top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

من المسؤول عن هروب الاحداث من مؤسسات الرعاية الاجتماعية


هروب الاحداث من مؤسسات الرعاية الاجتماعية
هروب الاحداث من مؤسسات الرعاية الاجتماعية

خبر يتكرر كل عدة أيام إلى بضعة أسابيع ومن يقرأ الخبر للوهلة الأولى ينحو باللائمة على هؤلاء الأطفال وكأنهم مجرمين. إن شيطنة وزارة التنمية الاجتماعية لهؤلاء الأطفال واعلانها عن حجج واهية لهربهم ما هو الا حجب شنيع لفشلها في التعامل معهم إن كان وقائيا قبل دخولهم المؤسسات الاجتماعية، او فشلها في التعامل معهم وتأهيلهم أثناء وجودهم بالمؤسسات الاجتماعية، وايضا اخفاقاتها بالتعامل مع ما يرتكبونه من سلوكيات سلبية أثنا وجودهم بالمؤسسات مثل ارتكاب العنف او الهرب.


هروب الاحداث من مؤسسات الرعاية الاجتماعية يجددالجدل حول جدوى مؤسسات الرعاية الاجتماعية: إن الطرق والأساليب التي يتم بها التعامل مع الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومع الأطفال في نزاع مع القانون، لها التأثير الأكبر والأهم على سلوكهم وفي الأعم الأغلب من الحالات يكون هذا التأثير سلبيا على شكل اعاقة تطورهم في كافة مراحل طفولتهم؛ من الولادة لعمر الثامنة عشرة.

في دول العالم الثالث أدى التراخي في رعاية الأطفال المحتاجين للحماية والرعاية الاجتماعية إلى نتائج سلبية على تطور ونمو عشرات الملايين من الأطفال، ونتج عن ذلك عواقب رافقتهم طوال حياتهم. اثبتت الدراسات ان تعلق الطفل بشخص بالغ يرعاه من مثل الأب او الأم او كليهما وتوفير الطعام المتوازن بمركباته الصحية الأساسية، هما عاملان أساسيان في خفض السلوك العنفي لدى اليافعين والبالغين، وبذلك تكون البيئة الأسرية السليمة من أهم عوامل حماية الطفل من ارتكابه السلوك العنفي.

نوعية الرعاية البديلة للأطفال في حال تفكك الأسرة لأي سبب كان تعتمد مباشرة على التفاوت في ثقافات المجتمعات المحلية وعلى الإمكانيات التي توفرها الدولة لرعاية وحماية الأطفال خارج أسرهم، وتتراوح الرعاية البديلة من اختيار الاسر الممتدة إلى الأسر البديلة، وفي حال عدم توفر هذه الأسر يتم اللجوء إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية والتي يتم إدخال الأطفال المحتاجين الرعاية والحماية إليها من مثل الأيتام، لكن هذه المؤسسات ليست حصرا على الايتام حيث يدخل أليها أطفال بسبب المرض او الإعاقة، او الأطفال الفقراء، أو الأطفال في ظروف صعبة كالحروب والكوارث او الاضطهادات السياسية والاجتماعية، والأطفال في وضعية الهجرة والنزوح. بينت الدراسات ان اهم عامل في جودة المؤسسات الاجتماعية لتكون عامل حماية وليست عامل خطورة لتولد العنف هو توفير الدولة الإمكانيات المالية والمهنية والإدارية لهذه المؤسسات.

من أهم الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة للأمم المتحدة الحفاظ على حياة وصحة ورفاه الأطفال، ويعتمد تحقيق هذا الهدف مباشرة على الخبرات الإيجابية المكتسبة في مرحلة الطفولة في مجال التعليم والخدمات الاجتماعية والصحة العقلية والصحة العامة والتأقلم الاجتماعي. الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية يفتقدون لهذه الخبرات الإيجابية وأثبتت الدراسات أن سلوكهم العنفي وانحرافهم هو نتيجة متوقعة بسبب إهمالهم وعدم توفير البيئة الضرورية لتطورهم فكريا وعاطفيا وجسديا.


