البيئة المدرسية يتوقع أن تكون بيئة "صديقة للأطفال" تحافظ على حقوق الطفل الأساسية وهي حقه بالحياة وبالصحة وبالحماية بالإضافة لحقه بالتعليم وهو الأساس في وجوده بالمدرسة، إن البيئة التعليمة الآمنة الصديقة للأطفال هي الحاضنة الحقيقية للإنجاز الأكاديمي وللتفكير الإيجابي وللإبداع.
حدوث الإصابات الشديدة والوفيات داخل المدرسة بسبب التعرض لإصابات أو مخاطر، هو امر مستغرب، حيث يتوقع أن توفر إدارة المدرسة ومديريات التربية ووزارة التربية والتعليم، الضمان بأن تكون البيئة المدرسة آمنة من كافة المخاطر التي قد تؤدي لإصابات أو وفيات.
تصنف ظروف حدوث هذه الإصابات كما يلي:
1) الانزلاق أو التعثر بسبب عيوب بالأبنية أو البنية التحتية في غرفة الصف، الأدراج (السلالم)، ملعب الرياضة، ساحة المدرسة، المقصف أو المرافق الصحية.
2) الجروح الناتجة عن أجسام غريبة حادة وخاصة في ساحة المدرسة.
3) الإصابات بسبب عيوب في الأبواب أو البوابات أو النوافذ أو أسوار المدرسة.
4) الإصابات بسبب عيوب بالأثاث المدرسي، الأجهزة الرياضية، مرافق الترفيه، الأبواب، أو البوابات.
5) الحروق الناتجة وسائل التدفئة أو التكهرب بالأجهزة الكهربائية وتوصيلاتها.
6) الإصابات الناتجة عن الطلب من الطلاب القيام بأنشطة تنظيف أو صيانة في المدرسة.
7) الإصابات أثناء الألعاب الرياضية، والًإصابات أثناء الرحلات خارج المدرسة.
8) التسمم بتناول الطعام من مقصف المدرسة.
9) الغرق في المسابح (في المدرس الخاصة).
مركبات البيئة المدرسية الآمنة الصديقة للطفل تتكون من المحاور التالية.
1) البنية التحتية من أبنية صممت هندسيا حسب المعايير الهندسية المعيارية المعترف بها دوليا، بما تشمله من مرافق صحية وغرف صفية و باحات ومختبرات، وقاعات أنشطة، وأجهزة ومعدات إلكترونية، وأجهزة التدفئة والتكيف، ومصابيح الإنارة بمعايير علمية.
2) إجراءات السلامة والأمن:
1. تشمل الصيانة الدورية للأثاث والغرف الصفية والباحات وللأسوار والأدراج والأبواب والنوافذ والمرافق الصحية، والمقابس والوصلات والأسلاك والتمديدات الكهربائية، والأجهزة الكهربائية وأجهزة الحاسوب وأجهزة التدفئة والتكيف. هذه الصيانة الدورية يجب أن توثق وترصد وتقييم بمرجعية معايير هندسية دقيقة.
2. توفير أجهزة ومستلزمات الإسعاف الأولي والإنعاش الصدري القلبي، وأجهزة إطفاء الحريق، بعدد معياري حسب عدد الطلاب:
3. توفير مخارج آمنة للطوارئ من المدرسة، معلن عنها بلوحات استدلال، لتستعمل هذه المخارج في حالات الحريق أو الكوارث الطبيعية، أو لاي داعي إخلاء أخر.
4. تدريب المعلمين والعاملين والطلاب اليافعين على استعمال أجهزة الإطفاء وعلى إجراءات الإسعاف الأولية الأساسية.
5. توعية المعلمين والعاملين والطلاب على الوقاية من المخاطر أثناء استخدام الأجهزة الكهربائية وأجهزة التدفئة والتكييف، والمخاطر الكامنة أثناء التواجد في المختبرات بنا في ذلك مخاطر استنشاق الغازات وأبخرة المواد الكيماوية.
