top of page
  • صورة الكاتبمستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان

تغيب الفتيات عن منازلهن، الجذور، العواقب، والاسباب


تغيب الفتيات عن منازلهن، الجذور،  العواقب،  والاسباب
تغيب الفتيات عن منازلهن، الجذور، العواقب، والاسباب

تغيب الفتيات عن منازلهن، الجذور، العواقب، والاسباب هروب المراهقين من المنزل، يشمل الفتيات والفتيان في عمر المراهقة (من 12 لغاية 18سنة)، وهي مشكلة حقيقية في الأردن حيث أن أغلب الحالات التي تصنف على أنها عنف الجنسي والتي يتم الكشف عليها في عيادات الطب الشرعي المتخصصة بإدارة حماية الأسرة وأقسامها، مقترنة بتغيب المراهقين عن منازلهم وخاصة الإناث منهم، فقد بلغت نسبة حالات الاستغلال الجنسي المتعلقة بظروف تغيب الفتيات عن المنزل ما نسبته 72% من مجمل حالات العنف الجنسي التي كشف عليها في عيادات الطب الشرعي في السنوات الماضية.


ما هي عوامل الخطورة التي تؤدي لتغيب الفتيات من منازلهن؟

  1. بعض المراهقات يهربن من المنزل بسبب إعتقاد تولد لديهن أنهن مضطهدات، وأنه بهروبهن سيحصلن على الحرية والإستقلالية، بما فيها حرية أختيار صديقاتهن أو بدافع لقاء اشخاص على علاقة غرامية معهن، وفي كثير من الأحيان، يكن قد تعرفن عليهم من خلال طرق التواصل الحديثة كالهاتف الخلوي أو الإنترنت.

  2. تعرض المراهقات داخل الأسرة للعنف والإهمال يشكل عامل خطورة هام لهروب المراهقات من منازلهم، بما في ذلك مخاطر أرغام بعض الفتيات على الزواج المبكر بدون رضاء منهمن، أو أن يكن قد تعرضن لعنف جنسي أثناء طفولتهن ويهربن قبيل زواجهن خوفا من تعرضهن لوصمة أنهن لسنا عذراوات.

  3. أغلب هؤلاء المراهقات هن من أسر تتصف بدرجة عالية من التفكك الأسري والنزاعات الزواجية، وشيوع العنف والإهمال، ومعاناة أفرادها، خاصة أحد الوالدين، من الأمراض النفسية، وتشكل كل واحدة من هذه العوامل بيئة طاردة للطفلة، وتزداد خطورة هذه العوامل بتعاضدها مع بعضها البعض.

  4. تشكل معاناة المراهقات من الإضطرابات النفسية وبعض أشكال إضطراب الشخصية المرتبطة بتعرضهن للعنف والإهمال، عامل خطورة هام لهربهن من المنزل بسبب غياب التأهيل النفسي والإجتماعي، وأظهرت الإحصاءات أن نسبة هذه الإضطرابات تصل إلى 75% من مجمل عدد المتغيبات، كما وأن نسبة شيوع إنتشار الكآبة ومحاولة الإنتحار بينهن تصل إلى 30% من مجمل عددهم.

  5. بعض المراهقات يكون الدافع للتغيب عن المنزل هو تعودهن أو إدمانهن على العقاقير المهدئة أو المنومة أو المهلوسة، أو على المخدرات، ويكون دافع الهرب من المنزل هو محاولة الحصول على هذه المواد، وهذا الدافع مرتبط بإنخراط المراهقات بأنشطة جرمية بما فيها تجارة الجنس وتجارة المخدرات بهدف ضمان الحصول على موارد مالية لتلبية حاجتهن للمواد التي يستخدمونها.

  6. هروب المراهقات من مؤسسات الرعاية الإجتماعية التي ترعاهن لأسباب عديدة أهمها البيئة السيئة الطاردة، والتي تتصف بالإهمال والعنف وغياب البنية التحتية لحياة كريمة بها.

  7. نقص أو غياب التوعية بالخدمات التي توفر الحماية والرعاية للأطفال بما فيهم المراهقات المتعرضات للعنف والإهمال، وعدم معرفة المراهقات بخطوط هواتف المساعدة لهن ولأسرهم، والتي في حال توفرها قد تقي من حدوث الهرب، او قد توفر الحماية والرعاية في حال حدوثه وبالتالي تخفف من عواقبه.