مؤسسات الرعاية الاجتماعية وخاصة التي ترعى الاطفال في نزاع من قانون هي غير صديقة للأطفال وتشكل بيئة طاردة لهم. فيما يلي الجذور التي تؤدي إلى السلوكيات السلبية للأحداث في مؤسسات الرعاية الاجتماعية:

  1. بيئة هذه المؤسسات تشكل عامل خطورة حقيقي كضيق مساحة السكن، وعدم وجود او سهولة النفاذ إلى أماكن اللعب والترفيه وغياب المشاركة الإيجابية في المجتمع المحلي وعدم تنفيذ البرامج التي تتيح النفاذ للتعليم في المدارس خارج إطار المؤسسة الاجتماعية.

  2. فشل البرامج في مؤسسات الرعاية الاجتماعية لمحاربة الثقافة الاجتماعية السلبية السائدة في المجتمع التي تعظم العنف وتربطه بالرجولة والإخفاق في الترويج لمبادئ التسامح والحوار واحترام الآخر، وعلى العكس تماما فإن شيوع الثقافة السلبية في مؤسسات الرعاية الاجتماعية تنعكس سلبا على اليافعين وتعظم سلوكهم العنيف ضد رفقائهم في المؤسسة وضد المسؤولين والمشرفين عليهم.

  3. هناك خلال في العلاقة المهنية ما بين اليافعين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية وبين المشرفين عليهم، والتي تتصف في كثير من الأحيان بالعنف والرعونة والسلطوية من قبل المشرفين على الأطفال. هذه العلاقات المضطربة بين اليافعين والمشرفين تنعكس سلبا على القدرات الإدراكية والعاطفية لليافع وبالتالي تدفعه لعدم احترام المشرف وارتكاب العنف ضده وضد رفقائه في المؤسسة وضد ممتلكات المؤسسة والهرب منها ليعود إلى البيئة الخطرة التي ادخلته للمؤسسة وبالتالي الدخول في حلقة مفرغة خبيثة لا تؤدي إلا إلى تفاقم العنف.

  4. عوامل الخطورة الفردية المتعلقة بمعاناة اليافع من الاضطرابات النفسية او ضد المجتمعية أو الإدمان على العقاقير أو الكحول أو المخدرات او المواد الطيارة، لها دور هام في ارتكاب اليافع في مؤسسات الرعاية الاجتماعية للعنف اما بسبب محاولة الحصول عليها او الحصول على المال لشرائها أو كنتيجة لتأثيرها المباشرة عليه، وللأسف لا يوجد برامج حقيقية يتم قياس فاعليتها للتعامل مع اليافعين الذين يعانون من الإدمان والاضطرابات النفسية علما بان العلاج والتأهيل في هذا العمر ثبت نجاعته في كثير من الأحوال إذا طبق بمهنية واستدامة. عوامل الخطورة الفردية لدى اليافعين قد تتولد أو تتفاقم نتيجة العوامل المتعلقة بالبيئة المحلية للمؤسسة الاجتماعية أو العوامل المتعلقة بتقبل الثقافة السائدة التي تعظم العنف وأيضا بالعوامل المتعلقة بخلل العلاقة مع المشرفين على المؤسسة الاجتماعية (الفقرة 1، 2، و3 أعلاه).

لا يمكن حصر سلوكيات الاحداث السلبية في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، بما فيها الهرب والعنف، باحد هذه المجموعات بل هو ناتج عن تفاعل عوامل الخطورة في المجموعات الأربعة مع بعضها البعض.


المسؤولية المباشرة لوزارة التنمية الاجتماعية العمل في ثلاثة محاور رئيسية:

