقنية أو بسبب عدم كفاءتها، فجرائم خطف الأطفال حديثي الوالدة هي جرائم تتصف بالانتهازية والتطُفلية، وعليه فالوقاية منها تكون بمواجهة التراخي في الأمور المهنية من قبل مقدمي الرعاية الصحية التمريضية والأمن الخاص بالمستشفى وكذلك مواجهة الإخفاق الإداري بإيجاد والتطبيق الفوري "لدليل إجراءات حماية الأطفال حديثي الولادة" تلتزم وزارة الصحة بتطبيقه في جميع المستشفيات التي تتعامل مع الأطفال حديثي الولادة والرضع، ورفع كفاءة نظم الأمن والآمان بتوفير التقنيات الحديثة من مثل مراقبة الممرات بالكاميرات الرقمية، وتدريب الممرضات على مهارات التواصل والتثقيف للأمهات واقارب الأطفال. أما الاستجابة للأزمات بالطريقة الارتدادية بمعاقبة الممرضات وأفراد أمن المستشفى فأنه لا يتوقع أن تترك أثرا ملموسا بالوقاية من تكرار هذه الجريمة على المدى البعيد ولا تعفي المؤسسة الصحية من مسؤوليتها الإدارية والأخلاقية بتوفير الأمن والآمان والحماية للأطفال حديثي الولادة والرضع.
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي
الخبير في مجال حماية الأطفال من العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة
Commenti