  8. خنوع المراهقات للأهل وخوفهن من الشرطة والقضاء والخدمات الإجتماعية، وعدم معرفتهن بتوفر خدمات لائقة تحترم إنسانيتهن وتوفر الرعاية المناسبة لهن، أو غياب أو ضعف مثل هكذا خدمات، تؤدي هذه العوامل بمجملها إلى إستمرار تغيبهن عن المنزل.

عواقب التغيب عن المنزل:

  1. أثناء تغيبهن عن المنزل تكون المراهقات ضحايا مخاطر الإستغلال الجنسي بكافة أشكاله بما في ذلك مخاطر الإنخراط في تجارة الجنس، وخاصة في حالة كونهن في عمر المراهقة المبكر، وتزداد إحتمالية التعرض للإستغلال الجنسي من قبل الغرباء وكذلك الإنخراط بتجارة الجنس، في ظروف التعود على المخدرات والكحول، وطول فترة التغيب عن المنزل والعثور على فتيات مراهقات متغيبات بظروف مماثلة، وكذلك في حال كون المراهقة تعاني من اضطرابات الشخصية أو الاعراض النفسية قبل الهرب من المنزل.

  2. أيضا يصبحن هؤلاء الفتيات ضحايا العنف والإيذاء من قبل المجرمين اليافعين المتواجدين في شوارع الأحياء الفقيرة والمكتظة.

  3. أيضا هن معرضات للجنوح والإنخراط في إرتكاب جرائم كالسرقة وتهريب المخدرات، والدعارة، والإنضمام لعصابات الإتجار بالبشر، وبالمخدرات.

  4. وأيضا هن معرضات للإصابة بالعديد من الأمراض، كالأمراض الجنسية المعدية بما فيها الأيدز ومرض الكبد الوبائي، وأمراض الجلد المعدية التقمل والجرب.

  5. وأيضا معرضات لمخاطر التعود والإدمان على الكحول والمخدرات والعقاقير المهلوسة والمهدئة، والمواد الطيارة.

  6. عند العثور عليهن هناك خطر تعرضهن للعنف من قبل أهاليهن ويشمل ذلك العنف النفسي بالشتم والتحقير ووسائل الإذلال المختلفة والتي قد تشمل أنشطة من مثل إرغام الفتيات على ترك المدرسة وحبسهن بغرفة معزولة بالمنزل، وقطع الإتصال بهن مع أي صديقة لهن خارج المنزل، والقص العشوائي لشعورهن أو جر رؤسهن على الأتربة، وكذلك إرغامهن على الزواج مبكرا تجنبا للوصمة الإجتماعية المتعلقة بتغيبهن عن المنزل، وأيضا هناك مخاطر تعرضهن للتعذيب من مثل التربيط بالحبال والتقييد بالسلاسل المعدنية، وهذه الأنشطة قد تمتد إلى تعذيبهن جسديا كالضرب بالعصي والجلد بالسوط، وقد يصل الإيذاء الجسدي إلى قتلهن بداعي الحفاظ على شرف الأسرة.

  7. وعند العثور عليهن ايضاً هن معرضات لمخاطر العنف والإهمال والمعاملة القاسية اللانسانية من قبل نظم الرعاية الإجتماعية والقضائية عقب تصنيفهن أنهم "أطفال في نزاع من القانون" أو أنهن بحاجة لحماية ورعاية.

  8. تُضاعف هذه العواقب أثناء وجود المراهقات في مؤسسات الرعاية الإجتماعية، إن كان بهدف الحماية والرعاية أو بسبب نزاعهم مع القانون، في حال غياب البرامج المهنية المتخصصة بالتعامل مع هؤلاء اليافعات، والتي يفترض في حال وجودها أن تهدف لتأهيلهن نفسيا وجسديا وإجتماعيا، لكن الواقع المؤلم أن مثل هكذا برامج عائبة، وبالتالي تكون هذه المؤسسات في أغلب الأوقات بيئة حابسه للحرية تتفاقم بها تجارة الجنس والمخدرات وزيادة الجنوح.

وصف معمم لظروف تغيب المراهقات:

عادة تهرب المراهقات إلى منزل إحدى صديقاتهن لديها ظروف مشابهة، الإ أن الأعم الإغلب منهن، عقب ذلك، يمضين جل وقتهم في أماكن عامة غير آمنة كالحدائق العامة، والأبنية المهجورة، والأغلب منهن يكون لديه وسيلة إتصال، عادة هاتف خلوي، بأحد أفراد الأسرة أو بأحد الصديقات أو زميلات المدرسة، ونسبة ضئيلة منهن ينقطع الإتصال بهم كليا.