  1. التعامل مع عوامل الخطورة التي تؤدي إلى إدخال الطفل لمؤسسة الرعاية الاجتماعية، وهذا يعتبر اهم تدخل وقائي يخفض عدد الأطفال في مؤسسات الرعاية، يشمل هذا المحور إيجاد سياسات وتشريعات وبرامج متوافقة مع الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك تطبيق العقوبات البديلة وعدم تجريم الأفعال من مثل الهرب من المنزل والتشرد ولتسول، ويشمل أيضا تمكين الأطفال بتوفير التعليم النوعي المناسب للطفل والتعليم المهني ومهارات الحياة، وتمكين الطفل اقتصاديا. برامج التوعية العامة في الصحافة والتلفزيون لعكس صورة إيجابية عن الأطفال وتجنب أي صورة سلبية من الممكن أن تسيء لمجموعة من الأطفال. تطوير المهارات الوالدية وخاصة لتطور الطفل في المرحلة المبكرة ومتابعة ذلك في المراحل اللاحقة، من مثل متابعة الوالدين الحديثين من خلال الخدمات الصحية أو الاجتماعية. إيجاد برامج تعمل على إيجاد مراكز مفتوحة للأطفال في المجتمع المحلي أو في المدارس تمكنهم من الحديث واللعب، ومحاولة الوصول لحل مشاكلهم بأنفسهم بعد طلب المساعدة والإسناد عند الحاجة لذلك. بهذه الطريقة يتعلم الأطفال حل النزاعات سلميا، ويسهم في ذلك توفير لقاءات اجتماعية بين الأطفال وبين ضباط الشرطة والمسئولين. توفير برامج الأسر البديلة للأطفال المحرومين من الأسرة الطبيعية، ومن الممكن أن تكون هذه الأسر البديلة هي الأسر الممتدة. سهولة الوصول للخدمات الصحية والاجتماعية، وتوفير الخدمات من مثل الخط الساخن، ودار ضيافة للأطفال. تدريب الضباط على مبادئ الشرطة المجتمعية لمتابعة سلامة وحماية الأطفال في المجتمع. توفير خدمات العلاج والتأهيل النفسي الاجتماعي.

  2. الوقاية من العنف في المؤسسات الاجتماعية، وتشمل توفير الاستجابة متعددة المهن ضمن نظام عدالة الأحداث، بإطار تشريعي، ويشمل ذلك المهنيين في الخدمات الطبية والصحة العقلية والتعليمة والشرطية والاجتماعية والعاملين في مؤسسات المجتمع المدني. اعتماد الشراكة في تقديم خدمات المؤسسات مع المجتمع المدني. التدريب عالي المستوى على كيفية التعرف والتبليغ عن حالات الإساءة. إيجاد آلية لإلزامية إبلاغ الطفل عن كافة حقوقه وإن أنظمة وقواعد المؤسسة. إيجاد تعليمات مكتوبة حول مرحلة إلقاء القبض على الطفل: يجب إيجاد آلية لتوفير خدمات الطب الشرعي المجانية، وأعلام ولي أمر الطفل، وتوفير باحث اجتماعي معه أثناء التحقيق. أثناء فترة التوقيف: توفير ظروف التوقيف المناسبة التي تسمح بزيارة أفراد أسرة الطفل، ومحاميه، وفصل البالغين عن الأطفال، ورفع كفاءة العاملين. توفير برامج تسمح بالتعبير عن نفس الطفل. توفير تقييم لكل حالة من قبل لجنة فنية متخصصة. ما بعد التوقيف: إيجاد آليات عمل لمتابعة الطفل حول خيارات حياته المستقبلية: من مثل توفير مكان سكن عقب خروجه، وتوفير عمل له، متابعته حول عملية إدماجه بالمجتمع. المراقبة الدورية للمؤسسات من قبل المسئولين الحكوميين، بما فيهم البرلمانيون والقضاة. زيادة التفتيش على محاكم الأحداث. إيجاد إلية لجمع المعلومات في نظام عدالة الأحداث وإجراء الأبحاث.

  3. الاستجابة لحالات العنف ضد الأطفال عند حصوله بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، ويشمل تجريم العنف ضد الأطفال في المؤسسات وفي الرعاية البديلة بشكل جلي في قانون العقوبات. وإيجاد آليات بالحفاظ على الحق المدني والتعويض المالي للطفل نتيجة الضرر الذي لحق به. تتم المحاكمات علنية وبحضور إعلامي منسجم مع القانون. إيجاد عقوبات إدارية صارمة بحق من يرتكب العنف في المؤسسات تصل لفصله عن العمل. إيجاد آلية للتبليغ الإلزامي عن العنف ضد الأطفال تكون واضحة وشفافة وبسيطة وآمنة وتضمن للطفل تعرضه للانتقام، كأن يكون التبليغ لمفوض خاص أو للجنة مشتركة مع المجتمع المدني. توفير آلية توفر سهولة وصول الأقارب والمحامين والباحث الاجتماعي للطفل عقب حصول العنف. استقلالية الأطباء والمعلمين والباحثين الاجتماعيين العاملين في المؤسسة عن إدارتها. جمع الإحصاءات من قبل الحكومة حول العنف في المؤسسات الاجتماعية، وإجراء الأبحاث في هذا المجال.

الدكتور هاني جهشان، استشاري الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال

bottom of page