top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

الأثار الإيجابية لإلغاء المادة 308 على الضحايا وأسرهم وعلى المجتمع


الأثار الإيجابية لإلغاء المادة 308
الأثار الإيجابية لإلغاء المادة 308

إلغاء الإفلات من العقاب بتزويج الضحية للمغتصب بمرجعية المادة 308 من قانون العقوبات كانت خطوة رائعة من قبل مجلس الأمة الأردني لان وجودها كان يشكل إنهاكا صارخا لحقوق الانسان للأسباب التالية:

1) المادة 308 لم تكن تحقق العدالة الاجتماعية: التقبل الواسع لتطبيق هذه المادة يعكس انتشار ثقافة سلبية سائدة بالمجتمع تتصف بالجهل وعدم العدالة. هناك ارتباط سلبي سائد بالمجتمع بين فقدان "عذرية المرأة" ووجود وصمة عار ومكانة المرأة المتدنية، فقد تتعرض المرأة لاتهامها بالسقوط بالرذيلة فقط بسبب عدم وضوح علامات عذريتها عند الزواج، مما يجعلها ضحية؛ تقاسي من ضغط نفسي واجتماعي غير عادل، وقد تتعرض للتحقير والنبذ وللطلاق وللأذى الجسدي والتعذيب وحتى القتل في بعض الحالات. هذا القناعة السائدة خطاءً في المجتمع بضرورة ظهور علامة العذرية عند أول أتصال جنسي قد تدفع المرأة للقبول من الشخص الذي أعتدى عليها جنسيا، حفاظا على سمعتها وتجنبا للوصمة الاجتماعية. 2) المادة 308 لم تكن متفقة مع الاصول الشرعية: تزويج الضحية للمغتصب مخالف للمرجعية الشرعية للزواج، باكتمال شروط القبول والإشهار. 3) المادة 308 لم تكن دستورية لأنها تعكس عدم المساواة بين الرجل والمرأة، ولعدم تحقيقها العدالة وتوفر الظروف القانونية لإفلات المغتصب من العقاب. 4)كان استخدام المادة 308 يشكل انتهاك لحقوق المرأة لأن للعنف الجنسي عواقب وخيمة على الضحية من الناحية الجسدية والنفسية وعلى الصحية الإنجابية، وهناك مخاطر للتعرض لطيف واسع من المشاكل الصحية التناسلية والجنسية والعواقب التي تشاهد أما مباشرة أو بعد سنوات من الاعتداء، وإن العواقب النفسية قد تدوم طويلاً، ومن غير المقبول بوجود جميع هذه العواقب ان ترتبط الضحية مع الجاني طوال عمرها وهو الذي تسبب لها بكل هذه العواقب، وزواجها من المعتدي سيؤدي حتما لزيادة هذه المعاناة. 5) كان استخدام المادة 308 يشكل انتهاك لحقوق الطفل بالحماية من العنف الجنسي حيث أن تزويج المغتصب من الضحية هو اغتصاب متكرر بالإضافة لجريمة الاغتصاب التي أفلت منها. هو أيضا انتهكا لحق الطفل بالصحة والحياة لأن الزواج المبكر القصري للقاصرات له مخاطر صحية مباشرة كالإجهاض والولادة المبكرة ومضاعفات الحمل المختلفة وعواقب صحية نفسية ترافق الضحية مدى الحياة. الحكومة ملزمة بالحفاظ على هذه الحقوق بمرجعية اتفاقية حقوق الطفل. 6) كان استخدام المادة 308 يزيد من احتمال تعرض الضحايا بعد زواجهن للعنف الجسدي وللاستغلال الجنسي وزيادة احتمال انخراط المرأة في جرائم الدعارة والإتجار بالبشر. أصل الخلاف على المادة 308 بين مؤيد ومطالب بإلغاء المادة، ليس له علاقة مطلقا بالعدد الاحصائي لشيوع حالات العنف الجنسي للفتيات من عمر 15 -18 سنة والتي لم تزيد سنويا عن 0.0001 (فتاة من كل عشرة ألاف امرأة) من نساء الأردن وعلى مدى عشرات السنوات، وإنما أصل الخلال هو النظرة الدونية لمكانة المرأة في المجتمع وكونها ملك للرجل وانه يمكن السيطرة على سلوكيتها وحل أي مشاكل متعلقة بها رغما عنها ان كان من اقاربها او اسرتها أو عشيرتها أو من قبل الحكومة، وهذا ظهر جليا في تصريحات وسلوكيات المؤيدين لإبقاء المادة إن كان في الاعلام او من تحت قبة البرلمان، وأيضا من ردود فعلهم المتوتر الغاضب بعد قرار الغاء المادة.​

