top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الإعاقة وحقوق الإنسان


الإعاقة وحقوق الإنسان
الإعاقة وحقوق الإنسان

​اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قائمة على مبادئ عامة وردت في المادة الثالثة منها وتشمل احترام كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم وعدم التمييز ضدهم وضمان مشاركتهم بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛ وقبولهم كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية ومنحهم تكافؤ الفرص والمساواة واحترام قدراتهم واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم، ونصت المادة 16 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، داخل منازلهم وخارجها على السواء، من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء، بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس" كما ونصت المادة 23 من إتفاقية حقوق الطفل على أن تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع. وتعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة...


المتعتقدات الثقافية والاجتماعية:

ارتبطت الإعاقات بمعتقدات ثقافية أو اجتماعية تفترض عادة أن الطفل يولد بالإعاقة أو يصبح معاق لاحقا بسبب لعنة أو نجاسة أو بسبب علاقة غير مشروعة أو خطيئة ارتكبت في الأجيال السابقة أو في تقمص الأرواح أو الجن أو بسبب خطيئة ارتكابها والدي الطفل أو أي من أفراد عائلته. إن هذه المعتقدات السائدة حول أسباب الإعاقات تشكل عامل خطورة كامن لتعرض عدد كبير من الأطفال المعاقين للعنف وللإهمال.

تعريف الإعاقة:

من الناحية الطبية تُعرف الإعاقة بأنها محدودية في الوظائف الجسدية و/أو العقلية للطفل للقيام بمهام الحياة اليومية الاعتيادية التي من المتوقع أن يقوم بها عامة الناس، وهي ناتجة عن حالة مرضية أو أكثر قد تحدث في أي مرحلة من مراحل نمو الجنين أو تطور الطفل. بالرجوع لدراسات منظمةالصحة العالمية فإن 10% من اليافعين في العالم يكونوا قد ولدوا بإعاقات أو يصبحوا معاقين قبل عمر 19 سنة، وتفاوت هذه النسبة بين الدول يعتمد مباشرة على الخدمات التي توفرها المؤسسات الحكومية والتطوعية لتشخيص وعلاج الأطفال المعاقين، وعلى دقة الإحصاءات التي تقوم بها وزارة الصحة وعلى الثقافة السائدة بالمجتمع وعلى الإتفاق على تعريف موحد عن ماهية الإعاقة.


الاطفال ذوي الاعاقة والعنف:

إن الأطفال ذوي الإعاقات إن كانت حركية أو حسية كفقدان البصر والسمع أو الإعاقات الإدراكية وإن كانت بسيطة كاضطرارات الكلام، هم أهم شريحة من أطفال العالم المهمشين والموصومين بوصمة إجتماعية تعرضهم للعنف والإهمال، وعبر التاريخ تعاملت كافة المجتمعات بطريقة سيئة مع هؤلاء الأطفال، وهذا هوالحال السائد بالتعامل معهم في أغلب دول العالم في بداية القرن الحادي والعشرين، وبسبب هذه النظرة السلبية عن الإعاقة فإن الأبحاث حول شيوع العنف والإهمال ضد الأطفال المعاقين هي محدودة جدا خاصة وأن عدد الدراسات المتعلقة بشيوع العنف والإهمال ضد الأطفال عامة هو بالأساس قليل جدا، إلا أن دراسات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن احتمال تعرض الطفل ذو الإعاقة للعنف والإهمال هو على الأقل أربعة أضعاف مقارنة مع عامة الأطفال، بسبب تفاقم عوامل الخطورة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية المحيطة بالطفل المعاق وليس له علاقة مباشرة بطبيعة الاعاقة نفسها. وإن إحتمال تعرض الطفل ذو الإعاقة للعنف الجنسي تحديدا يصل إلى 10 أضعاف الطفل غير المعاق، ومكان حدوث العنف ضد الأطفال المعاقين ليس محصورا بالأسرة فقد يحدث وبنسبة أعلى في مؤسسات الرعاية الإجتماعية أو حتى في المجتمع المحلي الذي يتواجد به الطفل أو الشارع أعتمادا على طبيعة إعاقته.


عواقب العنف والاهمال ضد الاطفال ذوي الإعاقة:

إن عواقب الإهمال والعنف القصيرة المدى والبعيدة المدى هي أقسى على الأطفال ذوي الإعاقة مقارنة مع عامة الأطفال، والتراخي بالوقاية والاستجابة للعنف والإهمال ضدهم قد يفاقم إعاقتهم وينعكس سلبا على صحتهم الجسدية والنفسية، ويؤثر سلبا على تطورهم المعرفي وفرص التعليم لديهم، وبالتالي يفاقم معاناتهم من الفقر وينقص فرص مشاركتهم بالحياة الإجتماعية والحياة العامة.


الإهمال والعنف داخل المؤسسات التي ترعى الاطفال ذوي الإعاقة:

إن تعرض الأطفال ذوي الإعاقة للإهمال وللعنف داخل مؤسسات الرعاية أو المدارس الخاصة بهم هو مؤشر على تراخي الدولة بالرقابة والأشراف على هذه المؤسسات وغياب سياسة وطنية واضحة معلنة تضمن التعامل معهم بمعايير مهنية تحقق آمنهم وسلامتهم وعدم تعرضهم للعنف، بالإضافة لذلك هناك غياب واضح بالبرامج الوطنية الهادفة لتغيير الثقافة السلبية السائدة بالمجتمع المتعلقة بالإعاقة وجذورها، وهناك ضعف بالتنسيق بين الخدمات الصحية والتعليمة والإجتماعية المقدمة لذوي الإعاقات مما يوفر البيئة لغياب الإكتشاف المبكر لحالات العنف والإهمال ضدهم، وهناك غياب خطة وطنية تهدف لتوفير المهنيين والموظفين المختصين بالتعامل معهم وعدم كفاية توفير الموارد المالية لتنفيذ البرامج المتعلقة بهم.


مسؤولية الدولة:

على الدولة بناء على التزاماتها بالاتفاقيات الدولية بما فيها إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أن تلتزم بتطوير التشريعات والقوانين وتضع الأطر العامة والسياسات وتنفذ الإجراءات الإدارية التي تضمن حقهم بالصحة والتعليم والحماية من العنف والإهمال إن كان في المنزل أو مؤسسات الرعاية والمدارس الخاصة بهم أو في الأماكن العامة، كما أن هذه الاتفاقية تلزم الدولة بتنفيذ برامج لتغير الثقافة السائدة في المجتمع والممارسات التي تميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، وعليها أن تنفذ على أرض الواقع إجراءات ملائمة للقضاء على كافة أشكال العنف والإهمال والتميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة من قبل الأفراد كمهنيين او موظفين أو بسبب تردي الخدمات في المؤسسات التي تقدم الخدمات لهم.

الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا مجرد حالة مرضية تستدعي العطف والرعاية الصحية والإجتماعية، وليسوا مجرد مواضيع للدراسة والأبحاث هم بشر يستحقوا أن يتمتعوا بكامل حقوق الإنسان.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الأمم المتحدة

bottom of page