نسبة كبيرة من المتغيبات يكن قد تغيبن سابقا، وقاموأ أيضا بالهرب من مؤسسات الرعاية الإجتماعية التي تقدم خدمات الحماية والرعاية لهم.

نسبة كبيرة من المتعيبات لأول مرة عن منازلهن لا يعرفن أن هناك مؤسسات، كإدارة حماية الأسرة، من الممكن أن تساعدهم لحل مشاكل العنف والإهمال التي أدت لتغيبهن عن المنزل، ولا يعرفن طريقة الوصول لمقدمي هذه الخدمات، ولديهم خوف حقيقي من أهاليهن وكذلك من الشرطة ومن الخدمات الإجتماعية وهذا الخوف هو سبب هام يؤدي إلى إستمرار هربهم وتغيبهن عن المنزل.

أغلب المراهقات المتغيبات يعتقدن أن مقدمي الخدمات الشرطية والإجتماعية والصحية سيعاملوهن بطريقة قاسية تخلو من الإحترام والمصداقية ولا تتصف بالإنسانية، مما يؤدي إلى زيادة فترة تغيبهن عن المنزل.


ما هو الوضع الراهن للإستجابة لحالات تغيب الفتيات عن المنزل؟ وما الذي نحتاجة للتعامل مع هذه الحالات؟

إدارة حماية الاسرة والطب الشرعي ليسا المكان المناسب للتعامل مع حالات تغيب الفتيات عن المنزل.

يتم التعامل مع أغلب حالات التغيب عن المنزل، على أساس أنها حالات إستغلال جنسي، أو حالات لإشتباه بحصول عنف جنسي، بأسلوب يتصف بالرتابة وبالروتين والعشوائية في بعض الأحيان، دون محاولة الولوج في جذور مشكلة التغيب ذاتها، وتتصف هذه الإستجابة بالمعاملة القاسية واللانسانية في بعض الأحيان وتتصف بالإتهامية واللوم للفتاة، وفي بعض الأحيان توبيخ المراهقة على الفعل الذي قامت به، وإذا أرتكبت أثناء تغيبها اي فعل قد يتصف بالجنوح فإنها تدخل في إجراءت النزاع مع القانون وما يتضمن ذلك من عقوبات بمرجعية قانون الأحداث الحالي، والتي تشكل بحد ذاتها شكلا من أشكال الإساءة لهن.

هناك غياب لجهة متخصصة معروفة ومعلن عنها، تستجيب لحالات التغيب عن المنزل، والمتوقع منها أن توفر النصيحة والإرشاد النفسي والإجتماعي والقانوني للمراهقة المتغيبة ولذويها، إن كان ذلك بشكل طارئ عقب التغيب مباشرة بسبب ما يرافق التغيب من معاناة نفسية حادة لوالدي الطفلة ولعائلتها، كما وأنه متوقع منها أن ترشد أسرة المراهقة والمراهقة ذاتها بأدوار الجهات المختلفة كالشرطة، والقضاء، والمحافظ، والطب الشرعي والطب النفسي، كما ويتوقع من هذه الجهة أن تضمن الحفاظ على حقوق الطفلة المراهقة من ناحية السلامة والأمن وحقها بالحفاظ على حياتها وصحتها وحقها بالتعليم والعودة للمدرسة، وكذلك توفير الإرشاد القانوني للطفلة وذويها بما يحافظ على حقوق الجهتين وضمان مساءلة أي شخص قام بإستغلال الطفلة أو تعريضها لأي شكل من أشكال العنف أن كان في المنزل قبل تغيبها أو خلال فترة تغيبها أو بعدها إذا دخلت المراهقة في نزاع مع القانون.