​أسباب أخرى للخلاف: تتعاضد الثقافة الجندرية السلبية نحو المرأة مع بعض المستفيدين من بقاء المادة 308 لأمور متفاوتة تشمل المستثمرين اجتماعيا في الجاهات العشائرية التي يتم من خلالها الاتفاق على الزواج، وعدد من المحامين الذين توفر لهم المادة 308 تحقيق نصر مهني ومكسب مادي سهل وهنا لا اعمم، كما وان هناك عدد من المهنيين ينقصهم الاطلاع على المعارف والمهارات في مجال الوقاية من العنف الجنسي، حسب المراجع البحثية المستقرة والمسندة، وعدم الاطلاع على المرجعية الشرعية الفقهية الحقيقية المتعلقة بالزواج.

مع الشكر الى اللجنة الملكية لتطوير سيادة القانون التي اوصت بإلغاء المادة 308 ولحكومة الملقي التي الغت المادة في مشروع القانون الا ان جميع الحكومات السابقة كانت ترفض مجرد فكرة الإلغاء وجذور ذلك يعود إلى ان الإبقاء على المادة 308 هو إخفاء حقيقي لفشل واخفاق الدولة بالتعامل مع ضحايا العنف الجنسي من الفتيات بمرجعية حقوق الإنسان فالمادة 308 توفر الحل الاسهل البسيط السريع بالتضحية بالفتاة بتزويجها قسريا للمجرم المعتدي دون تقييم حقيقي لِما كان يجب ان توفره الحكومة لهؤلاء الفتيات الضحايا غير إرغامهن على الزواج.

وجود المادة 308 في قانون ا لعقوبات كان يشكل غيابا للعدالة الاجتماعية وانعكاسا سلبيا لمكانة المرأة في المجتمع وسلبا لحريتها في اختيار مستقبل حياتها، فبعد تعرضها للاستغلال الجنسي، كانت ترضخ لقرار الزواج من المعتدي عليها والذي يتخذ من قبل اسرتها ومن قبل الجاهات العشائرية التي لا يوجد مجال لرفض سطلتها في ظروفنا الاجتماعية الحالية، فإلغاء المادة يعيد للفتاة مكانتها ويحقق العدالة وعدم الإفلات من العقاب.

تعرض المرأة للاستغلال الجنسي وزواجها من المعتدي عليه هو استمرار وتكرار لهذه الاعتداء وللاعتداء الجنسي آثار سلبية على الصحة الجسدية والنفسية والصحة الإنجابية وخاصة للفتيات صغيرات السن، ويزيد من احتمال تعرضها للأمراض الجنسية المعدية، والاضطرابات النفسية التي تدوم للعديد من السنوات، هذه العواقب تحدث في أي اعتداء او استغلال جنسي وفي حال زواج الضحية من المعتدي فإن هذه العواقب تتضاعف وسيزيد حتما من معاناة الضحية، فجاء الغاء المادة ليخفف من هذه العواقب، ويقدم المعتدي للمحاكمة.

المخاطر من الغاء المادة 308 غير حقيقية

ألغاء المادة 308 وفر حماية لليافعات (15 الى 18 سنة) من مخاطر الزواج المبكر من المعتدي، وهن بطبيعة الحال من الأطفال حسب الاتفاقيات الدولية والتشريعات الأردنية، فالزواج المبكر وخاصة بهذه الطريقة القصرية أو المرتبطة بالإذعان كان مرتبط بمشاكل صحية مباشرة كالإجهاض والولادة المبكرة ومضاعفات الحمل المختلفة وعواقب صحية نفسية ترافق الضحية مدى الحياة.

1) الاعتقاد ان وجود المادة 308 يحمي من وصمة الحمل غير الشرعي المرافق للاعتداء الجنسي غير حقيقي لأنه عدد حالات الاستغلال الجنسي قليلة نسبيا مقارنة مع الأرقام الدولية ونسبة حدوث الحمل أيضا قليلة جدا ويمكن بسهولة التخلص منها بدرجة كبيرة بتطوير خدمات الطب الشرعي في إدارة حماية الأسرة وأقسامها بتدريب الأطباء الشرعيين على وصف عقار منع الحمل الأستدراكي (ما بعد الاستغلال) للضحايا بالإضافة لتنفيذ برامج توعية بالثقافة الجنسية واعتماد مناهج الصحة الجنسية والصحة الانجابية المناسبة لمجتمعنا لتدرس في كافة مدارس الفتيات.

