top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

دور الطب الشرعي بالتعامل مع ضحايا تفجيرات عمان

data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAPABAP///wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==

في ذاكرتي حول ضحايا تفجيرات عمان عام 2005 التي استهدفت ثلاثة فنادق هي الراديسون ساس وحياة عمان وديز ان... ضحايا فقدوا الاتصال مع العالم وبقيت اجهزة هواتفهم الخلوية، في المشرحة، تستقبل اتصالات للاستفسار والاطمئنان على اصحابها الذين تركوا هذه الدنيا والتحقوا بالرفيق الاعلى ليلتحقوا بمواكب الشهداء.


ولا تغيب عن المخيلة ردود فعل ذوي الشهداء، في التعرف على هوية اعزائهم..

"لا انسى تضارب المشاعر التي انتابت العريس اشرف دعاس عندما تعرف على جثة والده فامتزجت مشاعره واختلطت بين الحزن الشديد والفرح الذي سرق منه ليلة كان يفترض لها ان تكون مليئة بمشاعر السعادة الغامرة"..

وفي الذاكرة أيضا... "ان والد احدى الضحايا ومن هول المنظر لم يتعرف على فلذة كبده، واجرى اتصالا مع زوجته ليسألها عن الملابس التي كانت ترتديها في حفل العرس ليسترشد بها الى ملامح ابنته"

... الذكريات مازالت راسخة في تفكير العديد من الذين تعاملوا مع احداث تلك الليلة التي استمر فيها التعرف على الضحايا وتحديد الاصابات لاكثر من 12 ساعة متواصلة الى جانب الكشف على أشلاء الإرهابيين مساء اليوم التالي للتفجيرات.

دور الطب الشرعي لا يقتصر على اثبات نوعية وكيفية الاصابات للضحايا فقط وانما في اثبات الجرم الارهابي والتعرف على الإرهابيين من خلال إعادة تركيب الأجزاء البشرية الى اصولها، والتعرف على جنسهم، وأعمارهم، وطولهم، وصفاتهم الإثنية والعرقية والملامح والقسمات الشخصية لهم وأي سمات مميزة.

صعوبة المهمة في تفجيرات عمان أن بعض الأجزاء البشرية لم يعثر عليها مطلقا ما حتم إجراء عمليات فحص والتعرف على الاشلاء وفحص البصمة الجينية لأشلاء الإرهابيين للتعرف عليهم ولتتبع أماكن وجودهم قبل ارتكابهم العمل الإرهابي.

ولم يتوقف دور الطب الشرعي عند عملية التعرف والكشف عن الجثث وانما امتد ليشمل مهمات اخرى بالتنسيق والمشاركة مع القطاعات الأخرى بحصر المتوفين والمصابين في المستشفيات والتعامل مع الدفاع المدني والاجهزة الامنية ووسائل الاعلام والقطاعات الاخرى، عدا عن استفسارات الأهالي والأقرباء التي كانت تتم بطريقة إنسانية مرجعيتها البعد النفسي والإجتماعي وبما يتفق وأخلاقيات المهن الطبية والحفاظ على السر المهني والقانوني وبما يضمن الحفاظ على السلامة العامة والأمن والامان أثناء عملية الكشف.

... كيفية تعامل المركز الوطني للطب الشرعي مع ضحايا حادث التفجيرات الارهابية التي استهدفت فنادق عمان كان باستدعاء الكادر الطبي، والتمريضي، والفني، والإداري مباشرة، ومن ثم إستخدام نماذج التعرف والكشف والتصوير الرقمي، وتحديد ثلاثة مواقع للكشف على الجثث في المركز الوطني للطب الشرعي والمدينة الطبية والجامعة الاردنية للكشف الطبي الشرعي وتوثيق الإصابات وتحديد سبب الوفاة وجمع الأدلة.

... هناك آليات عديدة لحدوث الإصابات في إنفجار وتشمل التأثير العصفي للانفجار وتأثير اختراق المقذوفات لجسم الضحية، والتأثير القاتل للأجسام القريبة من الإنفجار والتي تتحول إلى مقذوفات تخترق جسم الضحية، وهناك الحروق من الغاز المشتعل والنيران المشتعلة بالبيئة المحيطة والحروق الناجمة عن الأجسام شديدة السخونة، اضافة الى الإصابات والوفيات بسبب سقوط البناء أو الأثاث على الضحايا أو عن طريق التزاحم والتراص في مكان الإنفجار.