6. التوعية على والتدريب لإخلاء المدرسة في حالات الطوارئ، وأجراء الإخلاء افتراضيا على الأقل مرة أو مرتين سنويا.
7. وقائيا توزيع الطلاب على طوابق البناية المدرسية حسب أعمارهم، فيخصص الطوابق السفلى للطلاب الأصغر عمرا وللطلاب ذوي الإعاقة، والذين يعانون من صعوبات التعلم.
3) خدمات الصحة المدرسية وخدمات الإرشاد النفسي الاجتماعي:
1. متابعة وضبط إعطاء المطاعيم حسب قوائم وزارة الصحة، والاحتفاظ بالملفات الطبية للطلاب حسب الحاجة.
2. الاستجابة للحالات الطارئة والإصابات وتدريب المعلمين والطلاب اليافعين على الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الصدري.
3. تشمل الاكتشاف المبكر لضعف الإبصار أو ضعف السمع واكتشاف الأمراض المزمنة والاكتشاف المبكر للإعاقات، والاكتشاف المبكر للعنف.
4. التعامل المهني المتخصص مع تحديات الأطفال النفسية والاجتماعية، ومحاولة الاستجابة لها مع المراكز المعنية في المجتمع المحلي.
2) المقاصف: تطبيق إجراءات السلامة الغذائية حسب تعليمات وزارة الصحة، بشكل موثق يتم رصده والتحقق منه دوريا، يتضمن نوعية الأغذية والفحص الطبي الدوري للعاملين في هذه المقاصف.
الواقع الحالي:
ما حدث مؤخرا في عدد من المدارس الحكومية من إصابات بسبب انهيار أجزاء من الأبنية المدرسية، وحدوث حالات اختناق خلال حريق نشب في أحد المدراس والفوضى بالتعامل معه، وعدم ضبط العدوى بالإنفلونزا الموسمية (الخنازير) وتعدد حالات التسمم من تناول الطعام من مقاصف بعض المدارس، تدل مجتمعة على مخاطر تهدد صحة وحياة الأطفال في المدارس وغياب البيئة الآمنة الصديقة للأطفال.
الواقع المشار إليه أعلاه، والمتكرر بأوجه مختلقة في عدة مدراس، ناتج عن غياب الإرادة السياسية للحكومة ووزارة التربية والتعليم بتوفير البيئة التعليمية الآمنة والصديقة للأطفال وهذا الغياب يتمثل بعدم توفير الميزانية الكافية لإحداث التغيير وغياب التخطيط والرصد والتقييم الدوري، وشيوع البيروقراطية والترهل الإداري وغياب الشفافية بالإدارة.
إن الإخفاق في توفير البيئة الآمنة يتعارض مع الحق بالتعليم الوارد في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 (1) لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا... (2) يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية...
الوقاية ومسؤولية الحكومة:
1) على وزارة التربية والتعليم أن تتحمل مسؤوليتها المباشرة نحو جميع مدراس المملكة الحكومية باستراتيجية واضحة قابلة للتنفيذ تقاس وترصد، وتبتعد تماما عن التبريرات غير المنطقية بغياب التمويل، حيث إن حماية الاطفال هي الأولوية الكبرى، ويتوقع أن يكون هناك أحقية لرصد الأموال لذلك من الميزانية العامة للدولة، حيث أن التراخي بهدف انتظار المبادرات الاستثنائية من قبل برامج التمويل الخارجي أو الشركات أو المتبرعين غير مبررة.
2) على وزارة التربية والتعليم أن تجري تقييم وتطوير ورصد لأداء مديرياتها المتعلقة بصيانة الأبنية والأجهزة والبنية التحتية، بما في ذلك المهام الرقابية الميدانية على المدراس في كافة أنحاء المملكة، وتجاوز الترهل الإداري والفساد بهذه المديريات.