2) الاعتقاد ان وجود المادة 308 وزواج الضحية من المتهم يحمي من وصمة فقدان العذرية أيضا غير حقيقي، لان مفهوم العذرية السائد اجتماعيا ليس له مرجعية طبية او شرعية، فغشاء البكارة ليس بالضرورة ان يتمزق مع اول اتصال جنسي وقد يتمزق لأسباب إصابية أو مرضية وتعتبر المرأة ورغم وجود هذا التمزق بكر شرعا، ومن الناحية الشرعية الثيب (عكس البكر) هي التي تم معها الخلوة الشرعية بأية أنشطة جنسية وليست بالضرورة المواقعة المهبلية، أي انه ليس هناك علاقة مطلقا بين سلامة نسيج غشاء البكارة وكون الفتاة بكر، وهذا يتطلب برامج توعية على المستوى الوطني للتخلص من خرافة العذرية وغشاء البكارة.

3) الاعتقاد ان وجود المادة 308 وزواج الضحية من المتهم يحمي من مخاطر التهديد بالقتل العرفي (جرائم الشرف) أيضا غير حقيقي فالقتل العرفي له جذوره المتعمقة في مجتمعنا وهي غير مرتبطة بوجود المادة أو الغائها، فكثير من الحالات قبل الغاء المادة قتلن بعد ان تزوجت الضحية من المعتدي، والتخلص من جذور القتل العرفي مرتبط ببرامج تغير الثقافة السائدة عن المرأة من أنها ملك للرجال وأنها لا تملك حرية التصرف بمستقبل حياتها وانها لا تملك ان تكون إنسانة على قيد الحياة، ويرافق ذلك برامج تمكين المرأة وتنفيذ المساواة الحقيقية ما بين الرجل والمرأة في كل مناحي الحياة.

4) الغاء المادة 308 يعني عدم الإفلات من العقاب وتنقيذ العقوبة واجبة على المعتدي، وعلى المدى البعيد يترك ذلك رسالة اجتماعية أن الاستغلال الجنسي غير مقبول وان عقابه معروف من قبل المجتمع وبالتالي سيأدي لخفض شيوع جرائم الاستغلال الجنسي بما فيها من عمرهن اقل من 18 سنة.

ما هي الخطوات المقبلة بعد قرار إلغاء المادة 308؟

يتوقع من الحكومة ان تتحمل المسؤولية المباشرة بتنفيذ البرامج التالية من خلال وزارة ا لتنمية الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة ببرامج مستدامة غير المتناثرة وان تعتمد بذلك على ميزانية الدولة مباشرة بغض النظر على المنح والمساعدات التي تقدم لتنفيذ هذه البرامج:

1) الوقاية الشمولية هي برامج توعية تقدم لعموم الفتيات قبل تعرضهن للاستغلال الجنسي.

2) الوقاية الانتقائية هي برامج توعية تقدم للفتيات المحتمل أنهن معرضات للاستغلال الجنسي أكثر من غيرهن.

3) الوقاية المحددة عقب حصول الاستغلال الجنسي بتقديم الخدمات النفسية، الاجتماعية، الطبية، الطبية الشرعية، بما في ذلك وصف عقار منع الحمل الاستدراكي (بعد الاستغلال الجنسي)، وإجراء اختبارات الكشف عن العدوى بالأمراض الجنسية المعدية مثل داء السيلان والزهري وفيروس الإيدز والتهاب الكبد البائي واتخاذ قرار اتقاء العدوى المنقولة جنسياً، وتوفير عقار الوقاية من التعرض لمرض الأيدز.

هذه ابجديات الاستجابة "الاجتماعية النفسية الطبية" للاستغلال الجنسي للفتيات بالمراجع المسندة.

مسار الحماية الاجتماعية (أعلاه) هو مسار منفصل تماما عن مسار عقاب المجرم جزائيا.

وللتوضيح أكثر... مسؤولية الدولة تنقيذ (1) الحماية الاجتماعية للفتيات وأيضا وبمسار منفصل تماما (2) عقاب المعتدي.

تزويج الضحية للمعتدي هي حالة فصامية لأنها انتهاك لحقوق الفتاة فهي تسمح للدولة بعدم تحمل مسؤولية الردع بعقاب المعتدي تبعا لعدم تحملها مسؤولية الحماية الاجتماعية بالوقاية الشمولية والانتقائية والمحددة.

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي

الخبير في مواجهة العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة

١٨٥ مشاهدة
bottom of page