هل الواقع الحالي لوزارة الصحة وخدماتها المقدمة للمواطنين يضمن الحفاظ على حقوق الإنسان وحقوق المريض؟
على الرغم ان الحق بالصحة لم يرد نصا بالدستور الأردني الا إن الأردن موقع على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحق بالصحة وعضو فاعل في منظمة الصحة العالمية، والحكومة الأردنية ملزمة بواجب الحفاظ على الحق بالصحة، ومواجهة الأخطاء الطبية وما يليها من مسؤولية وضرر وانتهاك لحق الإنسان بالصحة ولحقه بالحياة.
الحق بالصحة
يشمل الحق في الصحة، أربعة عناصر هي:
1) توفير القدر الكافي من المرافق الصحية العمومية ومرافق الرعاية الصحية، والمستلزمات، والخدمات، والبرامج.
2) استفادة الجميع من فرص الوصول إلى المرافق والخدمات الطبية، ضمن جميع مناطق الدولة.
3) يجب أن تحترم جميع الخدمات الطبية الأخلاق الطبية المهنية وأن تكون مناسبة ثقافياً وأن تراعي متطلبات الجنسين والاطفال وكبار السن.
4) يجب أن تكون المرافق والخدمات الطبية مناسبة علمياً وطبياً وذات جودة ونوعية جيدة.
حقوق المريض
1) حق المريض على الحكومة ضمان توفير سهولة نفاذه لخدمات رعاية صحية وقائية وعلاجية جيدة، بما في ذلك حقه بسهولة الوصول والنفاذ لخدمات الرعاية الصحية الطارئة.
2) حق المريض بسهولة التحويل لخدمات الرعاية الصحية المتخصصة والمتقدمة، وحقه بالحصول على خدمات الرعاية الصحية المستمرة في مختلف المؤسسات الصحية دون أي انقطاع.
3) يتوجب على الحكومة ضمان حق المريض بالحصول على العقاقير الطبية الموصوفة له بسهولة ويسر.
4) حق الحصول على خدمات الرعاية الصحية في كافة المحافظات.
5) حق المريض معرفة القوانين والقواعد والسياسات المتعلقة بالتأمين الصحي وإجراءات علاجه.
6) حق المريض بالتعبير عن الظلم الواقع عليه بسبب المساس بحقوقه، كحقه بتقديم شكوى أو تظلم عن إجراءات علاجه.
7) حق المريض برفع قضية في حال الاشتباه بحصول خطأ طبي اثناء علاجه.
الوضع الصحي الراهن للقطاع الصحي الحكومي:
1) فشل تحسين وتطوير بيئة عمل قياسية وآمنة توفر الكوادر والخدمات المساندة والأجهزة والعقاقير والبنية التحتية.
2) الصورة النمطية السلبية السائدة بالمجتمع حول خدمات وزارة الصحة وخاصة فيما يتعلق بكفاءة الخدمات ومواجهة الفساد والتعامل مع الأخطاء الطبية.
3) تفشي الفساد الأصغر، من مثل هدر الدواء والمستلزمات الطبية، فوضى المواعيد عيادات والاشعة.
4) فساد التقارير الطبية أن كان باللجان الطبية او تقارير الطب الشرعي او تقارير الطوارئ، او تقارير التحويل للخدمات المتخصصة بالجامعات ومركز السرطان.
5) ضعف مبادرات وزارة الصحة في مواجهة ظاهرة العنف ضد كوادر القطاع الصحي.
6) الفشل في مواجهة التدخين وخاصة النرجيلة، فشل برامج التوعية والوقاية وإخفاق بتنفيذ القانون.
7) الفشل في انشاء مديرية متخصصة بمواجهة العنف والإصابات.
8) ضعف او غياب الخدمات الصحية بمؤسسات الرعاية الاجتماعية وخاصة الأطفال.
9) ضعف الخدمات الصحية في مراكز الإصلاح ودور رعاية الاحداث الجانحين.
10) ضعف خدمات الصحة النفسية بما في ذلك الصحة النفسية للأطفال، وفشل التعامل مع محاولات الانتحار في اقسام الطوارئ والتي تنتهي بلا متابعة.
11) ضعف خدمات الصحة المدرسية.
12) ضعف او غياب الخدمات الاجتماعية بالمستشفيات لمرضى كبار السن والسرطان والامراض النفسية العنف الجريمة.