3) على وزارة التربية والتعليم وضع وثيقة معايير قياسية للسلامة في المدارس تضمن الوزارة تنفيذها بتوفير الموارد المالية والبشرية، وبعقود صيانة مستدامة مع مؤسسات أو شركات قادرة على ضمان الاستدامة.
4) هناك مسؤولية على المدرسة بتشكيل لجنة أمن وسلامة من أهالي الطلاب والطلاب أنفسهم والمعلمين، تقييم وضع المدرسة وتضع خطة للتنفيذ وتستمر بالمطالبة وكسب التأييد، وتعمل على التواصل مع مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية في المجتمع المحلي لتوفير الخدمات الوقائية والعلاجية للإصابات التي قد تحدث بالمدرسة.
5) تدريب المعلمين والإداريين وموظفي الأمن، بورشات عمل متخصصة، تتعلق بالمخاطر التي قد تهدد سلامة الطلاب، وأيضا على إجراء الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الصدري.
6) توعية العاملين بوظيفة حاجب أو بواب بأساسيات التعامل مع الأطفال وحمايتهم من المخاطر.
7) هناك دور رقابي للدفاع المدني بحيث لا يقتصر على الترخيص الأولي لسلامة البنية التحتية، بل يتوقع أن يكون هناك رقابة دورية على مرافق المدرسة.
8) تفعيل دور الصحة المدرسية، بتواجد العامل الصحي إن كان طبيب أو ممرضة بشكل مستمر بالمدرسة، وهذا للأسف في الاردن بوضع متردي في اغلب المدراس الحكومية ويقتصر على التطعيم وزيارات غير فاعلة من قبل العاملين بالمراكز الصحية للمدارس، كما وان هناك دور وقائي للصحة المدرسية بالرقابة على المخاطر يوازي بل يفوق دورها في الاستجابة للحوادث والإصابات، بالإضافة لدوره في تثقيف الطلاب بمهارات الشخصية المتعلقة بالصحة والسلامة العامة.
المسؤولية القانونية والحقوقية والأخلاقية المتعلقة بحدوث إصابات بسبب البيئة التعليمة غير الآمنة؟
التسبب في الوفاة عن إهمال أو قلة احتراز هو جريمة يعاقب عليها القانون الأردني بنصوص واضحة، وعدم تجنب المخاطر في المدرس التي تعرض الطلاب للموت، هو إهمال وقلة احتراز، ويتوقع من الادعاء العام ملاحقة المتسبب حسب هذه النصوص القانونية. من الناحية القانونية والمنطقية تتحمل المدرسة ومديرية التربية ووزارة التربية المسؤولية المباشرة عن الوصول لظروف الإهمال هذه.
نصت المادة (343) عقوبات” من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات“، كما نصت المادة 289 من قانون العقوبات الأردني على أن "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره.
حسب المادة 344 من قانون العقوبات يكون عقاب إحداث عاهة دائمة نتيجة الإهمال الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وحدد القانون أشكال العاهة بقطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو الى تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم.
وبمرجعية القانون المدني تتحمل الجهة المسببة للضرر على الطفل التعويض المادي المتعلق بالوفاة أو تخلف عاهة مستديمة، إن كانت إدارة المدرسة أو المديرية ذات العلاقة أو زارة التربية فقد نصت المواد 256 و266 و267 من القانون المدني الأردني على: "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز ضمان الضرر" و "يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار"
يشكل عدم ملاحقة المتسبب بالإهمال شكل من أشكال الإفلات من العقاب وانتهاكا لحقوق الإنسان وحقوق الطفل، وبالمرجعية القانونية والعلمية المسندة يشكل الإهمال جرائم حق عام يجب ملاحقتها حماية للمجتمع ولجميع الطلاب في كافة المدراس.
الخبير في حقوق الطفل ومواجهة العنف والإصابات
Comments