... ان طبيعة الإصابات الناجمة عن إنفجار إرهابي تعتمد على ماهية المواد المستخدمة في الانفجار وبعد موقع الشخص عن مركز الإنفجار، ويكون الاثر المدمر للمتفجرات المصنعة يدويا بسبب الأجسام المتطايرة كالمقذوفات التي تخترق اجسام الضحايا.

... ان أغلب الإصابات الناجمة عن الإنفجارات الإرهابية كانت بسبب ما نتج عن الإنفجار من مقذوفات ذاتية أو ثانوية كشظايا غلاف أداة الإنفجار أو قطع معدنية رفيعة أو غليظة تضاف إلى المواد المتفجرة كالمسامير والكرات المعدنية، التي تخترق أجسام الضحايا وتؤدي الى الوفاة.

... وتختلف انماط الاصابات من قرب الأشخاص من الإنفجارات الكبيرة أو ملاصقة جسم الضحية من القنبلة او من جسم الإرهابي اذ يمكن ان تدمر القنبلة كامل الجسم أو جزءا منه وتحويله إلى قطع متطايرة من غير المستطاع العثور عليها لتناثرها على مساحة واسعة.

... ان الجزء المُدمر من الجسم قد يكون الأطراف السفلية أو اليدين أو البطن اعتمادا على موقع الإنفجار من جسم الإنسان، فقد تظهر هذه العلامات المحددة في الإرهابي نفسه في منطقة الأطراف العلوية اذا حصل الإنفجار اثناء حمل القنبلة، او تعيير المُؤقت، أو نقلها، أو أثناء تصنيعها، والأغلب يكون الجزء المُدمر من جسم الأرهابي هو منطقة الصدر والبطن إذا كان الإنفجار على شكل قنبلة حزام ناسف يفجره الإرهابي بنفسه.

... أثناء الكشف الطبي المباشرعلى ضحايا الإعتداء الإرهابي، قام الأطباء الشرعيون بمهمة التعرف على الضحايا بعدة طرق تبدأ من الملحقات الشخصية والهوية والسمات البيولوجية ثم إلى إجراء فحص البصمة الجينية وجمع الأدلة المادية من أجساد الضحايا والأرهابيين مثل الشظايا أو أجزاء مكونات القنبلة لمحاولة معرفة صانع القنبلة، والتاكد من عدم وجود أية إصابات مشتبهة سبقت التفجيرات، اضافة الى توثيق ماهية الإصابات بالتصوير الرقمي وبالتقارير الطبية وبالتالي إثبات الجرم بتحديد أسباب وفيات الضحايا.

وبعد الانتهاء من الجانب العملي يقوم الطب الشرعي بالتواصل مع اقارب الشهداء للتعرف على الجثث في اطار إنساني يتصف بالسرية المهنية".

...في تفجيرات عمان نتذكر تلك الإجراءات التي نفذها الطب الشرعي مع الأسر والأقارب واحترام رغباتهم وطلباتهم ومحاولة تلبيتها وإعلام الأقارب عن الإصابات التي عانى منها الشهداء وتحضير الأقارب نفسيا ومرافقتهم خلال التعرف على جثث اعزائهم واحترام رد فعل الأقارب لدى مشاهدتهم الموتى".


استدعت تفجيرات عمان ايجاد برنامج وطني لإغاثة ضحايا الكوارث الجماعية بما فيهم ضحايا العنف والإرهاب... اهمية هذا البرنامج تكمن في تقديم خدمات متكاملة للضحايا وأسرهم عقب الحوادث مباشرة وعلى المدى البعيد ومن خلال ايجاد مظلة للتعاون بين الحكومة والمؤسسات التطوعية والمجتمع المحلي لتشمل العلاج الطبي والتأهيل النفسي والإجتماعي والمهني لضمان تقديم خدمات متكاملة.البرنامج يستدعي تدريب مجموعات من المهنيين في قطاعات مختلفة لمواجهة الصعاب عند تقديم الخدمات لضحايا العنف والإرهاب، ومناصرة وتأييد الضحايا أثناء إجراءات المحاكمات الجزائية والحقوقية وتوفير الخدمات القانونية لهم .

الدكتور هاني جهشان مستشار اول الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف

١٣٩ مشاهدة
bottom of page