هناك أيضا نقص في الخدمات النفسية والإجتماعية المتخصصه لعلاج عوامل الخطورة النفسية الإجتماعية التي أدت للهرب من المنزل أو لعلاج العواقب النفسية الناتجة عن الإستغلال الذي تعرضت له المراهقة خلال تغيبها أو المرتبطة بالسلوك الجرمي الذي إرتكبته. هناك حاجة لمهنيين متخصصين في التعامل مع حالات الغضب التي قد يعاني منها والدي المراهقة الهاربة من المنزل، وبالتالي أرشادهم لأنجع السبل للتواصل معها، وتمتد هذه الحاجة للتعامل مع المراهقة نفسها لإرشادها بوسائل العناية بنفسها ومواجهة مشاكل الإدمان او التعود على العقاقير إن وجدت. كما وهناك حاجة لإرشاد أسرة الطفلة بماهية وكيفية التعامل مع مؤسسات الرعاية الإجتماعية، أو المؤسسات الحاجزة لحرية الطفلة الجانحة بهدف يسمح بإعادة التأهيل الإجتماعي مستقبلا.

  • ما هو الحل؟

  1. حل المشاكل التي تؤدي للهرب من المنزل، وهذه مسؤولية وطنية تشمل مجابهة جذور المشكلة وهي التفكك الأسري والعنف الأسري والعنف ضد الأطفال، وتمكين الأسرة بشكل عام، والتوعية بالوالدية الجيدة والتوعية بوسائل الاتصال الإيجابية مع الأطفال بما في ذلك الفتيات المراهقات، وهذه البرامج تحتاج إلى جهد وطني يتجاوز وزارة التنمية الإجتماعية إلى كافة القطاعات الصحية والقانونية والتربوية والمنابر الدينية، والمجالس المعنية بوضع السياسات والقوانين.

  2. التوعية بالخدمات المتوفرة لمشاكل العنف والتفكك الأسري بما فيها خط الهاتف الساخن لعامة المواطنين، وبشكل مخصص للطلاب في المدارس.

  3. توفير برامج متخصصة للتعامل مع المتغيبات عن المنزل، تهدف للعثور عليهن وبالتالي توفير الحماية والرعاية لهن بطريقة إنسانية، تشمل توفير سهولة النفاذ لخط هاتف المساعدة، والخدمات الإجتماعية والقانونية والصحية الداعمة لهن دون تعريضهن لإعادة الإساءة. (أولاً) تتحقق هذه البرامج على أرض الواقع بإنشاء مركز معروف لعموم المجتمع أنه متخصص بالأشخاص المتغيبين (او المفقودين) ويتوقع ان يكون سهل النفاذ خاصة للفتيات وأهلهن، لأبعاد وصمة العنف الجنسي والوصمة المتعلقة بالكشف الطبي الشرعي عنهن. يجب أن يكون لهذا المركز أذرع اتصال مباشرة مع البحث الجنائي وإدارة حماية الاسرة، لكن المهنيين العاملين به على الخط الأول يتوقع أن يكن من المتخصصات في علم النفس والخدمة الاجتماعية مع تدريبهن تدريب متخصص على التعامل مع حالات التغيب بالاستجابات الطارئة واللاحقة. (ثانياً) من غير المتوقع أن تقوم الجهة الرسمية في الأردن المسؤولة عن الخدمات الاجتماعية (وهي وزارة التنمية الاجتماعية) بمثل هكذا مبادرة لأسباب معروفة، فالخدمات الاجتماعية متعثرة أصلا في مكاتب الخدمة الاجتماعية بادراه حماية الأسرة، فقد يكون الحل مرحليا بإنشاء قسم متخصص في إدارة حماية الأسرة، يحمل هذا الاسم، ويتعامل مع مثل هذه الحالات على المستوى الوطني بمرجعية إجتماعية أولا دون اغفال الاحتمالات الجنائية.

  4. برامج قائمة على الدليل المعرفي والبحثي لرعاية المراهقات عقب إدخالهن نظم الرعاية الإجتماعية بما فيها المؤسسات الإجتماعية. للأسف أغلب مؤسسات الرعاية الاجتماعية حاليا تنقصها مثل هذه البرامج المتخصصة، وعلى وزارة التنمية الإجتماعية أن تتعامل مع هذا الموضوع بجدية لتجنب العواقب الوخيمة التي تتعرض لها المراهقات بسبب تراخيها بتوفير هذه البرامج. ويجب ألا تقتصر هذه البرامج على المراهقات أثناء وجودهن في المؤسسات الإجتماعية بل تمتد لتشمل برامج الرعاية اللاحقة عقب خروجهن من هذه المؤسسات، وللأسف هذه البرامج أيضا شبه غائبة تماما عن نظام الرعاية الإجتماعية في الأردن.

الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي في وزارة الصحة

الخبير لدى مؤسسات الأمم المتحدة في مواجهة العنف


٧٥٠ مشاهدة
bottom of page