13) تعثر إجراءات التأمين الصحي الحالي، وفشل تحقيق التأمين الصحي للجميع. (تابع فقرة متخصصة ادناه)
14) العجز عن التعامل مع الأخطاء الطبية والفجوات في قانون المسؤولية الطبية والصحية. (تابع فقرة متخصصة ادناه)
15) فشل وزارة الصحة بتعريف موحد للحالة الطارئة وتوعية عموم المجتمع بهذا التعريف، حيث تختلف قناعة اقارب المريض وخاصة المرضى الاطفال عن راي الكوادر الطبية وعن الواقع فالتعريف لدى الاطباء غير موحد ويتفاقم الوضع سوء بغياب التدريب والتعليم المستمر، وأيضا بفشل عيادات الاسرة الملحقة بالطوارئ. حيث تكرر هذا الفشل سابقا عدة مرات.
16) استجداء العلاج للحالات الطارئة بغياب مديرية طوارئ مركزية بالوزارة.
تحديات الحوكمة في وزارة الصحة
1) اخفاق وزارة الصحة توفير بيئة العمل المعيارية في مستشفياتها ومراكزها الصحية وكذا الفشل في ضمان تنفيذ التدريب المتدرج والتعليم المستمر ووضعها برامج ضبط الجودة موضع التنفيذ وعجزها عن الخلاص من البيروقراطية والترهل والتعثر الاداري.
2) لا جدوى مطلقا من عزل وتغيير وزير الصحة، لان جذور الوضع الصحي المتردي للمستشفيات الحكومية هو غياب الارادة السياسية لرئاسة الحكومة وعدم تحمل المسؤولية الأدبية والتنفيذية بالحفاظ على حق المواطن بالحياة والصحة والعلاج بالمساواة بمعايير علمية.
3) اصلاح خدمات وزارة الصحة لا يتم باتخاذ قرارات انفعالية بنقل المدراء عقب حدوث مأساة.
4) اجراء هيكلة إدارية على فترات متفاوتة، ارض خصبة للفساد والتعينات بالواسطة والمحسوبية.
5) الأولويات لوزير ورئيسه مشغولان اعلاميا بافتتاح خدمات دنكوشوتية بمستشفى البشير، دعاية إعلامية وهمية.
فوضى التأمين الصحي في الأردن واستجداء علاج غير المؤمنين
هل الحكومة قادرة على تنفيذ وعود التأمين الصحي للجميع بعدالة ومساواة؟
1) فوضى التأمين الصحي في الأردن يشكل انتهاك صارخا للحقوق المذكورة سابقا، فهناك:
2) تغير مستمر في أنظمة التأمين والذي يستهدف في الاعم الاغلب خفض النفقات لصالح ميزانية الحكومة على حساب المريض وصحته وحياته بما في ذلك عدم مباشرة مؤسسة الضمان الاجتماعي بتنفيذ المادة الواردة في قانونها والمتعلقة بالتأمين الصحي للمنتفعين من الضمان وأسرهم.
3) تعدد الجهات التي تمنح الإعفاء لغير المؤمنين صحيا من وزير الصحة لرئيس الوزراء لقائد القوات المسلحة للديوان الملكي والتي تحتاج لإجراءات معقدة وتقارير طبية لا يتم الحصول عليها بسهولة ويرافق الحصول على هذه التقارير فوضى الواسطة والمحسوبية وعدم مصداقية هذه التقارير، كما أن استجداء العلاج على أبواب الوزراء ورئيس الوزراء، بحد ذاته يشكل امتهان لكرامة الإنسان ولحقه بالصحة والعلاج.
4) استجداء ا لعلاج بالصحف ومواقع التواصل الاجتماعي انتظار لمبادرة او مكرمة من جهة ما يشكل أيضا انتهاكا لحق المريض بالصحة والعلاج وما يرافق ذلك من نشر صور وسرد أحداث عن المرض التي بحد ذاتها تشكل انتهاك لحق المريض الخصوصية والسرية أثناء علاجه.
5) يرافق إجراءات الإعفاءات للحصول على تأمين صحي مؤقت بيروقراطية غير مبررة وتأخير دون أسباب منطقية وهذه مرتبطة بثقافة راسخة بالقطاع العام تهدف للاستثمار الوظيفي بالعلاقات الاجتماعية لإرضاء من اعتادوا على طلب الواسطة بادعاء أنهم وجهاء وشيوخ أو إرضاء لنواب المناطق التي يسكن به المريض وهذه جميعها تشكل شكلا من أشكال الفساد في استخدام الوظيفة العامة للمنفعة الشخصية.
الأخطاء الطبية، فجوات قانون المسؤولية الطبية والصحية وفشل الاجراءات وتعثر اللجان
الأخطاء الطبية والتراخي في مواجهتها يشكلان انتهاكا لحق المريض بالحياة والصحة والعلاج
الأخطاء الطبية والتراخي التشريعي والإجرائي والاستقصائي بمواجهتها:
1) تشكل ضررا مباشرا يلحق بالمريض وبالصحة العامة للمجتمع
2) هي شكل من أشكال تدني جودة الخدمات المقدمة للمرضى
3) هي عدم التزام بالقانون والأخلاق الطبية المهنية
4) هي تميز في جودة الخدمات المقدمة للمرضى
جميع هذه الأمور تتعاضد وتشكل انتهاكا للحق بالصحة، وفي حال نتج عن الخطأ الطبي وفاة فإن الأخطاء الطبية تتجاوز كونها انتهاك للحق بالصحة لتصبح انتهاكا للحق بالحياة.
الوضع الراهن:
1) غياب قانون عصري مهني للمساءلة الطبية، إخفاق وغياب بالعدالة بنصوص القانون وبالإدارة وبالتنفيذ الميداني.
2) القانون «قاصر» ووزارة الصحة عاجزة عن تطبيقه إضافة إلى غياب دور المجلس الصحي العالي والمجلس الطبي ولجان المسؤولية الطبية مغيبة.
3) وزارة الصحة أسوء موقع لتنفيذ قانون المسائلة الطبية. هناك تضارب المصالح وتفشي البيروقراطية والترهل الاداري والمحسوبية، من المستغرب أن يحقق مستشفى أو قطاع مع نفسه.
4) غياب هيئة مهنية مستقلة محايدة للتحقيق الفني في الاخطاء الطبية موازية للتحقيق القضائي (الجزائي والحقوقي) لها مرجعية بقانون خاص أو جزء من قانون المساءلة الطبية.
5) الواقع العملي: ليس كل خطأ طبي ينتج عنه ضرر؛ بل ان أغلب الأخطاء الطبية لا ينتج عنها ضرر واضح يمكن توثيقه او قد ينجم عنها خطأ يتم تداركه (التعامل معه بطرق خفية)
6) كان على المشرع ان يوضح ذلك بالتعريف ويحدد الجهة التي تتعامل مع توثيق الأخطاء التي لا ينتج عنها ضرر والتي تشكل انتهاكا للمعايير المهنية وخطرا حقيقيا وان كان كامنا او محتملا على المريض ويعتبر شيوع هذه الأخطاء مقياسا لجودة الخدمات على المستوى الوطني. هذا النص في تشريع يترك الباب مفتوحا لاعتبار ان الأخطاء التي لا ينتج عنها ضرر هي ليست أخطأ وتقبلها من القطاع الطبي ومن المواطن.
من الناحية الاجرائية لا يمكن اثبات الخطاء الطبي بمرجعية علمية الا
1) بالكشف الطبي الشرعي المحايد المهني إن كان تشريحيا او سريريا
2) الكشف على مكان وقوع الخطأ الطبي عاجلا باعتباره "مسرح جريمة"
3) ضبط الملفات الطبية والتقارير مباشرة وقبل العبث بها وإن كانت الكترونية
بدون تحقيق ما سبق يبقى التعامل مع الاخطاء الطبية استخفاف بعقل المواطن والمريض واقاربه.
اعلان جمعية الأطباء العالمية بقرارها في إسبانيا عام 1992 والمعدل في سانتياغو عام 2005. طالب الجهات الرسمية والقطاع الطبي في كل الدول المشتركة بالجمعية مواجهة الأخطاء الطبية وملخص هذا القرار ما يلي:
1) تدريب الأطباء بالمعرفة والمهارة وأخلاقيات العلاجات والجراحات الطبية الحديثة
2) برامج توعية لعموم المجتمع حول الأمور الصحية والتفرقة ما بين المضاعفات والأخطاء الطبية
3) التوعية حول الأخطاء الطبية في برامج كليات الطب والتدريب التخصصي.
4) وضع ادلة إجراءات وبروتكولات معيارية على المستوى الوطني.
5) توفير الموارد البشرية والمالية والفنية لمقدمي الخدمات الطبية.
6) توفير الحماية القانونية للأطباء بما في ذلك توفير المحامين.
7) وضع قانون المسؤولية الطبية موضع التشريع والتنفيذ.
8) فتح المجال لشركات التأمين على أخطاء الأطباء والوصول لمرحلة أن يكون إلزاميا.
9) تدريب المحامين والقضاة في مجال الأخطاء الطبية.
الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي الخبير بحقوق الإنسان وأخلاقيات المهن الصحية
Comments